شكّل صعود يحيى السنوار في حركة “حماس”، مساراً طبيعياً لشخص عانى من الاحتلال منذ بداية حياته، ثم بدأت مسيرته كمقاوم عندما كان طالباً، حيث بدأ نضوجه السياسي والأمني منذ ذلك الحين، حتى تدرّج في حركة “الإخوان المسلمين” ثم مع مشاركته في تأسيس “حركة المقاومة الإسلامية” في فلسطين ـ “حماس”، قبل أن يصبح رئيساً لـ”كتائب عز الدين القسام” وبعدها رئيساً لحركة “حماس” في غزة، ثم رئيساً للمكتب السياسي لحركة “حماس” بعد أن اغتال العدو الإسرائيلي سلفه الشهيد اسماعيل هنية بصاروخ موجه على مقر إقامته في العاصمة الإيرانية طهران.
نجح السنوار في إنشاء بنية عسكرية قوية لحركة “حماس”، وفي إقامة شبكة أنفاق ضخمة تحت قطاع غزة، وأشرف مباشرة على التخطيط لعملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 التي هزّت كيان الاحتلال الإسرائيلي. ثم قاد مواجهة العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة خلال سنة كاملة.
ولد يحيى إبراهيم حسن السنوار يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 1962 في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة. نزحت أسرته من مدينة مجدل شمال شرقي القطاع بعد أن احتلها العدو الإسرائيلي إثر نكبة عام 1948 وغيرت اسمها إلى “أشكلون” (عسقلان).
تلقى تعليمه في مدرسة خان يونس الثانوية للبنين، قبل أن يلتحق بالجامعة الإسلامية في غزة ويتخرج منها بدرجة البكالوريوس في الدراسات العربية.
تزوج في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 من سمر محمد أبو زمر، وهي سيدة من غزة حاصلة على ماجستير تخصص أصول الدين من الجامعة الإسلامية في غزة، له ابن واحد يدعى إبراهيم.
كان يحيى السنوار ناشطاً طلابياً خلال مرحلة الدراسة الجامعية، وكان عضواً فاعلاً في “الكتلة الإسلامية” التي كانت الفرع الطلابي لحركة “الإخوان المسلمين” في فلسطين.
شغل السنوار مهمة الأمين العام للجنة الفنية ثم اللجنة الرياضية في مجلس الطلاب بالجامعة الإسلامية بغزة، ثم نائباً لرئيس المجلس ثم رئيساً للمجلس.
ساعده النشاط الطلابي على اكتساب خبرة وحنكة أهلته لتولي أدوار قيادية في حركة “حماس” بعد تأسيسها عام 1987 خلال انتفاضة الحجارة.
أسس مع خالد الهندي وروحي مشتهى، بتكليف من مؤسس “حماس” الشيخ أحمد ياسين، عام 1986 جهازاً أمنياً أطلق عليه “منظمة الجهاد والدعوة” ويعرف باسم “مجد”. وكانت مهمة هذه المنظمة الكشف عن عملاء وجواسيس الاحتلال الإسرائيلي وملاحقتهم، إلى جانب تتبع ضباط المخابرات وأجهزة الأمن الإسرائيلية، وما لبثت أن أصبحت هذه المنظمة النواة الأولى لتطوير النظام الأمني الداخلي لحركة “حماس”.
اعتقل السنوار لأول مرة عام 1982 بسبب نشاطه الطلابي وكان عمره حينها 20 عاماً، ووضع رهن الاعتقال الإداري 4 أشهر وأعيد اعتقاله بعد أسبوع من إطلاق سراحه، وبقي في السجن 6 أشهر من دون محاكمة. وفي عام 1985 اعتقل مجدداً وحكم عليه بـ8 أشهر.
في 20 يناير/كانون الثاني 1988، اعتقل مرة أخرى وحوكم بتهم تتعلق بقيادة عملية اختطاف وقتل جنديين إسرائيليين، وقتل 4 فلسطينيين يشتبه في تعاونهم مع إسرائيل، وصدرت في حقه 4 مؤبدات مدتها 426 عاماً.
خلال فترة اعتقاله تولى قيادة “الهيئة القيادية العليا” لأسرى “حماس” في السجون لدورتين تنظيميتين، وساهم في إدارة المواجهة مع مصلحة السجون خلال سلسلة من الإضرابات عن الطعام، بما في ذلك إضرابات أعوام 1992 و1996 و2000 و2004.
تنقل بين عدة سجون، منها المجدل وهداريم والسبع ونفحة، وقضى 4 سنوات في العزل الانفرادي، عانى خلالها من آلام في معدته، وأصبح يتقيأ دماً وهو في العزل.
حاول الهروب من سجنه مرتين، الأولى حين كان معتقلاً في سجن المجدل في عسقلان، والثانية وهو في سجن الرملة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل.
في سجن المجدل، تمكن من حفر ثقب في جدار زنزانته بواسطة سلك ومنشار حديدي صغير، وعندما لم يتبق سوى القشرة الخارجية للجدار انهارت وكشفت محاولته، فعوقب بالسجن في العزل الانفرادي.
وفي المحاولة الثانية في سجن الرملة، استطاع أن يقص القضبان الحديدية من الشباك، ويجهز حبلاً طويلاً، لكنه كشف في اللحظة الأخيرة.
تعرّض لمشاكل صحية خلال فترة اعتقاله، إذ عانى من صداع دائم وارتفاع حاد في درجة الحرارة، وبعد ضغط كبير من الأسرى أجريت له فحوصات طبية أظهرت وجود نقطة دم متجمدة في دماغه، وأجريت له عملية جراحية على الدماغ استغرقت 7 ساعات.
حرم خلال فترة سجنه من الزيارات العائلية، وصرح شقيقه غداة الإفراج عنه أن الاحتلال منعه من زيارة يحيى 18 عاماً، كما أن والده زاره مرتين فقط خلال 13 عاماً.
استثمر يحيى السنوار فترة السجن التي استمرت 23 عاماً في القراءة والتعلم والتأليف، تعلم خلالها اللغة العبرية وغاص في فهم العقلية الإسرائيلية، وألف عدداً من الكتب والترجمات في المجالات السياسية والأمنية والأدبية.
أطلق سراح يحيى السنوار عام 2011، وكان واحدا من بين أكثر من ألف أسير حرروا مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ضمن ما سمي صفقة “وفاء الأحرار”.
وتمت الصفقة بعد أكثر من 5 سنوات قضاها شاليط في الأسر بغزة، ولم تنجح “إسرائيل” خلال عدوانها الذي شنته على القطاع نهاية 2008 في تخليصه من الأسر.
بعد الخروج من السجن انتخب السنوار عضواً في المكتب السياسي لحركة “حماس” خلال الانتخابات الداخلية للحركة سنة 2012، كما تولى مسؤولية الجناح العسكري “كتائب عز الدين القسام”، وشغل مهمة التنسيق بين المكتب السياسي للحركة وقيادة “الكتائب”.
كان له دور كبير في التنسيق بين الجانبين السياسي والعسكري في الحركة خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014.
وأجرى السنوار بعد انتهاء هذا العدوان تحقيقات وعمليات تقييم شاملة لأداء القيادات الميدانية، وهو ما نتج عنه إقالة قيادات بارزة.
عام 2015 عينته حركة “حماس” مسؤولاً عن ملف الأسرى الإسرائيليين لديها، وكلفته بقيادة المفاوضات بشأنهم مع الاحتلال الإسرائيلي، وفي السنة نفسها صنفته الولايات المتحدة الأميركية في قائمة “الإرهابيين الدوليين”، كما وضعته “إسرائيل” على لائحة المطلوبين للتصفية في قطاع غزة.
انتخب يوم 13 فبراير/شباط 2017 رئيساً للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة خلفاً لإسماعيل هنية.
حاول في هذه الفترة إصلاح العلاقات بين حركة “حماس” في غزة والسلطة الفلسطينية بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” في الضفة الغربية، وإنهاء حالة الانقسام السياسي في الأرضي الفلسطينية ضمن مصالحة وطنية، إلا أن هذه المحاولات انتهت بالفشل.
عمل أيضاً على تحسين العلاقات مع مصر، حيث التقى ضمن وفد قيادي وأمني مع قيادات من المخابرات المصرية في القاهرة سنة 2017، وتم التوصل لاتفاقات حول الأوضاع المعيشية والأمنية والإنسانية والحدود.
في مارس/آذار 2021، انتخب رئيساً لحركة “حماس” في غزة لولاية ثانية مدتها 4 سنوات في الانتخابات الداخلية للحركة.
تعرض منزله للقصف عدة مرات، إذ قصفته طائرات الاحتلال ودمرته بالكامل عام 2012، وخلال العدوان على قطاع غزة عام 2014، ثم خلال غارات جوية إسرائيلية في مايو/أيار 2021.
يوصف السنوار بأنه شخصية حذرة، لا يتكلم كثيراً كما لا يظهر علناً إلا نادراً، كما أنه يمتلك مهارات قيادية عالية وله تأثير قوي على أعضاء الحركة.
بعد عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أصبح يحيى السنوار المطلوب الأول لدى العدو الإسرائيلي، إضافة إلى محمد الضيف القائد العام لـ”كتائب عز الدين القسام”. وأصبح التخلص من زعيم “حماس” أهم الأهداف الإستراتيجية للعملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، والتي أطلقت عليها اسم “السيوف الحديدية”، إذ يعتبره مسؤولون إسرائيليون العقل المدبر لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لم يظهر السنوار علناً خلال الحرب، والتقى بعض الأسرى الإسرائيليين خلال فترة احتجازهم في غزة، وأخبرهم بلغة عبرية سليمة أنهم في المكان الأكثر أماناً ولن يتعرضوا لأي مكروه.
في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلن رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محاصرة قوات الجيش الإسرائيلي منزل السنوار لكن لم يتم الوصول إليه، وزعم مسؤولون في جيش الاحتلال أنه يدير العمليات مع باقي قادة الجناح العسكري لـ”حماس” من داخل شبكة الأنفاق التي بنتها تحت الأرض.
في يوم 31 يوليو/تموز 2024 اغتال العدو الإسرائيلي رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في مقر إقامته بالعاصمة الإيرانية طهران، وذلك بقصف الشقة التي كان فيها مع مرافقه.
ويوم الثلاثاء 6 أغسطس/آب 2024، وبعد دفن هنية في العاصمة القطرية الدوحة، انتخبت هيئة الشورى في الحركة، يحيى السنوار رئيساً جديداً للحركة.