| جورج علم |
الزيارة الرئاسيّة إلى السعوديّة، مصحوبة “بأمنيات وتمنيات”، نظراً للدور المحور الذي تضطلع به المملكة.
يعرف الرئيس جوزاف عون بأن الرياض قادرة أن تخاطب واشنطن بكلمات مسموعة حول ضرورة إنسحاب “إسرائيل” من الأراضي اللبنانية، لأن واشنطن قادرة بدورها أن تخاطب بنيامين نتنياهو بكلمات مسموعة حول ضرورة الإنسحاب حتماً.
وخير البر عاجله، قبل أن يتحوّل الطلب الإسرائيلي بإعادة النظر في إتفاق وقف النار، إلى أمر واقع.
المؤشرات الأولى حملها أعضاء في الكونغرس الأميركي إلى بيروت الأسبوع المنصرم، وأدلوا بمواقف حول مواصفات اليوم التالي في الجنوب المتلازمة ـ من وجهة نظرهم ـ مع تطبيق إتفاق وقف إطلاق النار.
والمواصفات هذه، كناية عن شروط إسرائيليّة عنوانها “ضمان أمن سكان الشمال”! وهذه حجّة تلقى آذانا صاغية لدى إدارة الرئيس ترامب. والردّ ـ أو أحد مفاصله ـ يكون بالتمنّي على الرياض أن توظّف بعض ما لديها من إمكانات وقدرات على الصعيد الأميركي، والدولي، لحمل “إسرائيل” على تنفيذ وقف إطلاق النار من دون عراقيل.
ويعرف الرئيس عون بأنه ما لم يتمّ إخراج الجنوب من عنق الزجاجة الإسرائيليّة ـ الإيرانيّة، فكل كلام عن قيام الدولة، وعن تغيير، وإصلاح، وإستثمار وإزدهار يبقى مجرّد تمنيات، وهو يرفض أن يسجّل له التاريخ بأن العدو الإسرائيلي، قد تمكّن خلال عهده، من إحتلال مرتفعات إستراتيجيّة في الجنوب بذريعة توفير ضمانات أمنيّة لمستعمراته في شمال فلسطين المحتلّة.
وهذا التحدّي شفعه بجرأة الموقف، وقد كان صريحاً مع الوفد الرسمي الإيراني ، حيث أعلن بوضوح “أن لبنان قد تعب من حروب الآخرين على أرضه”.
شاءت الصدف ـ وربما القصد – أن يتزامن هذا الموقف قبيل مشاركة الوفد الإيراني في تشييع الأمين العام لـ”حزب الله” الشهيد السيد حسن نصر الله. وقبل أيام من زيارته السعوديّة، وقد خصّها أمام أعضاء الوفد الإيراني بتنويه “بما صدر عن قمّة الرياض الأخيرة، والتي شاركت فيها إيران، لا سيما لجهة التأكيد على حل الدولتين”. وأشار أمام الوفد إلى أن “لبنان دفع ثمناً كبيراً دفاعاً عن القضيّة الفلسطينيّة”.
ينبع هذا الموقف من خطّة “مثلّثة الأضلع”، تهدف إلى بسط السيادة، ويسوّقها لبنان الرسمي على مستوى الدول الشقيقة والصديقة.
أولها: دعم الجيش، وتمكينه من الإضطلاع بالدور الوطني السيادي المطلوب منه. وقرار الدعم إتخذته دول شقيقة وصديقة، لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي: من قطر، إلى السعوديّة، إلى الكويت، ودولة اللإمارات، إلى الأردن، ومصر… فضلاً عن الولايات المتحدة التي أكدت إستمرارها في دعمه للإضطلاع بمسؤولياته في تطبيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ القرار 1701، في الوقت الذي حجب فيه الرئيس دونالد ترامب الكثير من المساعدات الخارجيّة، وعطل بعض المؤسسات الأميركيّة المتخصّصة.
الثاني: البحث الجدّي في النقاط التي تحتلها “إسرائيل”، ويهدّد بنيامين نتنياهو بعدم الإنسحاب منها.
هناك إقتراحات قيد التداول:
أ – أن يكون لقوات “اليونيفيل” دور أساسي لجهة إختيار كتيبة، أو أكثر، تابعة لدولة ذات وزن، ومقبولة من أطراف النزاع، تتولّى مسؤوليّة التمركز في هذه النقاط، والإضطلاع بدور المطلوب.
ب – أن تقدّم الولايات المتحدة ضمانات، لكل من لبنان و”إسرائيل”، كونها راعية إتفاق وقف إطلاق النار، وأيضاً كونها ترأس – إلى جانب فرنسا – اللجنة الأمنيّة المشرفة على تنفيذه.
وسبق أن قدمت باريس عرضاً، كأن تتحمل هي مسؤولية المراقبة، وتوفير الضمانات. إلاّ أن بنيامين تنياهو رفض العرض، نظراً لعلاقاته المتوترة مع الرئيس إيمانويل ماكرون.
ج – اللجوء إلى العرض البريطاني بإقامة أبراج مراقبة في التلال الخمس الإستراتيجيّة، على غرار تلك المنتشرة على طول السلسلة الشرقيّة، لمراقبة الحدود اللبنانيّة ـ السوريّة، لكن وفق منظومة حديثة أكثر تطوّراً.
ويبقى الضلع الثالث من الخطّة، والذي يعمل عليه الآن، حول مرجعيّة السلاح، وحصريته بمؤسسات الدولة صاحبة قرار الحرب والسلم.
وقد حمل خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، يوم الأحد، بعض الأجوبة التي يبنى عليها. قال:
• سنشارك في بناء الدولة القويّة والعادلة، ونساهم في نهضتها على قاعدة المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وتحت سقف إتفاق الطائف.
• نحن حريصون على مشاركة الجميع في بناء الدولة. وحريصون على الوحدة الوطنيّة، والسلم الأهلي. وبالنسبة إلينا لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه. ونحن من أبنائه.
• مستعدون لمناقشة إستفادة لبنان من قوته، عند مناقشة الإستراتيجيّة الدفاعيّة.
• إخراج المحتل، وإعادة الأسرى، وإعادة الإعمار والترميم، والبنى التحتيّة، إلتزام أساسي لهذه الدولة، ونحن معها.
وبالمختصر، هناك تفويض مطلق كي تنطلق الدولة بمؤسساتها. ودعم غير مشروط للرئيس جوزاف عون كي يقدم على إنجاز ما وعد به في خطاب القسم، وهو الذي قال أمام الوفد الإيراني “إن أفضل مواجهة لأي خسارة، أو عدوان، هي وحدة اللبنانييّن”.
وإنطلاقاً من هذه الوحدة المهدّدة بالإنقراض بين فجوات الجغرافيا، والتاريخ، ونزوات المتلاعبين بحدود الدول، وسيادات الأوطان، يستطيع الرئيس عون أن ينطلق بإتجاه الدول الشقيقة والصديقة ليقول ما يمكن أن يصلحه في لبنان، مقابل ما يمكن أن تقدمّه هذه الدول للمساهمة في إصلاح لبنان ، وإعادته إلى موقعه، ليلعب دوره الطبيعي… واحة العرب.. ومنارة الشرق.














