لماذا لا تُستَدعَى السفيرة الأميركية؟

| غاصب المختار |

أثار “استغراب” الرئيس نجيب ميقاتي لما نقلته صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية عن رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد على قاليباف، حول “استعداد طهران للتفاوض مع باريس بشأن تطبيق القرار الأممي 1701″، إستغراباً لجهة التسرع في الرد وعدم التدقيق في صحة أو دقة كلامه، بخاصة أن طهران عادت وأوضحت أن ما قاله مفاده أن “إيران تدعم كل ما توافق عليه الحكومة والمقاومة في لبنان من أجل الوصول إلى وقف إطلاق نار دائم. وأن التعاون مع أوروبا هدفه المساعدة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار تؤيده الحكومة والمقاومة في لبنان”.

وتبيّن من النص الذي أوردته الصحيفة الفرنسية أنها تدخّلت في المقابلة وأبدت رأياً خارج الحوار، وقامت بتمرير رسائل سياسية، بقولها: “إن قاليباف يدعو الآن إلى تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701. كما يدعو إلى نشر الجيش اللبناني على طول حدود لبنان مع إسرائيل. وإن ما لا يقوله قاليباف هو أن حزب الله لم يحترم البند 1701 الذي يقضي بانسحابه إلى ما وراء نهر الليطاني”. وهذا التدخل أمر غير مهني، ولو كان للصحيفة رأي كان يمكن إيراده في مقال مكتوب وموقّع من صاحبه.

وزاد من غرابة تحرك وحماسة الرئيس ميقاتي و”جوقة السياديين”، الايعاز لوزارة الخارجية استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية وتقديم احتجاج، واكبه استنفار خصوم إيران في لبنان في حفلة استنكار واسعة، مع أن موقف قاليباف لا يحتمل كل هذا الضجيج حتى لو كان دقيقا كما نُقل عنه!

كان يمكن أن يكون الموقف اللبناني “الصارم” من إيران مفهوماً ومقبولاً، لو كانت المعاملة بالمثل مع السفيرة الأميركية، وإبداء الاحتجاج الشديد عندما صدرت مواقف من كل المسؤولين الأميركيين، بدءاً من الرئيس جو بايدن إلى مسؤولين في الخارجية، الذين أكدوا الدعم الأميركي غير المحدود، السياسي والعسكري، لـ”إسرائيل” في عدوانها على لبنان وللعملية العسكرية البرية التي انتهكت سيادة لبنان، عدا “الترحيب” باغتيال الشهيد السيد حسن نصر الله وكبار المسؤولين في حزب سياسي لبناني متجذر وله شعبية كبيرة. ولم يسجل لبنان الرسمي أي موقف احتجاجي، ولو من باب رفع العتب، ضد الدعم الأميركي الصريح للمجازر في لبنان، وضد الانحياز الفاضح، وتدمير البشر والحجر، والذي عبر عنه المسؤولون الأميركيون علناً بحجة “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”.

لا نقلل من أهمية الاعتراض على موقف أو تحرك أي جهة خارجية تتدخل في الشؤون اللبنانية، إذ يحق للحكومة أن تستدعي أي سفير، وأن تحتج على موقف أي دولة خارجية، في حال حصول التباس أو موقف يضر مصلحة لبنان، ولكن استغراب موقف الرئيس ميقاتي للموقف الإيراني سببه أيضاً أن طهران هي الجهة “الأقل” تدخلاً في الشؤون اللبنانية السياسية بشكل مباشر، بينما سفراء ومندوبي أميركا وفرنسا وغيرهما من دول اوروبية، يتحركون في بيروت ويقومون بزيارات واسعة ويصدرون بيانات تتناول الشؤون اللبنانية الوطنية، ويُملي هؤلاء السفراء على السلطات الرسمية اللبنانية شروطاً خطيرة، كالعودة إلى تطبيق القرار 1559، وما يجب ان تفعله في مفاوضات وقف النار، ومن دون أي ردّ رسمي أو حكومي لبناني!

وللتذكير فقط في ما خصّ المفاوضات لتنفيذ القرار 1701 التي تحدث عنها قاليباف، فإن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بدأ بالتصعيد الواسع وأسقط كل قواعد الاشتباك وكل المحرمات، وأعلن أن المفاوضات ستجري “تحت النار”، ما اوقف كل المساعي الدولية لوقف الحرب، وسط تأييد أميركي لإرتكاباته. فيما قال المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين إن “هناك حاجة إلى تعديلات وإضافات على القرار 1701 من أجل ضمان تطبيق القرار”. ورفض تقديم أي ضمانات بما خصّ وقف العدو لقصف العاصمة والضاحية الجنوبية، وقال “إنه لم يتحدث عن هذا الأمر”.