رجلان “مهووسان” بتغيير الخرائط!

| جورج علم |

يشلّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الدفاتر العتيقة، يدوّن بقلم مروّس يوميات عهد إنقلابيّ ـ تغييّري.

يطلّ صبيحة كلّ يوم، من نافذة مكتبه على العالم بقرار صادم. يخشاه الشرق الأوسط المريض، والذي يعاني من تصدّعات مزمنة، وارتفاع في درجات الحرارة قي الكثير من الساحات.

بدأت المنطقة تحبس أنفاسها، تحسّباً للقائه المنتظر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. الرجلان متطلّبان. ترامب لا يريد أن يرى ظلالاً لللإمبرطوريات فوق المربعات النفطيّة، لا الأمبرطوريّة العثمانيّة، ولا الفارسيّة، ولا “الحزام والطريق” الصينيّة. لا يريد شريكاً له في الهيمنة. فيما يريد نتنياهو تحقيق حلم “إسرائيل التوراتيّة” بقوّة السلاح، والدعم الأميركي ـ الدولي المتاح.

وليس تاريخ الرابع من شباط مجرد رقم على ورق، إنه الموعد بين الرجلين المهووسين بخربشة جغرافيّة المنطقة. وتبقى العين على الجنوب، واتفاق وقف النار، وموعد 18 شباط، وطبيعة ما يترتب من إلتزامات أميركيّة ـ أمميّة ـ دوليّة لتحقيق الإنسحاب الإسرائيلي.

يندرج الجنوب على جدول أعمال المحادثات الإسرائيليّة ـ الأميركيّة إنطلاقاً من خطة حملها نتنياهو إلى البيت الأبيض تحت عنوان: “أي جنوب آمن لشمال إسرائيل؟”. وأرفق خطته بعناوين تعتبر ـ في حال الأخذ بها ـ خرقاً فاضحاً لإتفاق وقف إطلاق النار، وإحتلالاً مقنعاً بحجج مستخلصة من أرض الميدان، أولها أن “حزب الله” لم ينسحب إلى شمال الليطاني، ولم يسلّم سلاحه للجيش اللبناني، ولم يكشف النقاب عن مخازن أسلحته، وإستحكاماته، ولم يخفّف من وتيرة نشاطاته وفق الممكن والمتاح.

الثاني، أن الجيش اللبناني غير قادر على تجريد “الحزب” من سلاحه. وإذا كان قادراً، فهو لا يريد، حرصاً على السلم الأهلي. وبناء على ما تقدم، يفترض بالولايات المتحدة، والدول الداعمة للجيش، والحريصة على دوره الوطني ـ السيادي، أن تعيد النظر بخطط التسليح التي تعتمدها لدعم دوره، ومضاعفة فعاليته، وأن تأخذ بعين الإعتبار نوعية الأسلحة، وما إذا كانت تشكّل خطراً على “السيادة الإسرائيليّة”، وإقران أي محاولة تسليح بدفتر من الشروط التي تُلزم الجيش بضرورة اعتمادها ليستعيد فعلاً سيادة الدولة اللبنانيّة، ويصبح المرجعيّة المسلحة الوحيدة المنتشرة على كامل تراب الجنوب، من دون أي شريك، أو مزاحم.

الثالث، إصرار نتنياهو على استمرار جيشه في مواقع إستراتيجيّة على طول “الخط الأزرق”، بحجة الحرص على قرار وقف النار، وتحصينه، ومراقبة الحركة الميدانيّة، خصوصاً عندما تبدأ ورشة إعادة البناء والإعمار.

وتفاوت عدد المواقع التي يطمح إليها (ما ين 5 إلى 8 مواقع). إلا أن واشنطن التي ترأس لجنة وقف إطلاق النار، قد تتجاوب شريطة أن تشغل هذه المواقع قوات أميركيّة، بعد التفاهم مع الحكومة اللبنانية، وبالتنسيق والتعاون مع قوات “اليونيفيل”.

إلى ما ستنتهي اليه المناقشات حول الإنسحاب في 18 الجاري؟ هذا ما ستكشفه الأيام!

وتبقى عين لبنان على القرار1701، وآلية تطبيقه.

يسعى نتنياهو إلى إقناع دونالد ترامب بـ”آليّة عملانيّة مركّبة”، عديدها من مراقبين أميركيّين بالتنسيق، والتعاون مع قوات “اليونفيل”، مع الوقوف على ما عند الجانب الإسرائيلي من ملاحظات، وإقتراحات خلال عمليات بالتنفيذ.

ويصر نتنياهو على أمرين:

الأول ـ أن يكون تطبيق الـ1701 متلازماً مع تطبيق القرار 1559، خصوصاً لجهة حصرية السلاح بالدولة، والمؤسسات الأمنيّة الرسميّة. وكل كلام عن “أن شمال الليطاني مختلف عن جوانبه”، وحول “سلاح المقاومة وضرورات إستمرارها”، مرفوض بالمطلق، لا بل هو شرط من الشروط الإلزاميّة التي يفترض تطبيقها قبل المباشرة بوضع الـ1701 موضع التنفيذ.

الثاني ـ ترسيم الحدود البريّة، أو ما يسمى مساحة السيادة التي يشملها القرار1701.

حجة لبنان أن الحدود التاريخيّة ـ النهائيّة مع فلسطين المحتلة رسمتها إتفاقية الهدنة التي وقّعت عليها “إسرائيل” في آذار 1949، بإشراف الأمم المتحدة، في حين أن نتنياهو يتنصّل، وحجّته أن الكثير من المتغيرات قد فرضت نفسها كأمر واقع، ويجب أخذها بعين الإعتبار عند البدء العملي بورشة الترسيم.

أما الشرط الإسرائيلي المطلق، أن يكون التنفيذ تحت رعاية أميركيّة يتولاها رئيس اللجنة الأمنيّة الجنرال جاسبر جيفرز، مع فريق من المستشارين المساعدين.

وتبقى عين لبنان على إعادة إعمار ما تهدم.

للبنان الرسمي تصوّره. ويفترض أن يحتل المكان الذي يليق به في متن البيان الوزاري للحكومة، مع الإشارة إلى التمويل، ومصدره، ومدى التعويل على الدول الشقيقة والصديقة كي تكون المعين، والمبادر.

إلاّ أن نتنياهو يحمل إلى البيت البيض خطّة الإعمار كما يريدها اليمين المتطرّف، عنوانها “البشر والحجر”. و”أيّ بشر سيقطنون، ووفق أيّ حجر؟”!
ما يريده الإسرائيلي:

– أن تكون العودة، وفق ظروف، ومواصفات، ودفتر شروط متفاهم بشأنه مع الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، والدول الراعية من عربيّة وأوروبيّة. ويرفض أن تشكّل العودة بيئة منتجة للمقاومة، أو حاضنة للحزب ونشاطاته.

– أن تؤدي البنى التحتية أغراضاً مدنية، ولا تستخدم لأغراض عسكريّة.

– أن تكون مصادر التمويل شفّافة، وغير مرتبطة بخلفيات سياسيّة أو أمنية تمليها شبكة المصالح.

وكانت حكومة نتنياهو قد أثارت موضوع التمويل، وإشتكت من “تهريب أموال إيرانيّة لحزب الله”، وفق “وول ستريت جورنال” التي ذكرت “بأن إسرائيل أبلغت الأمم المتحدة، واللجنة الأمنيّة نقل أتراك أموالاً إيرانيّة لحزب الله عبر مطار بيروت”.

وذكرت الصحيفة “أن مسؤولين أتراك نفوا تهريب أموال إيرانيّة للحزب”. لكنها أضافت بأن “لجنة وقف النار تعلم مواصلة إيران إستخدام المطار لنقل أموال لحزب الله”.

… وتبقى أيام تفصلنا عن 18 الجاري… موعد قد يأتي بإنشراح الأخبار، كما قد يأتي مجلجلا بالحديد والنار!