| مرسال الترس |
تعيش دول وأنظمة منطقة الشرق الأوسط، التي رسم خرائطها اتفاق سايكس ـ بيكو عام 1916، أزمة وجودية، فيما يبدو واضحاً أن الغرب يغض الطرف عن تداعياتها، بينما يقف الشرق شبه متفرج على تلك “المسرحية الدامية” التي تنفرّد بكرتها “إسرائيل” بشكل منفرد ظاهرياً.
ففرنسا، التي حملت لقب الأم الحنون للبنان، خرجت من معادلة المحافظة على خصوصية علاقتها مع هذه الدولة، وتأمين الحماية لأراضيها، التي رسمتها بنفسها، عبر إعلان لبنان الكبير في العام 1920، منذ أن تم إخراج أحد رؤسائها الجنرال شارل ديغول من السلطة في أواخر ستينيات القرن الماضي، وبعده أسقط الرؤساء الفرنسيون هذه المعادلة من حساباتهم. باتت الدولة، ذات النفوذ المستعمر، تحت مظلة النظام الأميركي العالمي، وبات آخر رؤسائها إيمانويل ماكرون يتعرض للهجاء من قبل رئيس وزراء العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لأنه طالب بتحجيم توريد الأسلحة من العديد من الدول الغربية إلى الكيان الغاصب، وبالتالي لم يعد لفرنسا كلمة فصل في تكوين السلطة في لبنان.
أما أميركا وبريطانيا والأنظمة التي تدور بفلكهما، فقد فوّضت، منذ خمسينيات القرن الماضي، دولة كيان الاحتلال الإسرائيلي بأن تكون “حاملة الطائرات البرية”، والتي من أبرز مهامها أن تتصدى لأي محاولة من الدول العربية لإسقاط مهمتها، فحاربت مصر وسوريا والأردن ولبنان، ووسعت احتلالها على حساب الأراضي التابعة لهذه الدول، وما لبثت أن وقّعت مع القاهرة وعمان معاهدتي سلام، فيما بقيت دمشق وبيروت القلعتين العصيتين على الإخضاع، وعندما فشلت في تطويع العاصمة السورية عبر الحرب الكونية التي شُنت عليها في العام 2011، راحت اليوم تسعى لجر العاصمة اللبنانية إلى ما يشبه التطبيع عبر فرض رئيس يساير الأجواء التي تسير بها العديد من الدول العربية، وذلك تحت غطاء محاربة “حزب الله” الذي شكّل لها “وجع رأس” مقلق منذ العام ألفين.
في غضون ذلك يبدو الشرق المتمثل بروسيا والصين مشغولاً بما استنبط له من مشاكل داخلية، فروسيا تسعى لإعادة تطويع ربيبتها أوكرانيا بالحرب داخل البيت، والصين تخطط لإستعادة تايوان وتخطي الهجمة الأميركية لتقليص دورها الاقتصادي الذي امتد على مساحة العالم.
وبين الغرب والشرق، ظهر نتنياهو الذي كان خائفاً من جره إلى المحكمة بسبب قضايا فساد، ليتحدث صراحة عن توجهه لتنفيذ “الوصايا” التوراتية حول الأرض المفترضة لـ”اسرائيل”، والتي تقتطع المساحات الواسعة من أراضي الدول العربية، ليحقق الحلم اليهودي “من النيل إلى الفرات”، ويخرج من هذه الحرب بطلاً متوجاً، بعدما عربد على أرض غزة ولبنان، من دون أن يوجه إليه العالم الغربي أية ملامة، على الرغم من سقوط عشرات آلاف الشهداء ومئات آلاف الجرحى معظمهم من النساء والأطفال.