كيف اكتشف “حزب الله” تفخيخ الـ”بيجر”؟

| زينة أرزوني |

منذ اللحظة الأولى لتفجيرات الـ”بيجر” والأسئلة البديهية كانت: كيف وصلت الشحنة إلى “حزب الله”؟ وكيف لم يكتشف الأمن الوقائي وجود متفجرات بداخلها؟ والأهم: كيف أكتشف الحزب المتفجرات؟ وكيف علمت إسرائيل بذلك؟

أسئلة تحتاج إلى الكثير من التحقيقات التي بدأت داخل أروقة الحزب، ولكن بما ان الحزب لا يتحدث كثيراً ولا يكشف معلومات بسهولة عن الحرب الأمنية الاستخباراتية مع العدو، وُضعت بعض الفرضيات عن كيفية اكتشاف الحزب أن الـ”بيجر” مخترق ومفخخ.

أولى هذه الفرضيات، وبحسب مصدر أمني يعمل في مجال تفكيك المتفجرات في حديث لموقع “الجريدة”، أن يكون أصاب إحدى الأجهزة عطل ما، فقرر العنصر إصلاحه وأرسله إلى المسؤولين عن الصيانة، وعند فتحه انفجر به.

فيما الفرضية الثانية تتحدث عن اكتشاف أحد العناصر الذين يحملون الـ”بيجر” أن بطاريته ينتهي شحنها بسرعة، فمن المعروف أن مدة شحن بطاريات هذه الأنواع تدوم لساعات طويلة، فقرر عندها فحص السبب، ولحظة فتح الجهاز انفجر به. ويقول المصدر الأمني إن هذه الفرضية قد تكون أقرب إلى الواقع، لأن المادة المتفجرة التي أضيفت للأجهزة يرجح أن تكون من نوع “آر دي إكس”، وتسمى أيضا “الهكسوجين”، وهي معروفة بثباتها الجيد وإنتاجها العالي للطاقة، مما يجعلها مناسبة لمجموعة متنوعة من التطبيقات العسكرية والصناعية، ومن خصائصها أنه يمكن خلطها مع “الملدنات” لجعلها قابلة للتشكيل مثل الصلصال مع الاحتفاظ بخصائصها المتفجرة، وهذه المواد كانت تؤدي بطبيعة الحال إلى خفض نسبة الشحن في البطاريات.

وهنا يتضح أنه ليس من باب الصدفة وصف أحد المسؤولين الأميركيين الأسباب التي قدّمتها “إسرائيل” للولايات المتحدة بشأن توقيت الهجوم أنه جاء في “لحظة استغلال الفرصة أو خسارتها”، فمن المؤكد أنه لحظة اكتشاف الحزب اختراق الأجهزة أرسل رسائل نصية للتخلص منها، وبما أن “إسرائيل” تتجسس عليها وتصلها هذه الرسائل، علمت بما وصل إاليه الحزب، فقررت تفجير “البيجر” في لحظتها، لإحداث صدمة في بيئة المقاومة وتسجيل نقطة على الحزب.

ومن هنا يمكن التأكد أن الهدف من اختراق الـ”بيجر” واللاسلكي هو تتبع تحركات عناصر الحزب، والتجسس على رسائلهم اطول مدة زمنية ممكنة، وهذا يكشف سبب ارتقاء عدد كبير من الشهداء منذ بداية حرب الإسناد على الجبهة الجنوبية.

هذا المخطط ليس وليد الأشهر الخمسة الماضية، فـ”إسرائيل”، وبعد الهزيمة التي منيت بها عام 2006، وعدم قدرتها على الوصول إلى معلومات دقيقة عن القدرة العسكرية للحزب وأماكن تخزين الصواريخ، أيقظت كل شياطينها، وجندت كل عملائها في أميركا وبريطانيا والدول الأروبية للإيقاع بأي شخص يناصر الحزب، ومن هنا كانت النسبة الكبيرة من تجنيد العملاء، تحديداً المقربين من الحزب. وبما أن ذلك لم يفدها كثيراً، انتقلت إلى الحرب السيبرانية، حيث بدأت شركة “بي إيه سي” المجرية بشحن أجهزة الـ”بيجر” إلى لبنان في صيف عام 2022 بأعداد صغيرة، لكن الإنتاج زاد بسرعة بعد أن حظر السيد نصرالله استخدام الهواتف المحمولة سهلة التتبع، وقرر الاعتماد على أجهزة منخفضة التقنية.

هذه الشركة، وبحسب 3 مصادر استخباراتي، ما هي إلا جزء من “واجهة إسرائيلية”. المصادر أكدت لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أن الشركة المجرية، وشركتين وهميتين أخريين على الأقل تم إنشاؤهما أيضاً لإخفاء الهويات الحقيقية للأشخاص الذين يصنعون أجهزة “البيجر”، وأن المُصنّع الحقيقي لها “الاستخبارات الإسرائيلية”.

الشركة تعاملت مع زبائن عاديين وأنتجت لهم مجموعة من “البيجر”، لكن “الزبون” الأهم كان “حزب الله”. وبحسب المصادر الثلاثة، فإن الأجهزة التي أنتجتها الشركة للحزب خصيصاً كانت تحتوي على بطاريات مخلوطة بمادة “بينت” المتفجرة.

وبما أن شحنة اللاسلكي كانت مع شحنة الـ”بيجر” اختارت اسرائيل تفجيرها في اليوم الثاني، لإيهام بيئة المقاومة أنها قادرة على الوصول إليهم في أي لحظة، وكسر هيبة المقاومة في أعينهم. ولكن من يسمع ماذا يقول الجرحى، ومن فقد عيناه، أنه لحظة شفائه سيعود إلى الجبهة، وكيف أن عائلاتهم صابرة ومؤمنة وتردد “منعمل شو ما بيقول السيد وكلنا فداه”، يتيقن أن هذه البيئة لن تكشف ظهر مقاومتها يوماً من الأيام، ولن تتخلى عن الوقوف إلى جانبها حتى آخر نفس.