عُرف اسم “قيصر” منذ لحظات “الثورة” السورية الأولى، وشكلت صوره المحور الفاصل لنظرة العالم لمعاناة الشعب السوري.
وثق “قيصر” الإنتهاكات التي مورست في سجون النظام السوري السابق، من خلال صور الجثث المنكل بها، أو التي قضت تحت التعذيب.
وبعد سقوط نظام بشار الأسد تساءل السورييون والأجانب عن هويته، فمن هو “قيصر”؟
لم يصرح “قيصر” عن هويته قبل سقوط النظام، وعمل بصمت حاملاً صور المعتقلين في حقائبه، ومطالباً المجتمعات الدولية بانصاف ضحايا التعذيب.
حارب “قيصر” بالصور, وساهم بانشاء قانون يحمل اسمه تكريماً لجهوده التي قدمها للشعب السوري “الحر”.
خلع المساعد الأول المنشق فريد المزهان رئيس قلم الادلة القضائية – الشرطة العسكرية في دمشق، إبن مدينة درعا مهد “الثورة السورية” قناع “قيصر”، ليظهر في مقابلة تلفزيونية.
يتساءل الكثيرون عن سبب توثيق النظام لجرائمه في السجون السورية، وعن هدفه من الصور التي طلب من “قيصر” إلتقاطها قبل الإنشقاق.
تحول المزهان من مصور لحوادث السير والجرائم، إلى رئيس قلم لأدلة القضائية، وبعد الثورة كانت مهمته مختلفة عن ما كان قبلها.
تحدث “قيصر” في مقابلة تلفزيونية عن رحلة عمله، قائلاً: “كان عملي، عمل إنساني. لكن مع بداية الثورة أصبح عملنا تصوير ضحايا التعذيب”.
وأكد أن المعتقلين كانوا في غالبيتهم معارضين للنظام من رجال دين ونساء وأطفال، مشيراً إلى أنه بعد قضائهم تحت التعذيب، حولت الجثث إلى المشارح العسكرية ومن بعدها إلى مقابر جماعية.
لماذا وثق “الأسد” جرائمه؟
أوضح “قيصر” أن لا تحليل منطقي لتصرف النظام، معتبراً أن النظام السوري أمن العقاب وإستبعد إمكانية محاسبته.
وقال: “قد تكون أوامر التصوير بهدف التأكد من أن التعذيب نفذ على أكمل وجه”.
وفي حديثه عن بداية توثيقه لجرائم السجون، ذكر المذهان أن أمراً عسكرياً طلب منهم التوجه لمستشفى تشرين العسكري لتصوير أشخاص مجهولين، تبين لاحقاً أنهم متظاهرين، ونقلت جثثهم ببراد خضار.
وأكد أن عملية التصوير كانت تنفذ في مستشفى تشرين، ثم مشفى حرستا، وبعدها تم توجيه قسم الأدلة القضائية إلى مرآب السيارات في مشفى المزة العسكري التي حول إلى ساحة لتجميع الجثث.
كما شدد “قيصر” على أن سبب الوفاة الطبي الذي إعترف به النظام لجميع الجثث كانت “مشاكل تنفس، وتوقف قلب مفاجئ”.
ووثق في مقابلته عمليات الإبتزاز التي تعرض لها أهالي المعتقلين من قبل النظام.
وفي حديثه عن الإبتزاز، أوضح أن الحالة الإنسانية الاولى، التي وثقها للاهالي كانت لمنع أب من دفع مبالغ هائلة لإسترجاع إبنه المتوفي، حيث أعطاه علامات خاصة في جسده لإقناعه بوفاته.
وهذه كانت الغاية الأولى بالنسبة له: منع إبتزاز اهالي الضحايا، مضيفا: “لم يكتفوا بقتل أطفالنا، بالتاجروا بدمهم، وأخذوا الرشاوى لنرى أبناءنا متوفين”.
قرار الإنشقاق:
أكد المزهان أن قرار الإنشقاق كان قراراً مصيرياً إنسانياً وأخلاقياً بحت، لكن قراره أجل بهدف تجميع أكبر عدد من الصور والتوثيقات التي تدين نظام الأسد.
وقال: “لم أتمكن من معرفت جثث أقاربي، بسبب التجويع والتعذيب الذي تعرضن له”، متابعاً: “سهرت طويلاً مع صور الجثث، كانت تكلمني قائلة: متنا دون أن يسمعنا أو ينقظنا أحد”.
“خبأت فلاشات الصور في جواربي، وملابسي”، بهذه الكلمات أعلن “القيصر” عن محاولته التي أسماها برحلة الموت لحماية الصور، خاصة بعد إزدياد التفتيش والتضييق على العناصر في النظام نفسه.
خوفه من الحقيقة لم تكن من أجهزة النظام فقط، ذكر المزهان أن مكان غقامته كانت تابعة لـ”الجيش الحرّ”، وبذلك كان مضطر للتنقل بهوية مدنية مزورة.
رحلة الخروج من سوريا
خرج المزهان من سوريا إلى الأردن بمساعدة آخرين، وبعد الأردن سافر لقطر حيث أطلق عليه لقب “قيصر” من قبل مكتب للمحاماة البريطاني.
في رحلة التوثيق، ذكر المزهان الاهالي الذين شهدوا إلى جانبه لإدانت النظام السوري السابق، وعقب ذلك إعتقل عدد من الضباط وعناصر “الأمن السوري”.
شجاعة فريد المزهان خُلدت لسنوات من حكم نظام بشار الاسد لسوريا، ووثقت للعالم جرائم بالصور والأدلة، فكيف ستوظف المحاكم الدولية هذه الأدلة لإدانة هذا النظام؟ وهل العدالة الإنسانية ستنصف المعتقلين وذويهم؟