| فاتن الحاج |
بين «الحق في التعلّم» و«التوطين المُقنّع» و«التآمر على السيادة»، تفاوتت مواقف الكتل السياسية من تعميم المديرية العامة للتعليم المهني والتقني في وزارة التربية، المستند إلى قرار مجلس الوزراء المتعلق بالسماح للطلاب السوريين بالتسجيل في المعاهد والمدارس المهنية من دون شرط حيازتهم بطاقة إقامة شرعية من المراجع الرسمية المختصة، ولا سيما من المديرية العامة للأمن العام.ومع أن الحكومة مجتمعة اتخذت القرار في الجلسة «المهرّبة» في11 أيلول، فإن الأصوات المعترضة لم تقتصر على جهات سياسية محددة كالتيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية وغيرهما، وإن اختلفت طرق تعبير المعترضين. فـ«حق التعلم لا يبرر وجود النازحين السوريين غير الشرعيين ولا يجعلهم فوق القوانين»، بحسب عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب إيهاب حمادة، مشيراً إلى أن «الاعتبارات التي كانت تجري مراعاتها في السابق من أجندة استهداف النظام السوري وغيرها تبدّلت، واليوم الدعوة هي للعمل على إعادة النازحين إلى الأماكن الآمنة، على أن يجري ذلك بهدوء ومتابعة حثيثة بين الدولتين تحت سقف القوانين اللبنانية ومراعاة العلاقات التاريخية بينهما»، مؤكداً «أننا ننسجم مع حركة أمل في هذا الموقف».
إلا أن الاعتراض الأكثر عنفاً أتى من التيار الوطني الحر، إذ طالب رئيس التيار جبران باسيل، في كلمة متلفزة، رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي والوزير السابق وليد جنبلاط وحزب الله والوزراء في الحكومة إلى «العودة عن القرار والتحرك لإسقاطه ولا سيما بعدما تكوّن وعي جماعي سياسي وشعبي بشأن خطر النزوح»، لافتاً إلى أنه و«إن كنا مع القوانين الدولية وحق الطفل في التعلم، لكن ليس على حساب لبنان». ورأى المجلس الأعلى للتربية في التيار، في بيان، أن إلغاء شرط وجود الإقامة الرسمية «يشجع العائلات السورية التي ليست لديها إقامة على البقاء طالما يتوفّر لأولادها تعليم نوعي»، محذّراً من أن تؤدي هذه القرارات إلى «توطين مُقنّع». ولم يستبعد عضو تكتل لبنان القوي النائب إدغار طرابلسي أن يكون القرار صدر بضغط من الجهات الدولية المانحة التي تربط تمويل التعليم باستيعاب النازحين في المؤسسات التعليمية الرسمية.
ووضع المجلس التربوي في حزب القوات، في بيان، القرار في خانة «الوقاحة وانعدام الوطنية والتآمر على السيادة»، محذّراً من أن «أمن لبنان بات مجدداً في الصميم نتيجة التجاوزات في موضوع الوجود السوري غير الشرعي». ودعا إلى تجمع عند الثانية عشرة من ظهر اليوم أمام مبنى المديرية العامة للتعليم المهني في الدكوانة.
في المقابل، ثمة من وجد في اشتراط الحصول على الإقامة أو تجديدها، والذي يواجه عملياً عقبات بيروقراطية ومعايير صارمة، «قراراً غير إنساني يمنع الأطفال من نيل حقهم الأساسي في التعلّم الذي ينص عليه القانون الدولي واتفاقية حقوق الطفل، ودعوة غير مباشرة لدفعهم إلى الشارع، ولا سيما أنه مع تعليق مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التسجيل منذ عام 2015، سيواجه 80% من الأطفال (غير المسجّلين) خطر عدم الالتحاق بالمدارس»، بحسب تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» صدر هذا الشهر.
وزير التربية السابق عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النيابية أكرم شهيب قال لـ«الأخبار» إن وزارة التربية «ليست مسؤولة عن مشكلة إدارة ملف النزوح في لبنان، والتعليم حق إنساني وقانوني يمنع الأطفال من الذهاب إلى الشارع والتطرف والإرهاب».
فيما رأت النائبة حليمة القعقور أن «ما نشهده اليوم هو تداعيات لعدم وجود خطة حكومية وإرادة لإدارة هذا الملف لجهة تصنيف من هو لاجئ ومن هو غير لاجئ، ما يجعلنا عرضة للابتزاز الدائم، والحل لا يكون بمعاقبة أطفال لا ذنب لهم ولهم حق بالتعلم».
تجدر الإشارة إلى أن القرار لا يزال يقتصر على الراغبين في التسجيل في التعليم المهني، وليس معروفاً حتى الآن ما إذا كان سينسحب على التلامذة في المدارس والثانويات الرسمية، مع الإشارة إلى أن منظمة اليونيسف لم تتردّد خلال السنوات الأخيرة في تأمين مقاعد للتلامذة اللاجئين السوريين في المدارس الخاصة ولدى الجمعيات المعنية بتعليمهم. كما ينبغي التذكير بأن المنتفعين من أموال المشاريع الدولية هم من كل هذه الأطياف، ما يطرح السؤال ما إذا كان هذا التهويل في توقيته يتزامن مع التهديد الدولي بقطع الأموال. المفارقة هنا أن التعليم المهني يستقبل منذ زمن بعيد التلامذة السوريين من دون أن يبرزوا إقاماتهم، إلى أن منع رئيس مصلحة المراقبة والامتحانات في المديرية جوزيف يونس الطلاب، هذا العام، من الحصول على شهادة البكالوريا الفنية قبل نيل الإقامة، علماً أنه سمح لهم بتقديم الامتحانات الرسمية. بعد ذلك، أصدرت المديرة العامة للتعليم المهني والتقني هنادي بري تعميمها الأول الرقم 24/2024 بتاريخ 9 أيلول الجاري، أي قبل يومين فقط من قرار مجلس الوزراء تطلب فيه من المديرين في المعاهد الفنية الرسمية والخاصة ضرورة استحصال الطالب على إقامة صالحة المدة عن المديرية العامة للأمن العام اللبناني في ما خصّ الطلاب غير اللبنانيين، تحت طائلة اتخاذ الإجراءات الإدارية والمسلكية بحق المعاهد المخالفة.