/ علاء حسن /
أطل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، قبل أيام، بمناسبة يوم القدس العالمي الذي أعلنه الإمام الخميني إبان انتصار الثورة الإسلامية في إيران، قبل أكثر من أربعين سنة.
تحدث نصر الله عن جملة من القضايا الهامة المرتبطة بالصراع مع العدو الصهيوني، حيث فنّد الأساليب غير العسكرية التي اعتمدها العدو الصهيوني من أجل طمس القضية الفلسطينية في نفوس الشعوب العربية والمسلمة، وعدد ثلاثة مسارات أساسية هي: النسيان والتيئيس والإنهاك وكيفية عملها وفشلها في نهاية المطاف.
ووجه نصر الله رسائل تهديد تمثّلت في الآتي:
أولاً، فشل محاولات العدو، والداعمين له والمطبعين معه، في طمس القضية الفلسطينية بكافة طرق الإرهاب الممارسة من قبله، وهو ما أثبتته الروح الفلسطينية من خلال العمليات التي نفذها الفلسطينيون خلال الأسابيع الماضية، في أكثر من منطقة من فلسطين المحتلة، وصمود أهالي القدس وبقية الضفة خلال شهر رمضان المبارك، فضلاً عن تعاطف الشعوب والحركات العربية والإسلامية مع القضية الفلسطينية وما يجري فيها، رغم كل أجواء التطبيع والضغوط الممارسة في هذا الاتجاه، وهو ما يعني استمرار المقاومة.
ثانياً، تحدث نصر الله عن معادلة الأمن في الكيان الصهيوني، وأهميته الحيوية لبقاء هذا الكيان، في إشارة واضحة إلى الاستراتيجية التي اعتمدت وستعتمد خلال المرحلة المقبلة، وهي استكمال لما قاله الأمين العام لـ”حزب الله” بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، عندما تحدث عن يوم قد يأتي ويخرج الصهاينة من فلسطين من دون قتال.
ثالثاً، أشار نصر الله في كلمته إلى ضرورة دعم كل أنواع المقاومة، مالياً وعسكرياً ومعنوياً، مما يدل على أن مسار العمليات الفردية في فلسطين سيستمر وينتظم، إلى جانب العمليات الكبرى التي تنفّذها فصائل المقاومة في فلسطين، والتي تشكل البيئة الحامية للمقاومين في المرحلة المقبلة، ولن تتدخل بشكل مباشر إلا لضبط المسار وعدم السماح للعدو بتغيير المعادلات، إلا أن التنفيذ سيكون فردياً بعيداً عن أعين الأجهزة الأمنية الاسرائيلية من جهة، ويترك جواً من التعاطف الداخلي والعربي مع ما يقاسيه الشعب الفلسطيني.
رابعاً، أشار نصرالله إلى الرسالة التي وجهتها إيران للدول المطبعة مع إسرائيل بعد قصفها لقاعدة “الموساد” في أربيل، في دلالة واضحة إلى السقف العسكري الجديد الذي بدأت إيران برسمه مع العدو الصهيوني، لمنعه من التمدد خارج حدود فلسطين، لكون أي تمدد له خارج هذه الحدود سيعتبر تهديداً مباشراً لها، الأمر الذي يتقاطع مع ما صرحه قائد “فيلق القدس” الجنرال اسماعيل قاآني بأن “إيران ستنتقم لشهدائها، ولن تقيم لهم العزاء من دون رد”، في الوقت الذي أعلن فيه عن قيام مسيّرتين إيرانيتين بالدخول إلى سماء فلسطين المحتلة قبل أشهر، واستنفار عدد كبير من الطائرات الحربية والمسيرة الصهيونية نتيجة لذلك، وهو ما أعلنه الكيان آنذاك على أنه مناورة ولكن في الحقيقة كان بسبب هاتين المسيرتين”. يُفهم من كل ما جرى دخول إيران الفعلي على خط الصراع العسكري مع الكيان الصهيوني، لحصره داخل حدود فلسطين، ومساعدة حركات المقاومة في مواجهة الكيان، فيما يكون ظهرها محمياً.
خامساً، أكد نصر الله وحدة الشعار والخطاب هذا العام، في رسالة واضحة الدلالة أن محور المقاومة أصبح له غرفة قيادة موحدة، وهي أصبحت معروفة المكان والأشخاص، وأن الكيان لن يتمكن من عزل أي جهة عن الآخرين، في أي حرب مقبلة.
سادساً، في ما يتعلق بلبنان تحدث الأمين العام لـ”حزب الله” عن جهوزية المقاومة في الظروف كافة، وأعطى مثالاً عن المناورة الصامتة التي أجرتها المقاومة قبل أسابيع، وانتهاء معادلة “الزمان والمكان المناسبين”، وهو تهديد مباشر لأي حماقة قد تصدر عن الطرف الإسرائيلي، أو أي خطأ في الحسابات التي قد يظن أن القضايا الداخلية قد تكون مؤثرة في أداء المقاومة تجاه الكيان.
في محصلة قراءة الخطاب يظهر أن الأمين العام لـ”حزب الله” أخبر الإسرائيليين، بكل صراحة، أن العمليات في المرحلة المقبلة ستكون فردية في معظمها، نظراً لانخفاض تكلفتها على أكثر من صعيد، ونجاعتها في مواجهة الحصار الاقتصادي والأسقف السياسية، وسيكون خلف هذه العمليات الفردية التي تزعزع الأمن الاسرائيلي وتعجّل في حمل الحقائب من قبل المستوطنين الصهاينة، الفصائل الفلسطينية في الداخل، ومحور من المقاومة بكامله في الخارج، ومن خلف هؤلاء دولة تضيق الخناق على الكيان من التمدد في المنطقة، وتجعله يعيد الحسابات في التهديدات التي يطلقها نحو المقاومين أينما كانوا. مما يعني أن اسرائيل أصبحت عاجزة، ليس فقط في فصل الضفة عن غزة، بل في فصل فلسطين عن المحور، وفي فصل أي جهة من فصائل المقاومة عن باقي المقاومين.
في المحصلة، عندما يتحدث الأمين العام لـ”حزب الله” بهذا السقف المرتفع، فهو يعي تماماً أن تغيير النظام العالمي بات وشيكاً، وأن المقاومين لن تثنيهم عن إزالة الكيان المصطنع أي مؤامرات، وأن “الصلاة في القدس ما هي إلا صبر ساعة”…