السعودية تُعيد حساباتها في المنطقة.. فهل تعود الى لبنان قبل الانتخابات؟

/محمد حمية/

بعد أربعة أشهر على اندلاع الأزمة الديبلوماسية اللبنانية ـ السعودية الخليجية، أثمرت الجهود الفرنسية ـ الكويتية على خط بيروت ـ الرياض بترطيب العلاقة وخفض منسوب التوتر لتهيئة الظروف لإعادة العلاقات الى طبيعتها.
ومع أهمية الدور الفرنسي ـ الكويتي في إطار المبادرة الكويتية التي أسست للمسار الإيجابي الحالي، لكن التطورات والمتغيرات المتسارعة على الساحتين الدولية والإقليمية، ومسارات الحوارات المتعددة في المنطقة، و”تفلّت” المملكة العربية السعودية من التوجهات الأميركية التصعيدية ضد روسيا لجهة رفض المملكة زيادة انتاجها من النفط… كل ذلك دفع بالسعوديين لإعادة حساباتهم، وصياغة سياسة جديدة على مستوى المنطقة تعيد نفوذهم الى الساحات التي خرجوا ـ أو أٌخرِجو ـ منها، وأهمها لبنان.
بعد التعثُر الذي أصاب مسار ترطيب العلاقات الخليجية مع لبنان، يبدو أنه حقق خطوة نوعية خلال الأيام القليلة الماضية، بالتوازي مع وصول المسار الخليجي ـ السوري الى تقاطعات إيجابية، تمثلت بزيارة الرئيس بشار الأسد الى الامارات.
وعلى الرغم من المواقف التي أطلقها رئيسا الجمهورية والحكومة لإرضاء السعودية، وإدانة استهداف أنصار الله في اليمن للسعودية والامارات بالصواريخ والمسيرات، وإدانة ميقاتي لكلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ضد المملكة، والإجراءات الأمنية التي اتخذتها وزارة الداخلية لضرب أي مصدر يهدد أمن السعودية والخليج، لكن لم يصدر أي موقف سعودي يلاقي هذه الإيجابية اللبنانية.. للمرة الأولى منذ ثلاثة أشهر يصدر بيان سعودي يتحدث باللغة الإيجابية التي طغت على بيان الخارجية السعودية تعقيباً على البيان الأخير لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي. فقد رحبت وزارة الخارجية بما تضمنه بيان ميقاتي من نقاط ايجابية. وأملت بأن يُسهم ذلك في استعادة لبنان لدوره ومكانته عربيًا ودوليًا.
والتفسير الديبلوماسي للبيان، يعكس بادرة إيجابية وحسن نية وتمهيداً لتطبيع العلاقات السعودية مع لبنان، وعودة سفراء دول الخليج الى بيروت، وإنهاء القطيعة الدبلوماسية.
فهل تعود السعودية ومعها دول الخليج الى بيروت.. ومتى؟
مصادر لبنانية مقربة من السعودية تشير لموقع “الجريدة” إلى أن “المسار الإيجابي هو الطاغي خلال اليومين الماضيين باتجاه تطبيع العلاقات اللبنانية ـ السعودية، لكن لن نشهد أي إجراءات عملية لترجمة البيان قبل الاجتماع المرتقب لمجلس التعاون الخليجي نهاية الشهر الجاري”. وتوقعت صدور بيان مشترك من مجلس التعاون يكون تتمة لبيان الخارجية السعودية ويمهد لإعادة تطبيع العلاقة مع لبنان، لا سيما أن الورقة الكويتية حظيت بموافقة مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية وفرنسا.
لا يمكن عزل الرؤية السعودية الجديدة تجاه للبنان، عن إعادة الحسابات السعودية في المنطقة، ومسارات الحوارات الذي تقوده السعودية في المنطقة:
ـ دعوة مجلس التعاون الخليجي لحل سياسي يعيد الاستقرار والهدوء الى العراق.
ـ دعوة السعودية للحوار مع أنصار الله لحل سياسي للحرب في اليمن.
ـ تطبيع العلاقات الخليجية العربية مع سورية من البوابة الإماراتية بتشجيع ضمني من السعودية.
ويبدو أن السعودية تتجه الى ترتيب ملفاتها في المنطقة للاستعداد لتلقف المتغيرات الآتية من “فيينا”، مع اقتراب توقيع الاتفاق النووي بين ايران والقوى الغربية والأميركية، ما سيمنح طهران زخماً أكبر لمضاعفة نفوذها في الساحات التي تتمتع فيها بنفوذ سياسي وعسكري واقتصادي، كالعراق وسوريا ولبنان واليمن.
مصادر ديبلوماسية لفتت لموقع “الجريدة” الى أن “بيان الخارجية السعودية رسالة إيجابية تنطلق من رؤية واقعية وبراغماتية للتحولات في المنطقة، فالمملكة تريد استباق تداعيات توقيع الاتفاق النووي، واحتواء أي اندفاعة إيرانية مضاعفة باتجاه المنطقة، فأرادت العودة الى الساحات، لا سيما مع التنافس وتضارب المصالح والنفوذ السياسي الاقتصادي السعودي ـ الاماراتي في اليمن، رغم التحالف العسكري بينهما، الى جانب التمايز الاماراتي عن السعودية بالانفتاح السريع على سوريا منذ عدة سنوات، تكلل بزيارة إماراتية الى سوريا منذ شهرين ثم زيارة الأسد الى الامارات، والكلام الجديد الذي خلصت اليه اجتماعات أبو ظبي بما خص أهمية سوريا العربية والامن القومي الخليجي والعربي. فالسعودية وجدت نفسها معزولة عن السياق الإنفتاحي العربي على الساحات المشتركة مع النفوذ الإيراني في العواصم العربية الأربعة بيروت ـ دمشق ـ بغداد وصنعاء.
وترى المصادر، في هذا السياق، أن السعودية ارتكبت خطأً بإخلاء الساحة في لبنان، ما انعكس على دور الطائفة السنية، فأرادت العودة قبل الانتخابات النيابية للعب دور فيها، لكي لا يذهب قرار السنة في لبنان الى قوى أخرى متحالفة مع ايران وتركيا.
فهل تنسحب المبادرة السعودية على العلاقة التصعيدية بين “المملكة” و”حزب الله”؟
يشير المطلعون على موقف “الضاحية” لموقع “الجريدة” الى أن “الحزب ليس لديه موقفاً عدائياً ضد المملكة، بل تصريحاته جاءت نتيجة التصعيد السعودي ضد الحزب، وردة فعل على اتهامه بالإرهاب”، داعية الى ملاحظة نبرة الحزب تجاه المملكة ولهّجة الأخيرة حيال الحزب لاستشراف المرحلة المقبلة. مشيرة الى اتصالات بين رئيس الحكومة و”حارة حريك” ليست بعيدة عن هذا السياق.
فهل أن العودة الدبلوماسية السعودية الى بيروت ستترافق بدعم مالي سعودي للبنان؟
مصادر مطلعة على الموقف السعودي في لبنان تكشف أن العودة السعودية “ستكون تدريجية ومدروسة ومحسوبة وفق المصالح والترتيبات السعودية، لاسترجاع الساحات التي خسرتها لصالح النفوذ الإيراني ومنها لبنان.. لكن لن تترجم بالدعم المالي، وهذا سابق لأوانه، والحديث عن مساعدات للبنان في الاجتماعات الفرنسية السعودية، ستخصص للشعب اللبناني بشكل مباشر، وليس عبر الدولة ومؤسساتها، فالسعودية لن تمنح الأموال للسياسيين في لبنان الذين تتهمهم باستغلالها وسرقة الأموال”. لذلك توقعت المصادر أن يعود السفير السعودي الى بيروت قبل الانتخابات النيابية ليشرف على ملفين: الانتخابات، وتوزيع المساعدات.
ولفتت المصادر الى أن “الدعم المالي السعودي والخليجي للبنان مرتبط بقرار دولي كبير لإنقاذ لبنان من أزمته، وهذا لن يتم قبل انتهاء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وشرطه إنجاز الانتخابات أولاً والإصلاحات المالية والاقتصادية ثانياً، ضمن خطة اقتصادية مالية شاملة.