| جورج علم |
طوى الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي صفحة من العلاقات الإستراتيجيّة مع روسيا، قد لا تتكرّر، وإن أسعفتها الجهود الدبلوماسيّة قد تأتي متطابقة ومواصفات لا تستفزّ واشنطن.
لاقى الرئيس رئيسي، ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، وبعض أعضاء فريق عمله، حتفهم في 19 أيار الماضي، إثر سقوط المروحيّة التي كانت تقلهم في منطقة وعرة شمال غرب البلاد. وبعد أسابيع قليلة (15 حزيران الماضي) أعلن مسؤول في وزارة الخارجيّة الروسيّة “أن إتفاقا جديداً مع طهران للتعاون الشامل، جرى تعليقه مؤقتاً بسبب مشاكل تواجه الشركاء الإيرانيّين”.
وأعلن وزير الخارجيّة سيرغي لافروف إثر ذلك أنه “تمّ الإتفاق على نصّ هذه الإتفاقيّة بشكل كامل، رغم أنه لا يمكن التوقيع عليها بعد”.
أضاف: “سنتمكن من ذلك بمجرّد حل القضايا الإجرائيّة بشكل أساسي من جانب زملائنا الإيرانيّين”.
وتابع: “الحديث لا يدور عن إتفاق دبلوماسي عادي، إنما عن إتفاقيّة ينبغي أن تحدّد العلاقات بين البلدين لعقود مقبلة”.
وكان الرئيس الراحل رئيسي قد زار موسكو في 19 كانون الثاني الماضي، وصاغ مع الرئيس فلاديمير بوتين الخطوط العريضة لمسودة إتفاق مدّته 20 عاماً بين البلدين. وقال يومها: “إننا نريد أن نطوّر علاقتنا القويّة، والمتعددة الأوجه مع روسيا، وينبغي أن تكون مستدامة، وإستراتيجيّة”.
ويعزو الروس أسباب التأخير، إلى “تعديل التوقيت” بعد وفاة الرئيس رئيسي وفريقه، وأن فريق الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان سيقوم بإجراء تعديلاته الخاصة على الإتفاقيّة الإستراتيجيّة، ويفترض أن تجري مناقشة المقترحات الجديدة من الطرفين”.
ونشرت الصحيفة الإيرانيّة “آرمان آمروز” تقريراً بعنوان “فك شيفرة تجميد الاتفاق بين إيران وروسيا”. وربطت فيه بين الإعلان الروسي عن تأخير التوقيع، والمفاوضات الإيرانيّة ـ الأميركيّة الجارية”.
ونقلت الصحيفة عن عبد الرضا فرجي راد، السفير الإيراني الأسبق في النروج، وسيرلانكا، والمجر، قوله: “إن التعامل الأميركي طوال الأشهر التسعة الماضية مع طهران قد أثار شكوكا لدى الجانب الروسي، وإن سلوك واشنطن حيال الهجوم الإيراني بمئات الصواريخ على إسرائيل تحوّل إلى لغز في موسكو”.
ويعتقد الدبلوماسي الإيراني السابق “أن ضبط الولايات المتحدة نفسها، وإحجامها عن الرد على الهجوم الإيراني، في وقت تقدّم فيه واشنطن 60 مليار دولار لأوكرانيا، وتسمح لها بإستخدام الأسلحة الأميركيّة لمهاجمة العمق الروسي، يرسم علامات إستفهام لدى موسكو”.
ولدى إشارته إلى تراجع الحملات الإعلاميّة الغربيّة ضدّ طهران حول نقلها السلاح إلى روسيا منذ فترة، يعتبر أستاذ الجغرافيا السياسيّة عبد الرضا فرجي راد أن “المفاوضات بين طهران وواشنطن تؤرق الجانب الروسي خشية أن يكون الجانبان الإيراني والأميركي قد اتفقا على خفض نقل السلاح من طهران إلى موسكو”.
ورأى فرجي راد “أن إمتناع روسيا على التصديق على مشروع القرار الأميركي بشأن الهدنة في غزّة، ثمّ تسريب الأنباء عن تجميد الإتفاق الشامل مع طهران، قد يوحيان بحدوث مشكلة جديدة على صعيد العلاقات بين طهران وموسكو”.
وعلى وقع هذه “التراكمات”، زار سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو مؤخراً طهران، والتقى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أكبر أحمديان، ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلّحة الإيرانيّة محمد باقري.
وركّز شويغو على ضرورة الإسراع في إبرام الإتفاق الإستراتيجي، و”عدم الرهان على حسابات خاطئة قد تؤدي إلى نتائج كارثيّة”، مستعرضاً عمق العلاقة التي تعود إلى العام 2001 عندما وقعت روسيا وإيران على إتفاقية إستراتيجيّة لمدّة 20 عاماً، تمّ تمديدها تلقائيّا عام 2020 لمدت 5 سنوات، ودعت تلك الإتفاقيّة إلى التعاون في مجالات الأمن، ومشاريع الطاقة، بما يشمل الإستخدام السلمي للطاقة النوويّة، وبناء محطات الطاقة النووية، والصناعة، والتكنولوجيا.
وإتفق الجانبان أيضا في 2020 على العمل على إتفاقيّة جديدة تحلّ محل القديمة، وتأخذ بعين الإعتبار مختلف الأوجه المتعددة لبناء إستراتيجيّة مستدامة، وقادرة على مواجهة التحديات الدوليّة الحديثة.
وساد تكتم شديد من الجانبين الإيراني والروسي حول ما حققته زيارة شويغو إلى طهران. لكن وكالة “ريا نوفوستي” الروسيّة، أكدّت أن الهدف من الزيارة “تعزيز التعاون الثنائي في العديد من المجالات، بينها الأمن”.
ونقلت كالة “رويترز” عن مصدرين إيرانييّن رفيعين أن “إيران تضغط على روسيا لإقناعها بتزويدها طائرات مقاتلة متطورة من طراز سوخوي سو ـ 35”.
وأفادت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركيّة، نقلاً عن مسؤولين إيرانييّن، بأن “طهران طلبت أنظمة دفاع جوي متقدّمة من روسيا إستعدادا للحرب المحتملة مع إسرائيل”.
وأوضحت الصحيفة أن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنيّة في طهران، قد شجّع المسؤولين الإيرانييّن على تفعيل العلاقات مع موسكو إنطلاقاً من خلفيتين:
• التعويل على “الفيتو” الروسي في مجلس الأمن ضد أي مشروع قرار قد يستهدف طهران في حال ردّت بقوّة على إغتيال هنيّة.
• والتعويل على السلاح الروسي المتطوّر الذي تحتاجه طهران في حال ذهبت الأمور نحو مواجهة كبرى.
ورأت أن اغتيال هنيّة ربما وفّر حوافز لم تكن موجودة لدفع الرئيس مسعود بزشكيان إلى توقيع الإتفاق الإستراتيجي مع موسكو، لكن هذا في حال حصوله، ربما يؤدي إلى تضييق باب الحوار مع واشنطن، الأمر الذي يرفضه الرئيس الإصلاحي، ويريد من هذا الحوار أن يشكّل منعطفاً لتحرير الإقتصاد الإيراني من العوائق الأميركيّة ـ الأوروبيّة ـ الغربيّة التي تعترض نموّه، وتكبّل إنطلاقته نحو الأسواق العالميّة.