عباس الحلبي
تصوير عباس سلمان

وزير التربية يستبيح حق الوصول إلى التعليم ومجانيته

جريدة الأخبار

| نعمه نعمه |

في قراره الرقم 680/2024، يفرض وزير التربية، عباس الحلبي، على الأهل مساهمة بقيمة 4.5 ملايين ليرة، أي 50 دولاراً أميركياً، عن كل تلميذ في المرحلة الأساسية (الابتدائية) و100 دولار عن الطالب في المرحلة الثانوية، ما يعني أن الوزارة ستجمع ما يتجاوز 20 مليون دولار، ما عدا المساهمة المرتقبة أيضاً في التعليم المهني والتقني.

هذه الزيادة تمثّل أكثر من 40 ضعف ما كان وارداً في الموازنة العامة لعام 2024، كما تمثّل نحو 18% من الموازنة المخصصة للتعليمين الأساسي والثانوي، وقيمتها 112 مليون دولار.بداية، هو قرار مخالف لأحكام الدستور والقوانين المرعية الإجراء. فمجانية التعليم في المرحلة الابتدائية مكرّسة منذ عام 1959، والمادة 49 من المرسوم الاشتراعي الرقم 134/1959، والمعدّلة بموجب القانون 686/1998، تنص على أن «التعليم مجاني في المرحلة الابتدائية الأولى (ست سنوات تعليم)».

ومن ثم عُدلت المادة نفسها في القانون 150/2011 لتصبح «التعليم إلزامي في مرحلة التعليم الأساسي ومتاح مجاناً في المدارس الرسمية، وهو حق لكل لبناني في سن الدراسة لهذه المرحلة»، ويُقصد بالتعليم الأساسي حتى الصف التاسع أو إتمام سن الـ 15 عاماً.

وذكر التعديل عام 2011 أن القانون يصدر بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء ويحدد شروط وتنظيم التعليم المجاني الإلزامي. هذا المرسوم صدر عام 2022، أي بعد أكثر من 10 سنوات، تحت الرقم 9706/2022، وقد وردت في مادته الثانية عبارة «… ويبقى على عاتق الأهل المساهمة في صندوق مجلس الأهل دون سواه»، أي إنه ألغى رسوم التسجيل، وأبقى مساهمة الأهل (هذه مخالفة تجاوزها مجلس شورى الدولة!) علماً أن الصندوقين تم توحيدهما في صندوق واحد في القرار 228/1998 بإشراف لجنة إدارية من المدير ومعلمين من الملاك واستثنى مجلس الأهل من المشاركة، إذ إن غالبية المدارس الرسمية لا تضم مجالس للأهل، وهذه أيضاً مخالفة.

هكذا، تعمّد المرسوم 9706/2022 ذكر مساهمة الأهل التي فقدت معناها القانوني واللغوي وصارت إلزامية وبمثابة رسم تسجيل، بحيث لا يستطيع التلامذة الالتحاق بالمدرسة إلا بعد دفعها، وهذا الأمر أيضاً يُعدّ مخالفة واضحة للمادة 52 من قانون الموازنة العامة لعام 2004 التي تنص على: «…خلافاً لأي نص آخر، يُعفى تلامذة مرحلتي رياض الأطفال والتعليم الأساسي من مساهمة الأهل في تغذية صندوق المدرسة الرسمية، وذلك ابتداء من العام الدراسي 2003 – 2004».

يومها، كانت الحكومة قد بدأت بتطبيق الإعفاء قبل قوننته للعامين 2001-2002 و 2002-2003 بمرسومين متتاليين ورد فيهما أنه «يُدفع مبلغ (…) إلى وزارة التربية والتعليم العالي من أموال الصندوق البلدي المستقل بدل إعفاء تلامذة المدارس الرسمية في التعليم العام والتعليم المهني ما قبل الجامعي (للأعوام …) من الرسوم المدرسية ومن مساهمات الأهالي في صناديق المدارس الرسمية، وفقاً للمادة 5 من القانون الرقم 385 المعدّلة بالقانون الرقم 460 بتاريخ 29/8/2002».

ومنذ عام 2004، تورد الموازنة العامة بنداً في وظيفة «تعليم غير مصنّف – التحويلات، دعم صناديق المدارس الرسمية، بدل إعفاء التلامذة من رسوم الأهل»، بلغت قيمته في موازنة هذا العام 42 مليار ليرة (472 ألف دولار). كذلك أضافت الموازنة تمويل بندين آخرين، يتعلق الأول بأجور معلمي المواد الإجرائية والآخر بدعم الكتاب المدرسي المجاني، ما يعني عدم تحميل «مساهمة الأهل» أياً من رواتب معلمي المواد الإجرائية أو شراء الكتب.

ثمة خرق هنا لحقّ الوصول إلى التعليم المجاني، إذ إن الظروف الاجتماعية للفئات الملتحقة بالتعليم الرسمي تشير إلى استحالة تنفيذ هذا القرار من الفئة الأكثر فقراً وتهميشاً، على الأقل، كما من العائلات الفقيرة والكثيرة العدد، ما سينعكس زيادة في نسب التسرب وعدم الالتحاق بالتعليم لدى هذه الفئات. فمناطق مثل بعلبك – الهرمل وطرابلس والضنية وعكار وجزين وبعض الجيوب في أماكن أخرى حيث نسب الالتحاق الأعلى في المدارس الرسمية والأفقر على الخارطة اللبنانية، لن يتمكن قسم من تلامذتها من الالتحاق، وتكون النتائج كارثية على حق التعلم والوصول إلى التعليم.

وكأنّ الوزير يضغط مجدداً على الجهات المانحة لدعم التعليم من باب صناديق المدارس الفارغة، علماً أن اليونيسف أوضحت، في بيانها في آذار 2023، أنها حوّلت 13.7 مليون دولار إلى صناديق المدارس، عدا دعمها لرواتب المعلمين والمستعان بهم والكتاب المدرسي المجاني، وهي تقوم محل الدولة المسؤولة بتمويل هذه البنود.

وأشارت المنظمة، وبلغة دبلوماسية قاسية، إلى «…أن زيادة التمويل لا تسهم وحدها في التصدي للتحديات التي يواجهها التعليم، فالحاجة ماسة أيضاً إلى تفعيل الإصلاحات والسياسات الوطنية التي تعمل على تحسين كفاءة وفعالية الإنفاق العام على قطاع التعليم في لبنان».

ويُفهم من هذا البيان أن «اليونيسف» لن تدعم ما تسميه «الفوضى والمراوحة في الفساد وعدم تحقيق التقدم بعد آذار 2023»، وفعلاً ما قدّمته المنظمة الأممية بعدها اقتصر على بعض المساعدات الملحّة، ويبقى على الدولة والوزارة تقديم حلول مستدامة أو خطط واضحة لضمان فعالية الإنفاق وتأمين حق الوصول إلى التعليم وجودته، وهذا ما لم يحصل حتى الآن، وليست هناك مؤشرات إلى تقدم على هذا الصعيد.

فماذا يقصد الحلبي بقرار رفع مساهمة الأهل إلى 50 دولاراً؟ هو يعلم أن الدولة مفلسة وأن الموازنة العامة لن تساند موازنة الوزارة بتمويل إضافي، ولا سيما أن الوزير حصل، العام الماضي، على سلفة خزينة بقيمة 150 مليون دولار، زيادة على موازنته، لضمان استقرار سنة تعليمية من دون إضرابات، وإذا كانت صناديق المدارس فارغة ففي الواقع الوزير هو من أفرغها بالسماح بصرف قسم من موجوداتها لأجور المتعاقدين وبدلات النقل والمواد الإجرائية والتأمين الخاص والمحروقات وغيرها، علماً أن وجهة الصرف في صناديق الأهل محددة في القانون 228/1998 ونظام مجالس الأهل في القرار 2153/2007، ولا سيما في المادة 25 منه، بحيث لا تشمل نفقات صندوق الأهل أجور المتعاقدين أو بدلات النقل والعديد من الأمور التي حمّلها الوزير لهذا الصندوق.

وتجاوز الوزير القانون بجعل الأهالي يغذّون جبراً صندوق المدرسة والأهل، مناقضاً المادة 52 من قانون الموازنة العامة لعام 2004. كذلك خذلت الحكومة المدارس والأهالي بالتمنع عن تمويل صناديق المدارس نتيجة خلل في إعداد موازنة وزارة التربية.

إذاً، أخفق الوزير في وضع موازنة الوزارة للسنة الدراسية 2023-2024، وإضافة سلفة بقيمة تزيد على 70% عن الموازنة المقرّة للوزارة لعام 2024 هو فشل كبير، فضلاً عن مزاريب الهدر والفساد والمحاصصة وأموال المانحين.

في كل محطة، تتأكد عدم قدرة الوزير وفريقه على تقديم حلول أو الحد من تفاقم أزمة التعليم وغياب النية لدى الحكومة بحماية الطلاب وحق الوصول إلى التعليم. نحن أمام مستقبل مظلم ومجهول في التعليمين الرسمي والخاص بعد فلتان الأقساط في القطاع الخاص وعدم القدرة على ضبطها، فضلاً عن قضم حقوق المعلمين والمتعاقدين والمتقاعدين في القطاعين.

نعيش اليوم سياقات وتدابير مدمّرة للتعليم الرسمي والخاص ولبنية المجتمع في لبنان ومستقبله، مع قرارات تتّصف بالخفة، تأخذنا إلى آفاق مظلمة، تضرب أو تعطل حق الوصول إلى التعليم وخصوصاً للفئات الأكثر ضعفاً وتفاقم الأزمة وتعطل إمكانية الحد منها، وتعدنا بالعودة إلى حملات محو أمية بعد عدة سنوات.