فجأة كرّت السُبحة، وتوالَت المواقِف المُعلِنة تأييد ترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون، واتجاهها للتصويت له.
مواقِف تُوّجت باجتماع لنواب المعارضة في معراب مساء الأربعاء، أعلنوا بعده السير بعون. لم يحتَج المشهد إلى كثير عناء ليُقرأ بوضوح، فمن رتّبه ليكون على هذا النحو لم يسعَ أصلاً إلى إخفاء بصماته، بل حمّله تواقيعَ واضحة: الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وفرنسا.
وعلى الرغم من الضغوط الهائلة التي مورست من العواصم الخارجية على الجميع، فإن الضغط تركّز الأربعاء على الرئيس نبيه بري وفريقه، إضافة إلى نواب يُحسبون في خانة المستقلين. وكانت مبادرة أولى من جانب النائب السابق سليمان فرنجية بإعلان انسحابه، لكن ذلك لم يدفع رئيس المجلس إلى تعديل موقفه الرافض لانتخاب مخالف للدستور. وهو موقف قرّر “حزب الله” السير خلفه، وكذلك كتلة التيار الوطني الحر وعدد غير قليل من النواب المستقلين، ونُقل عن الرئيس بري قوله إن انتخاب قائد الجيش يحتاج إلى تعديل دستوري، ما يجعله يحتاج إلى الحصول على 86 في أي دورة انتخابية، علماً أن عدم حسم عدد كبير من النواب أمس لموقفهم، جعل من الصعب أن يحصل عون على هذه الأصوات من الدورة الأولى، علماً أن الجميع ينتظر نتائج اتصالات الساعات التي تفصل منتصف الليلة الماضية عن الحادية عشرة من قبل ظهر الخميس.
مسار العمل الدبلوماسي لم يأخذ جهداً كبيراً. وبدأ “الجد” مع الزيارة الأولى للموفد السعودي إلى بيروت يزيد بن فرحان الجمعة الماضي والتي استمرت حتى نهار الأحد. وقد نقلَ “المفوّض” السعودي موقف بلاده على شكل أمر اليوم: جوزاف عون هو مرشحنا.
هكذا قالَ ابن فرحان لمن اجتمع معهم، من رئيس مجلس النواب نبيه بري حتى أصغر كتلة نيابية. وكانَ كلامه أبعد ما يكون عن الدبلوماسية، فأثار استياء غالبية القوى السياسية التي عبّرت عن عدم تأييدها لقائد الجيش، وعليه لم يكُن ممكناً لأي طرف إعطاء جواب نهائي حول مآلات جلسة الخميس.
غيرَ أن الأمور بدأت تتبدّل بعد وصول الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت حيث أبلغَ أيضاً من اجتمع بهم أنه “يجب عليهم التصويت لعون بوصفه رجُل المرحلة ومواصفاتها السيادية والإصلاحية”، مهدّداً “المتمردين بأنهم سيدفعون ثمن مواقفهم، وأن لبنان لن ينال أي مساعدة دولية”، ناصحاً إياهم “بانتخاب رئيس الآن لأن مرحلة الرئيس دونالد ترامب ستكون صعبة”، وقد نقل بعض النواب الذين شاركوا في الاجتماعات أن “طرح عون تعدّى الطلب إلى محاولة الفرض تحت طائلة تحميل المسؤولية لمن يقف في وجه هذه الخطوة”.
وإزاء التردد الذي ساد بيروت، عاد ابن فرحان الأربعاء حاملاً معه “أمر عمليات حاسماً”، ما دفعَ بنواب المعارضة والمستقلين والتغييريين الذين أظهروا تردداً في التصويت لعون إلى “التكويع” في اتجاه تأييده، بعدَ أن تحدّث معهم بلغة الإملاء والتهديد، رابطاً “عودة السعودية إلى الساحة اللبنانية بانتخاب عون باعتباره المرشح الوحيد ولا بديل عنه”.
وكان الموفد الفرنسي جان إيف لودريان قد وصل إلى بيروت، للاجتماع بالكتل النيابية لإعلان إذعان باريس لرغبات واشنطن والرياض، قائلاً إنه لا وجود لاسم آخر غير قائد الجيش، وإن كل الأسماء المطروحة بالنسبة إلى باريس أصبحت خارج السباق، وبعد لقاءات استمرت حتى ساعة متأخرة من الليل، قال لودريان إن “هناك توافقاً دولياً حول قائد الجيش، وبما أن اللبنانيين طلبوا مساعدتنا فعليهم أن يلتزموا بموقف الخماسية، لأن عدم انتخاب رئيس سيأخذ البلد إلى مرحلة خطيرة، وهناك قرار بإحجام الخارج عن تقديم الدعم للبنان في حال استمرار الفراغ”.