/ جورج علم /
تناول الإعلام قبل أيام، “ثلاثيّة” قلقة حول واقع لبنان، ومصير الكيان: الفاتيكان ـ رئاسة الجمهوريّة ـ بكركي.
بابا ورع يؤكد بأن لبنان في قلبه.
رئيس جهورية، زار البابا، وأهدى من روما خصوم العهد، خصوصاً داخل البيت الماروني، جعبة طافحة بالسهام الجارحة، على أبواب الإنتخابات، للتصويب ضدّ نهجه، وتياره، طمعاً بحفنة من الناخبين.
بطريرك غاضب يرفض “الجو الإستبدادي البوليسي”، وينتقد “تسييس القضاء”، ويتحدث عن “تلفيق إتهامات، ودعاوى مسيّسة، وإنتقائيّة”، وعن “إستغلال السلطة لبعض القضاء”. ويتساءل: “هل الهدف من بعض الإجراءات الصادمة، خلق واقع يؤدي الى تطيير الإنتخابات النيابيّة في موعدها؟!”.
كان البطريرك في الفاتيكان قبل زيارة رئيس الجمهوريّة، وكان الرئيس قد تهاتف معه قبل زيارة الفاتيكان، وهما على تلاقٍ، وتواصل كلما دعت الحاجة، ولكن يبدو أن الحاجة بين “الثنائيّة المارونيّة”، هي بحاجة الى الفاتيكان لتلمس الحلول!
ليست المرّة الأولى التي تتباعد فيها الخيارات والمقاربات بين بكركي وبعبدا. في زمن “الكبار”، وقعت الواقعة بين البطريرك الكاردينال بولس بطرس المعوشي، وبين الرئيس كميل شمعون، حول “حلف بغداد”، ولُقِّب البطريرك يومها بـ”محمد المعوشي”، كونه عارض الحلف الذي دعمه الرئيس شمعون.
ووقعت الواقعة بين البطريرك المعوشي، والرئيس فؤاد شهاب، على خلفيات سياسيّة عدّة، ما حمله على القول: “أنا الثابت وهوالعابر… قل للذي تحت (كان الرئيس شهاب في صربا تحت بكركي) أن لا شيء يدوم”.
مع رحيل “الكبار”، غزت ملامح الشيخوخة المبكرة هامة الوطن.
توفي البطريرك المعوشي قبل شهرين فقط من إندلاع الحرب الأهليّة.
يومها كتب عنه المؤرخ الأب ميشال الحايك: “إن أي بطريرك ماروني جديد سيجيء ليرأس إما مأتم المارونيّة، وإما ميلادها في العصر. منه سيكون البدء الماروني، أو على يده بدء النهاية. المهم اليوم الإقتراع (إنتخاب بطريرك جديد) وغداً الإختراع… وإلاّ فقد إنتهت جنازة لتبدأ أخرى”.
متى ينتهي مسلسل الجنازات، وقد فقد الوطن الهيبة، والوقار، والصيت الحسن، والدور السَّوِي التوفيقي ما بين الإشقاء، والأصدقاء، وهجرته النخب الشبابيّة الكفوءة، وانهارت مداميكه، وتشلّع البنيان، وتصدّعت المؤسسات؟
أثبتت الوقائع أن ما تنبّأ به الأب الحايك في مطلع العام 1975، كان أكثرَ إنباءً من كل ما كُتب ويُكتب عن المناحة الكبرى التي ترافق “لبنان الكبير” في ختام مئويته الأولى.
يحاول “الثنائي الماروني القوي” الإستعانة بصديق ـ الفاتيكان – لحل الأحاجي المعقّدة.
قمّة الأكمة، صراع مفتوح حول أي لبنان يريد الموارنة، قبل غيرهم من المكونات الأخرى، “فاليوم إقتراع، وغداً الإختراع.. وإلاّ فقد إنتهت جنازة لتبدأ اخرى…”!
بعض الظاهر من الأكمة، واضح للعيان.. لكن ماذا عن الرواسي؟
بعد رحيل البطريرك المعوشي، خيّم الشغور على بكركي لأربعة أشهر، قبل أن يصار الى انتخاب البطريرك أنطون بطرس خريش الذي دعا الموارنة “إلى اختيار أفضل ما عندهم للخدمة العامة”.
لكن دعوة البطريرك خريش لم تلقَ الصدى الواسع آنذاك، حتى في صفوف “الجيش الأسود” الذي انخرط بعضه في صفوف الميليشيات، وساهم في تأجيج الصراعات، والعصبيات.
يومها بدأ الإنقلاب الكبير، ومعه الأسئلة الكبرى:
هل اختار الموارنة أفضل ما عندهم، لإعلاء شأن لبنان الكيان؟
هل كانوا أمناء على “الأمانة”، وحافظوا على الوزنات، وضاعفوها؟ أم انخرطوا في خدمة المصالح الخاصة، على حساب المصلحة العامة؟!
يحق للبطريرك الراعي أن يغضب، ويتّهم.
لكن، هل أعطى الموارنة خيرة ما عندهم لرفع مداميك البناء الوطني الذي أرسى قواعده الآباء المؤسسون، أم كان بعضهم، كآخرين، روّاداً في رفع مداميك الفئويات، والمحسوبيات، وانتهاك الدساتير، والقوانين، والضلوع في الفساد، ونهب المال العام، والجلوس حول موائد التسويات، والمحاصصات، والمقايضات، ونثر المقادير عن البيدر اللبناني مع هبوب كل ريح، سواء شرّقت شرقاّ، أو غرّبت غرباً!
ويحقّ للبنانيين التمسك بالانتخابات كاستحقاق دستوري أولاً، وواجب وطني، واستفتاء ديمقراطي حول الخيارات…
لكن، ألاّ يصح التساؤل عن هذه الخيارات، وجدوى مفاعيلها، في ظلّ هذا الإنقسام الخطير الذي شطر لبنان عموديّاً إلى فالقين: فالق يشدّ به نحو شرق محموم، وآخر نحو غرب مأزوم!
نعم، قد يكون الإقتراع في 15 أيار، إذا لم يخرج تنيّن من بحر التناقضات، ليبتلعه… لكنه اقتراع حول أي “اختراع”؟…
هل ننتهي من جنازة، لنبدأ بأخرى؟!
ربما، كلبنانييّن، وموارنة خصوصاً، بحاجة أكثر الى صلوات الفاتيكان…