باسيل بادر و”السيد” دعا وفرنجية لبى.. ما دوافع اللقاء وأهدافه؟

/محمد حمية/

أنهى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، القطيعة الطويلة بين رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.

الخصمان اللدودان اللذان فرقتّهما السياسة وكُرسي الرئاسة، اجتمعا منذ أيام على “مائدة” السيد نصرالله الرمضانية في الضاحية الجنوبية، بحضور عدد من القيادات المعنية، منهم الحاج حسين الخليل والحاج وفيق صفا والوزير السابق يوسف فنيانوس.

في أي سياق جاء اللقاء؟ ومَن بادر إليه؟ هل يرتبط بالإستحقاق الانتخابي، أم يتعداه إلى المدى السياسي الأوسع؟ هل يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقة بين القطبين المسيحيين اللدودين؟

اللقاء الذي أُحِيط بكتمانٍ شديد، اكتفت العلاقات الاعلامية للحزب بالإشارة، في بيان، إلى أن “اللقاء فرصة مناسبة لتداول العلاقات الثنائية والأوضاع السياسية في لبنان والمنطقة”.

مصادر موقع “الجريدة” كشفت أن باسيل حاول، منذ فترة وجيزة، جسّ نبض فرنجية لعقد لقاء “كسر الجليد” بينهما، لكن رئيس “المردة” تريث في الرد، ما دفع رئيس “التيار” إلى مخاطبة السيد نصرالله، عبر رسالة، يؤكد فيها استعداده للانفتاح على فرنجية، وعقد لقاء لإنهاء القطيعة تحت عباءة نصرالله..

تلقف “السيد” الرسالة، وبادر سريعاً، عبر معاونيه، للإتصال بفرنجية وباسيل، وترتيب اللقاء الذي سعى لحصوله منذ فترة طويلة، لكن الحسابات كانت في مكان آخر. وعندما أرسل نصرالله إلى فرنجية لدعوته إلى اللقاء، بادر سريعًا للترحيب وتأكيد الحضور، وانعقد اللقاء مساء الأربعاء الماضي على مائدة الإفطار في الضاحية الجنوبية.

اللقاء يخدم “التيار” في الساحة المسيحية 

تنفي مصادر المجتمعين منح اللقاء الصبغة الانتخابية.. لكنه سيؤثر حتماً بنتائجه الإيجابية على الوضعية الإنتخابية للتيار الوطني الحر، وعلى باسيل شخصياً، والذي يعاني من “عزلة مسيحية”، ومطوق بتحالف انتخابي مسيحي في مختلف الدوائر، يضم حزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب” والعائلات والشخصيات المستقلة المسيحية، إضافة إلى مجموعات المجتمع المدني، مع دعم يتلقاه هذا التحالف من قوى سنية يتصدرها الرئيس فؤاد السنيورة، ومن الحزب التقدمي الإشتراكي، ودعم أميركي ـ خليجي ظهر بعودة السفير السعودي ونظرائه الخليجيين إلى لبنان قبيل شهر من انطلاق الاستحقاق الانتخابي.

لذلك جاء “اللقاء الرمضاني” بين قطبين مارونيين، وفي دائرة انتخابية مارونية تحوي ثقلاً مسيحياً وازناً، ليعيد التوازن مع خصوم التيار، خاصة مع “معراب”، ولكي يمنح باسيل فرصة التقاط الأنفاس، ويرسم صورة إيجابية على قدرة “التيار” ورئيسه على التواصل مع مختلف القوى المسيحية، ولكسر “العزلة المسيحية”.

ووفق المعلومات والإحصاءات الانتخابية، فإن “المردة” يملك ثلاثة حواصل انتخابية في دائرة الكورة ـ البترون ـ زغرتا ـ بشري، أما “التيار الوطني الحر” فتراجع من حاصلين إلى حاصل واحد مع كسر حاصل. لذلك تمنى السيد نصرالله، بحسب المعلومات، على فرنجية، توفير الدعم الانتخابي للتيار حيث يجب أن يكون، على مستوى الحاصل والأصوات التفضيلية.. وإن كان “المردة”، لا يملك قوة تجييرية كبيرة في البترون، فإنه يحظى بثقل انتخابي وسياسي في منطقتي زغرتا والكورة، حيث ستحسم أصوات “المردة” الفوز لمرشح تحالف “التيار الوطني الحر” و”الحزب السوري القومي الاجتماعي” المنقسم على نفسه في هذا المقعد.

تؤكد مصادر تياري “المردة” و”الوطني الحر” أن اللقاء إيجابي، ويفتح مرحلة جديدة، تؤسس للتعاون السياسي في المستقبل.

باسيل مطوّق بتحالف انتخابي مسيحي معارض

يشعر باسيل بضراوة وسخونة المعركة الانتخابية، خصوصاً في مسقط رأسه “البترون”، وتتحول المعركة إلى مصيرية، كونها من جهة أولى، الاستحقاق الشعبي الاول بعد إلقاء “الحرم الشعبي” على “صهر الرئيس” بعد أحداث 17 تشرين 2019، ومن جهة ثانية تأتي قبيل أشهر قليلة من انتخابات رئاسة الجمهورية.. لذلك يسعى مرشح البترون، والمرشح الرئاسي الطبيعي، لرفع حواصله الانتخابية، حتى وإن قدم تنازلات للحلفاء السابقين.. فمقعد البترون سيفتح المجال لرئيس “تكتل لبنان القوي” لإثبات حضوره وشرعيته الشعبية، وإزالة الصورة السلبية التي ارتسمت خلال الأعوام الثلاثة الماضية عن “محرقته الشعبية والسياسية والخارجية”، كما يعيده الى حلبة السباق نحو كرسي بعبدا في تشرين المقبل.

فرنجية “عين السيد” وعين على بعبدا

أما فرنجية فلديه مصلحة بتسليف الضاحية خدمات انتخابية، وأصوات تفضيلية يجري صرفها في حاصل الانتخابات الرئاسية المقبلة. فعين الزعيم الشمالي على كرسي رئاسة الجمهورية، وهو “عين” السيد الثانية بعد “الجنرال” ميشال عون، وبالتالي المرشح الطبيعي لـ”حزب الله” في الانتخابات المقبلة، ولا يضره ترميم علاقته مع العهد الحالي لجذب دعمه في الاستحقاق الرئاسي.

أوساط مطلعة على أجواء الضاحية، تشير الى أن “اللقاء شكل مقاربة جديدة للعلاقة لما بعد الانتخابات النيابية، وضمان التعاون الانتخابي بعد تشكيل اللوائح، اضافة الى تعهد الطرفين بتوقيف الحملات والسجالات الاعلامية”.

لا يمكن فصل لقاء الضاحية عن العودة الخليجية إلى لبنان، للانخرط في الملف الانتخابي، ودعم لوائح خصوم العهد لرفع حاصل كتلة “القوات” على حساب تقليص كتلة “التيار”، ما سيقوي خصوم الحزب ويضعف حلفائه.

مقاربة جديدة لـ”حزب الله” تجاه حلفائه

وبعيدًا عن الانتخابات، فإن لدى “حزب الله” مقاربة جديدة تتعدى الحسابات والمصالح الانتخابية، تنطلق من إعادة النظر بوضع حلفائه في تحالف 8 آذار أو فريق المقاومة.

يدرك الحزب أن المنطقة مقبلة على استحقاقات وتحديات كبرى، داخلية وخارجية، ستُلقي بثقلها وتداعياتها على الساحة اللبنانية، ما يعني الدخول في أخطر مرحلة منذ العشرين سنة الماضية.. مرحلة اشتباك القوى الكبرى، الدولية والاقليمية، تمهيدًا لرسم التوازنات، وترسيم النفوذ، بالتزامن مع شقّ جسور متعددة الاتجاهات من الحوارات الدولية والاقليمية.. لذلك تتطلب أقصى درجات الإستنفار لاستقبال هذه المرحلة، بتشديد أواصر حلف المقاومة وتجميع أوراق القوة، كون تفكك أركان هذا الحلف، سيترك تداعيات جمّة على “حزب الله” والمقاومة، وعلى خياراتها الكبرى في المنطقة.

لذلك اقتنص الحزب الفرصة الانتخابية، وتقاطع الحسابات الانتخابية والسياسية لدى مختلف الأطراف المتخاصمة، للعمل على ترميم جدران العلاقة بينهم، فعقد لقاء كسر الجليد بين فرنجية وباسيل، وسبقته لقاءات عدة بين قيادتي “التيار” وحركة “أمل” برعاية “حزب الله”، لترطيب العلاقة الانتخابية والسياسية بينهما، بهدف خوض المرحلة الجديدة بأكثرية نيابية وازنة، تجعل المقاومة الرقم الصعب في استحقاقات انتخاب رئيس المجلس النيابي المقبل وتسمية رئيس الحكومة، وتشكيل “حكومة مواجهة وانقاذ”، ورئيس جديد للجمهورية.