جورج إبراهيم عبد الله: “أنا مناضل ولست مجرماً”!

شكّلت ظاهرة جورج إبراهيم عبد الله نموذجاً خاصاً في النضال ضد الاحتلال. هو ابن البيئة المارونية في أطراف لبنان، الذي كوّن قناعات سياسية وعمل من أجلها وقاتل دفاعاً عنها، وتحمّل أعباءها وتداعياتها التي رمته في السجن أكثر من نصف عمره.

اقتحم جورج إبراهيم عبد الله، ميادين النضال منذ أن كان فتى في عمر 15 سنة، وحمل قضية فلسطين باكراً، ومن أجل قناعاته، لم يتورّع عن سلوك درب شائك يحمل الكثير من المغامرة والمخاطر.

وُلد جورج إبراهيم عبد الله في 2 نيسان/أبريل 1951 في بلدة القبيات ـ عكار شمال لبنان، وكان والده في الجيش اللبناني. انتسب في الخامسة عشرة من عمره إلى الحزب “السوري القومي الاجتماعي”.

أكمل جورج عبد الله دراسته في دار المعلمين في الأشرفية ـ بيروت، وتخرّج منها عام 1970، ثم بدأ حياته المهنية مدرساً في إحدى مدارس منطقة أكروم في عكار، وبدأ آنذاك وعيه يتبلور نتيجة الأوضاع المأساوية التي تعاني منها المنطقة.

وقد زاد اهتمامه بالقضايا القومية العربية وحقوق الفلسطينيين، وحمل فكراً يسارياً في إطار “الحركة الوطنية اللبنانية”، وأصبح مناصراً للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وانضم إلى “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” برئاسة جورج حبش، وكان إسمه الحركي “عبد القادر سعدي”، وقد أصيب جورج عبد الله أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1978.

بعدها، في مطلع الثمانينيات، أسس مع أفراد من عائلته وآخرين، “الألوية الثورية”، وهي تنظيم ماركسي، وتبنّت 5 هجمات في أوروبا بين عامي 1981 و1982 في إطار نشاطاتها المؤيدة للقضية الفلسطينية. وأوقعت أربعة من هذه الهجمات قتلى في فرنسا.

كما نُسبت إلى الحركة العديد من عمليات الاغتيال، بما في ذلك مقتل نائب الملحق العسكري في السفارة الأميركية بفرنسا تشارلز راي، والمستشار الثاني في السفارة الإسرائيلية في باريس يعقوب بارسيمانتوف.

كان جورج عبد الله يقيم في سويسرا، قبل أن يذهب إلى فرنسا لتسليم وديعة شقة أستأجرها، عندما دخل في 24 تشرين الأول/أكتوبر 1984 إلى مركز للشرطة في ليون، طالبا الحماية من قتلة “الموساد” الذين يطاردونه.

كان عبد الله الذي حينها يحمل جواز سفر جزائرياً، استخدم من قبل في مالطا والمغرب واليمن لدخول يوغوسلافيا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا وقبرص. لكن مديرية مراقبة الأراضي الفرنسية سرعان ما أدركت أن الرجل الذي يجيد اللغة الفرنسية ليس سائحاً وإنما هو “عبد القادر السعدي”، وهو اسمه الحركي. فاعتقلته الشرطة الفرنسية بتهمة حيازة جواز جزائري مزور، وحُكم عليه بالسجن 4 سنوات في سجن “لانميزان”.

ورداً على اعتقاله، اختطفت “الألوية الثورية” الدبلوماسي الفرنسي سيدني جيل بيرول في 23 آذار/مارس 1985، ووافقت فرنسا على تبادل المعتقلين عبر الجزائر، غير أنها لم تفِ بوعدها بإطلاق سراح جورج.

وفي ذلك الوقت، قالت الشرطة الفرنسية إنها عثرت على متفجرات وأسلحة في الشقة وقت الصفقة، بما في ذلك المسدس الذي يُعتقد أنه استُخدم في مقتل تشارلز راي وبارسيمانتوف.

وفي آذار/مارس 1987، حُكم على جورج عبد الله بالمؤبد بتهمة “التواطؤ في أعمال إرهابية”، والمشاركة في اغتيال الدبلوماسيين الأميركي والإسرائيلي.

وأثناء محاكمته في فرنسا قال جورج عبد الله في المحكمة “أنا مقاتل ولست مجرماً”، وأضاف “إن المسار الذي سلكته، أملته عليّ الإساءات لحقوق الإنسان التي تُرتَكب ضد فلسطين”. وتابع “لستُ سوى مقاتل عربي”.

لكن القضاء حكم عليه بالسجن المؤبد، بعد أن طلب النائب العام سجنه عشر سنوات.

وبحسب محاميه ومناصريه، فإن “محاكمة عبد الله كانت موجهة من قبل قوة أجنبية، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية، عارضت طلبات الإفراج عنه”.

في مذكراته، قال جورج كيجمان، محامي الأطراف المدنية، إنه تصرف “مثل الإرهابي الذي ينفي أنه يمثله… أهان الجميع، ووصفنا بأننا خنازير وإمبرياليون قذرون، وكان لا بد من طرده من قاعة المحكمة”. ولكن محاميه جاك فيرجيس رأى في الحكم “إعلان حرب”. وتم على الفور تشكيل لجنة دعم للمطالبة “بالإفراج الفوري عنه”.

منذ عام 1999، وهو العام الذي صار فيه مؤهلاً للإفراج عنه، رُفضت جميع طلباته للإفراج المشروط باستثناء طلب واحد في عام 2013، ولكن شرط ترحيله، وهو ما لم ينفذه وزير الداخلية آنذاك، مانويل فالس. ولم يعرب أحد أقدم السجناء في فرنسا حيث يُعتقل في لانيميزان في جنوب غرب البلاد، عن ندم.

وفي عام 2022، قال محاميه جان لويس شالانسيه لفرانس برس “إنه في حالة جيدة من الناحية الفكرية. إنه مناضل متمسك بمواقفه. يقرأ كثيرا ويبقى على اطلاع على ما يحدث في الشرق الأوسط”.

على مر السنين، حشدت محنته الناشطين المقربين من الحزب الشيوعي الفرنسي واليسار الراديكالي الذين تحركوا تضامنا معه بصفته “سجينا سياساً” واتهموا الحكومات المتعاقبة بالقسوة المفرطة بحقه. ومنحته البلديات التي قادها شيوعيون صفة مواطن فخري. ونُظمت تظاهرات أمام سجنه.