| يوسف فارس |
حافظت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة في قطاع غزة، بعد 38 يوماً من الحصار، على حضور فعلها المقاوم، الذي يركّز على محورية تكبيد جيش العدو أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية. ويأتي ذلك رغم أن التكتيك الذي بدأت به العملية البرية الكبرى في محافظة شمال القطاع، والمتمثّل في تطويق مساحة جغرافية كاملة، وقطع كل طرق الإمداد الخارجية إليها، ثم تهجير سكانها المدنيين وتقويض بنى المؤسسات الخدماتية والطبية فيها وحرمانها من الطعام والماء والدواء، لا يعطي الأفضلية بأي شكل من الأشكال لخلايا المقاومة وعناصرها، بل كان من شأنه أن يسهم في تلاشي قدرة المقاومين على إيلام العدو واستهدافه، بالنظر إلى التناقص المستمر في الكادر المقاوم، واستنزاف ما هو متوافر من إمكانات عسكرية ولوجستية.
وبدا واضحاً، خلال الأيام العشرة الماضية، أن تكتيكات المقاومة انتقلت من عرقلة تقدّم العدو واستهداف معدّاته الثقيلة وآلياته، إلى التعايش الميداني مع التوغّل، واستغلال حالة التراخي في أوساط الجنود، والتي قد توفّرها أيام الهدوء الخادعة، في تنفيذ كمائن تستهدف الجنود والضباط. وفي خلال اليومين الماضيين مثلاً، نفّذت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة نحو 17 مهمة قتالية معظمها في المناطق المحاصرة شمال القطاع؛ إذ أعلنت «كتائب القسام»، أمس، تمكّن مقاوميها من استهداف قوة صهيونية راجلة قوامها 15 جندياً بقذيفة «آر بي جي» مضادة للأفراد، ثم الإجهاز على جميع عناصرها من مسافة صفر بالأسلحة الخفيفة والقنابل اليدوية، غرب منطقة الشيماء شمال مدينة بيت لاهيا. كذلك، قالت الكتائب إن مقاوميها العائدين من خطوط القتال أبلغوا عن استهداف ناقلتي جند بقذيفتي «الياسين 105» و«تاندوم»، كما استهدفوا جرافة عسكرية بعبوة رعدية، قرب مسجد الشهيد عماد عقل وسط مخيم جباليا. وتحدّث «الإعلام العسكري» التابع للكتائب، أيضاً، عن الاشتباك مع قوة راجلة وإيقاع أفرادها بين قتيل وجريح في منطقة البركة غرب بيت لاهيا شمال القطاع.
وبينما قصفت «كتائب القسام» و«كتائب الشهيد أبو علي مصطفى»، «محور نتساريم» وموقع الرشيد بقذائف الهاون، أعلنت «سرايا القدس»، بالاشتراك مع «ألوية الناصر صلاح الدين»، عن تمكّنها من قصف مقر قيادة وسيطرة العدو في موقع الإدارة المدنية بقذائف الهاون. وأبلغت السرايا، كذلك، عن تمكّن مقاوميها من استهداف دبابة «ميركافا» بقذيفة «تاندوم» في حي التوبة وسط مخيم جباليا. كما استهدفت «كتائب القسام» دبابة صهيونية من نوع «ميركافا» بقذيفة «تاندوم»، في حي الصفطاوي غرب مخيم جباليا. وفي المقابل، اعترف جيش العدو، أمس، بمقتل 5 من جنوده في حدثين متفرقين في شمال القطاع، ليرتفع عدد القتلى الذين اعترف بهم، منذ بداية العملية العسكرية في الشمال، إلى 25، من بينهم قائد «اللواء 401» المدرّع.
ولا ينفي هذا المنجز الميداني، الضغط العسكري الهائل الذي تتعرّض له خلايا المقاومة في الأحياء المحاصرة، حيث يواصل جيش العدو تدمير المربعات السكنية ونسفها بآلاف الأطنان من المتفجرات، كما تدك وسائط المدفعية التابعة له مناطق جباليا وبيت لاهيا وتل الزعتر بالعشرات من قذائف المدفعية، فضلاً عن حرمان المناطق المحاصرة من احتياجها من الغذاء والدواء. على أن ذلك الضغط لم يصل إلى تحقيق الهدف المعلن من العملية حتى اللحظة، والمتمثّل في العبارة التي يُعنون بها جيش العدو منشوراته التي يلقيها يومياً على الأهالي الصامدين في شمال القطاع: «انهيار جباليا»، إذ لم يرفع مقاومٌ يديه مسلماً نفسه وملقياً السلاح، كما لم تعلن المقاومة أن الاستسلام واردٌ في خياراتها، وهذا هو بيت القصيد.