/ جورج علم /
ترك وزير الخارجيّة الإيراني حسين أمير عبد اللهيان وراءه ملفين: إمداد لبنان بالغاز والنفط، وبناء معملين لإنتاج الطاقة الكهربائيّة.
يُعمّق الملفان صراع المحاور على أبواب الإنتخابات. فريق ينظر الى العرض على أنه مجرّد أضغاث أحلام. وآخر يؤكد على جديته، والضرورات التي قد تفرض فتح أبواب التفاوض بشأنه!
وتزامنت الزيارة مع “شهر التسوّق الإنتخابي”، والعروض السخيّة من الداخل، والخارج. و”الأوكازيونات” المفتوحة التي تشمل مختلف الأوزان، والأحجام، مع عمليات “كسح أسعار” متوقعة لاحقاً أمام مراكز الإقتراع.
إنها أخطر إنتخابات تجري منذ الاستقلال، وأخطر استحقاق حول موقع الكيان ومصيره، هل يبقى ضمن الحضن العربي، أم يتشرذم، ويحظى ـ بعد تهلكة ـ بحماية القناصل؟!
ليس من جواب، لأن لا أحد في الداخل يملكه. والكل ينتظر “الوحي” الخارجي، و”كلمة السر” ، وهل ستاتي توافقيّة، أو تفجيريّة؟
والخارج بدوره ينتظر:
- ما ستفضي إليه الأزمة الأوكرانيّة، وهل تنزلق نحو المجهول المرعب، أم تحتضنها الحكمة، وتفتح الأبواب الموصدة أمام الحلول والمخارج؟
- مفاوضات فيينا. هل من اتفاق يحرّر إيران من العقوبات، أم لا إتفاق… وتعود إيران الى التخصيب كي تصبح نووية؟
- مصير الزلزال الإقتصادي الكبير الناتج عن البركان الأوكراني، والعقوبات الدولية الخانقة على روسيا، ومدى خطورة التداعيات على الأسواق العالميّة. هل من قمح يكفي، ومن رغيف يسدّ الجوع؟ وما مصير السلّة الغذائيّة، وتاثيرها على رياح الأرض الأربع، خصوصاً لدى الدول الفقيرة، والناميّة؟ وكم من الثورات والانتفاضات التي يمكن أن تفجّرها الفاقة؟
- ما نوعيّة التحالفات الجيوسياسيّة الجديدة في الشرق الأوسط، ومصير الملفات الكبرى المفتوحة؟
إن ما يجري على مقربة من بيروت، ليس تفصيلاً. زيارة الرئيس السوري بشّار الأسد الى أبو ظبي لم تصبح في خبر كان، بل هي المبتدأ لما سيكون.
القمة الثلاثيّة المصريّة ـ الإماراتيّة ـ الإسرائيليّة في شرم الشيخ لم تكن لتبادل السلامات، وتوزيع الإبتسامات، بل للبحث في عمق التحديات الزاحفة من الحديقة الأوكرانيّة باتجاه الشرق الأوسط، وانعكاساتها على الملفات الإقليميّة.
القمة الرباعية في العقبة والتي شارك فيها العاهل الأردني، والرئيس المصري، وولي العهد الإمارتي، ورئيس الوزراء العراقي، عقدت تحت شعار”التشاور”. وهذا العنوان لا يحتاج الى تعريف عندما يكون المصير العربي المشترك محبوكاً بخيوط عنكبوتية حالت ـ ولا تزال ـ دون عقد قمة عربية مقررة في الجزائر منذ العام 2017؟
كان الأردن آخر من استضاف قمة. حصل ذلك في 28 و29 آذار من ذلك العام، واختتمت ببيان أبدى فيه القادة العرب استعدادهم لتحقيق “مصالحة تاريخيّة” مع إسرائيل، مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها في حرب 1967. وطالبوا دول العالم عدم نقل سفاراتها إلى القدس، أو الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل… ومنذ ذلك الحين، أصبح العلم الإسرائيلي يرفرف في فضاء العديد من العواصم العربيّة، وأصبحت تل أبيب شريكاً في ترسيم الخطوط الأمنيّة والإقتصادية لجغرافيّة المنطقة، فيما الانسحاب من أراضي الـ67 لا يزال معلّقاً على مشجب الإنتظار!
منذ العام 2017، ولغاية اليوم، حصلت تطورات كثيرة قلبت المشهد الإقليمي رأساً على عقب. يكفي التوقف عند “اللقاء الإبراهيمي” في القدس، يومي الأحد والإثنين، 27 و 28 الجاري، والذي دعا اليه وزير خارجية إسرائيل يائير لبيد، وضمّ نظيره الأميركي، إلى جانب وزراء خارجية ثلاث دول عربيّة هي المغرب، والإمارات، والبحرين… إن القضيّة الأم قد شاخت، وتفرّعت عنها قضايا تحاكي الحاضر، والمستقبل، وترسم حدود المصالح، وسبل درء الأخطار!
إن هذا اللقاء، وغيره من إجتماعات الجوار، ليس بعيداً عن مرفأ بيروت المدمّر، ولا عن المسلسل الدرامي بحلقاته “المشوّقة” ما بين القضاء والمصارف، والذي يستمر عرضه بنجاح منقطع النظير عل مسرح محاربة الفساد.. ولا عن حكايا “التنّين” الذي قد يخرج فجأة من بحر الخبايا ـ في أي لحظة – ليلتهم الإنتخابات، ذلك أن الأسوار متداعية، والأبواب مشرعة، والشعارات “المستوردة” متنوعة، والتحديات محشوّة بالإستفزازات، والمعركة ـ وفق الخطاب السياسي المتداول ـ هي بين أميركا وإيران… وحزب الله، وسلاحه من جهة، وأميركا و”رموزها” من جهة أخرى. و”العروض” مفتوحة على شتى انواع المفاجآت… وآخر الجديد من قطر، من “منتدى الدوحة”، من الرئيس نجيب ميقاتي شخصيّاً، الذي يؤكد بأن العرب، وتحديداً الأشقاء الخليجيين، عائدون الى لبنان الذي استضاف مؤخرا حسين أمير عبد اللهيان!
إنعقد “منتدى الدوحة” تحت عنوان: “التحول الى عصر جديد”… وعسى أن يحمل ميقاتي من الدوحة، تباشير عصر عربي جديد للبنان، ينقذه من الارتهان، أو محاولات الذوبان!