/ علاء حسن /
جرى العرف الانتخابي على تقديم المرشحين لأي انتخابات برامجهم الانتخابية. وفي سبيل التعريف بالبرامج الانتخابية ومن أجل كسب تعاطف الناخبين، يعمد المرشحون إلى إطلاق الوعود الانتخابية الباعثة للأمل في نفوس الناس، والتي من خلالها يتمكنون من التأثير على المزاج الجمعي للناخبين، والحصول على أصواتهم في صناديق الاقتراع.
لكن ما يميز الانتخابات النيابية المزمع اجراؤها في 15 أيار المقبل، أنها تخلو من كلا الأمرين: البرامج الانتخابية والوعود الانتخابية، مما يعطي تعريفاً جديداً “للديماغوجية” في العملية السياسية، أو بتعبير آخر “لبننة الديماغوجية”، على غرار لبننة الكثير من المفاهيم والأسس السياسية الأخرى.
وفي هذا السياق، ينظر المراقبون بعين الريبة إلى العملية الديموقراطية التي لا تجعل المرشحين يشعرون بضرورة إطلاق ماكينات دعاية انتخابية توعد الناس بغد أفضل، عشية فرز الأصوات وإعلان النتائج، كون غالبية اللوائح تفتقد لأبسط قواعد ممارسة الديموقراطية في التعامل مع جمهور الناخبين.
إلى ذلك بدا واضحاً أن “لبننة الديماغوجية” أصبحت قائمة على عنصر التخويف من دون عنصر الفعل. ولذلك أصبح شعار التخويف من سلاح المقاومة، هو السبيل الوحيد لشد العصب الطائفي والمناطقي الذي يستخدمه المرشحون للقول إنه في حال عدم فوزهم في الانتخابات فإن مصير الناس سيصبح تحت رحمة سلاح متفلت من سلطة الدولة، من دون الإشارة إلى الأوضاع الاقتصادية المتأزمة في البلاد، وسبيل الخروج منها، أو تقديم البدائل عن سياسات الحكومات المتعاقبة في التعامل مع الملفات السيادية المختلفة.
وفي التدقيق بين ما يقوم به حزب الله من تقديم تقرير عن انجازاته خلال الدورة الانتخابية الحالية، وما سيقوم به لاحقاً من خلال برنامج انتخابي متكامل، وبين الخصوم الذين لم يتطرقوا إلى برامجهم الذاتية لتحسين أوضاع المواطنين، يذكر الأمر بقصة حقيقية حصلت مع أحد القادة العسكريين عندما طلب من قادة القطع والوحدات تقديم طلباتهم خلال أحد اجتماعات الأركان، وبالفعل بدأت الطلبات تُقدم، وعند وصول الدور لأحد قادة الوحدات، ولما لم يكن لديه برنامج لتطوير الوحدة الآمر عليها، طلب إلغاء طلب أحد القادة الآخرين لتعارضه مع رؤيته.
هذا بالضبط ما يمكن مشاهدته من خلال ما يصرح عنه المرشحون الذين لا يقدمون البرامج الانتخابية الفعلية.
بالطبع، يمكن تفهم وضع هؤلاء، فهم بين قسمين: إما ورثة السياسات المستمرة على مدى نصف قرن، وهذه الفئة تشعر أن من حقها استكمال عملية حكم الناس بالوراثة. وإما مجموعات جديدة غير متناغمة، لا تستطيع مجاراة حزب يعتمد الرؤية الاستراتيجية في إدارة البلاد، ويقدم برامج واقعية تتناسب مع قدراته وفق المنظومة القائمة، وبين تطلعات الناس التي تؤمن بخياراته. وبالتالي لم يعد أمام هؤلاء الفئة الجديدة سوى التناغم مع فئة الورثة في التخويف من “هيمنة حزب الله على الدولة”، لكسب أصوات الناخبين.
وبين كل هذه الفوضى، يجلس منظرو الديماغوجية في الزاوية ليتعلموا دروساً في إدارة العملية الانتخابية، والتأثير على الرأي العام من السياسيين في لبنان، ليروا كيف ستتمكن قوى أفلست البلد، وقوى مشتتة ليست لديها خبرة في إدارة البلاد، من إقناع الناس بالتصويت لصالحهم خوفاً من حزب قام بتحرير البلد مرتين: مرة من العدو الصهيوني ومرة من العدو التكفيري، ولديه أكبر قاعدة تنظيمية، وأكبر قاعدة جماهيرية، وأكثرهم خدمةً للناس في الملفات الحيوية كافة.. سيرى الجميع النتيجة يوم تفتح الصناديق بعد أقل من شهر من اليوم.