| فرح سليمان |
بعد تشكيل حكومة نواف سلام وحصولها على الثقة، ومع اقتراب إستحقاق التعيينات الحكومية، تتجه الأنظار اليوم إلى منصب قائد الجيش اللبناني، حيث يتداخل البُعد الداخلي مع الحسابات الدولية، وعلى رأسها الموقف الأميركي الذي بات أكثر وضوحاً وحزماً في هذا الملف.
ووفق مصادر سياسية بارزة، وصلت رسالة أميركية مباشرة إلى كلٍّ من رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، تؤكد أن اختيار قائد الجيش يجب أن يتم وفق معايير محددة تتناسب مع التوجهات الأميركية، لا سيما فيما يتعلق بنزع سلاح “حزب الله”.
التدخلات الخارجية.. وصاية جديدة بغطاء “الإصلاح”!
الولايات المتحدة، التي تعتبر الجيش اللبناني أحد أدواتها الأساسية للحفاظ على الاستقرار في البلاد، تربط بشكل واضح أي مساعدات مستقبلية للجيش اللبناني بالتزام القيادة العسكرية الجديدة بتنفيذ أجندة تتماشى مع مصالحها، ووفق المعلومات المتداولة، فإن السفيرة الأميركية في بيروت نقلت هذه الرسالة بشكل مباشر وحاسم إلى المسؤولين المعنيين، ما يعكس مدى جدية واشنطن في فرض شروطها على التعيينات الأمنية المقبلة.
هذا التدخل الأميركي ليس جديداً، لكنه يتخذ اليوم طابعاً أكثر وضوحاً في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة، حيث تسعى واشنطن لضمان أن يكون الجيش اللبناني جزءاً من استراتيجيتها الأوسع في المنطقة، لا سيما في ما يتعلق بتطبيق القرار 1701 وضبط الحدود البرية، خصوصاً مع سوريا و”إسرائيل”.
في المقابل، يواجه هذا التوجه الأميركي عقبات داخلية، إذ لا يمكن تجاهل أن تعيين قائد جديد للجيش هو قرار يخضع لمعادلات لبنانية معقدة، تشمل الحسابات الطائفية والتوازنات السياسية، فالقوى المحلية لن تقبل بسهولة بفرض شخصية تتبنى أجندة أميركية خالصة، وهو ما يجعل هذا التعيين معركة مفتوحة بين الداخل والخارج.
السفارة الأميركية، على سبيل المثال، وضعت خطوطاً حمراء حول تعيين قائد جديد للجيش، مطالبة بضمانات تتعلق بتطبيق القرار 1701 وضبط الحدود، في حين أن التعيينات المالية، ولا سيما حاكم مصرف لبنان، تحظى باهتمام أوروبي وخليجي يهدف إلى ضمان استمرارية السياسة المالية وفق معايير تتناسب مع أولويات المجتمع الدولي.
أما على المستوى القضائي، فإن التأخير في تعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى والسلك الدبلوماسي يُظهر مدى تأثير الحسابات الخارجية في هذا الملف، حيث تنتظر بعض الدول أسماء محسوبة على أطراف إقليمية محددة قبل أن تمنح موافقتها على بعض التعيينات الحساسة، فهل باتت السيادة اللبنانية مرهونة بإرادات خارجية؟
وعلى الرغم من الخطابات السياسية التي تتحدث عن تعيينات قائمة على الكفاءة والمهنية، إلا أن الواقع يُشير إلى أن المحاصصة لا تزال هي القاعدة البارزة، فالأسماء المطروحة للقيادات الأمنية والمالية والإدارية تعكس توازنات داخلية دقيقة، حيث يسعى كل فريق سياسي إلى ضمان حصته، ولو تحت ستار “الإصلاح”.
ومن اللافت أن بعض القوى التي لطالما رفعت شعار رفض التدخلات الخارجية، باتت اليوم تبرر قبولها لشروط الدول الكبرى تحت حجة “الحفاظ على المساعدات الدولية”، متجاهلة أن هذه الشروط تعني عملياً التخلي عن القرار السيادي اللبناني لصالح قوى خارجية.
وبينما تسعى الحكومة إلى تقديم نفسها كجهة قادرة على اتخاذ قرارات سيادية بعيداً عن الإملاءات الخارجية، إلا أن الوقائع تشير إلى أن هذا الملف سيكون اختباراً حقيقياً لقدرتها على إدارة الضغوط الدولية دون الدخول في صدام داخلي قد يزيد من تعقيد المشهد السياسي.
فهل سيتمكن الجيش اللبناني من الحفاظ على توازنه بين الضغوط الأميركية والتوازنات الداخلية، أم أن التعيينات المقبلة ستكرّس مزيداً من الارتهان للخارج؟ وهل تنجح حكومة “الإصلاح والإنقاذ” في إستعادة القرار الوطني؟!














