رصد التحرّكات على أبواب الانتخابات:  إستقواء.. أم كلمة سواء؟

/ جورج علم /

يرتدي الحدث غلالة قرمزيّة اللون، ويدلف بها الى مجالس كبار العرب، من ملوك، ورؤساء، وأمراء، ويقدّم مطالعة تاريخيّة عن لبنان العربي الذي حفظ اللغة من التتريك، وأثرى القوميّة العربيّة بقيم متناغمة مع سائر أبجديات العالم، وحضاراته، وثقافاته…

ويكتسب الحدث أهميّة، لا لكونه يتصل بعزوف رؤساء حكومة سابقين عن خوض الإستحقاق الإنتخابي، بل لأن العزوف بحدّ ذاته، فعل إرادة يعبّر عن رفض مطلق للمسار الإنتحاري، والإعتراض “الغاندي” النبيل على ما يصيب الصيغة الحضاريّة من تخريب.. وتسيّيب.

ليس العزوف من أدوات خبر كان، ولا مجرّد غمامة صيف عبرت في سماء لبنان. إنه الصوت المدوّي في وجدان الأمة من رأس هرمها حتى القاعدة، والضوء الأحمر الفاقع عند التقاطع العربي “لبنان مسؤولية عربيّة.. ونقطة عالسطر”.

ليس سعد الحريري، وتمام سلام، ونجيب ميقاتي، وفؤاد السنيورة، مجرد أسماء عادية في القائمة السياسيّة المحليّة. إنهم رجال دولة، وممثلي طائفة عربيّة أصيلة مؤسسة  للكيان، ولها موقع حجر الزاوية في البنيان، وشرف المسؤولية في خدمة لبنان. عزوفهم فعل إستنهاض للهمم المتكاسلة، من المحيط حتى الخليج.

ليس التخلي العربي عن لبنان العربي فعل شطارة، في زمن التحولات الكبرى. ربما كان الأمس محكوماً بحسابات دول وكيانات شظّتها جوائح كثيرة، من جائحة “الربيع العربي”، الى جائحة “الإرهاب”، الى جائحة “كورونا”، الى جائحة “التمدد الإسرائيلي من جهة.. والإيراني من جهة أخرى، في الإقليم”… اليوم تغيرت الحسابات. عواصف أوكرانيا لا ترحم، وتهدر بالزمهرير القارس، ما يرغم البشريّة على حسن التدبير، والتبصر بالمستقبل والمصير.

ولبنان ليس “جرماً” خارج “المجرّة” العربيّة. هناك محاولات لسلخه، ومسح ذاكرته، وغسل دماغه، وبتر أصوله، وتشذيب فروعه، بفعل المصطلح “القوي”، من الرئيس “القوي”، الى “الحزب القوي”، الى”التيار القوي” ، الى “الفساد القوي”، الى “النهم القوي” الذي جرّد الوطن من كامل مقوماته، وتركه هيكلا عظميّاً تكاد ان تتفكك أوصاله عند عتبة الإستحقاقات.

هذا الوطن قام على كلمة سواء، وليس على الإستقواء. واختير أن يكون مختبر الحضارات، وحوار الثقافات، لا قاعدة للراجمات، وساحة لتصفية الحسابات، وفرض الولاءات. واعتمدت ديمقراطيّة الإنتخابات فيه لاختيار الأجدر، والأفضل، والأكمل، والأعلم للخدمة العامة، ولأنسنة الإنسان، والرفع به نحو الأسمى، لا لاختيار الفئويات، والعصبيات، والاصطفافات… واستباحة كل المحرمات، والمقدسات، والمضي في هدم النموذج القدوة، لتحقيق ما يطمح اليه فائض القوّة!

في زمن التحولات الكبرى، لا بدّ من رصد ما يجري من تحركات، على أبواب الإنتخابات:

  • زيارة أمين عام جامعة الدول العربيّة أحمد أبو الغيط الى بيروت الإثنين الماضي كانت مفصليّة.
  • جاء لأن شيئا عنده يريد أن يبلغه مباشرة الى المعنيين.
  • … وليؤكد على أن لبنان “ممسوك”، وليس “متروكاً”، وهناك تنسيق وتواصل خليجي ـ عربي ـ أوروبي ـ أممي حول مسار الأزمة، وسبل الإحتواء.
  • … وليذكر بأن هناك مبادرة عربية لا تزال تتفاعل، وتلقى قدراً من الإهتمام والمتابعة لإقتناص الفرص المؤاتية للإخراج.
  • … وليستكشف الأجواء المحيطة بالإنتخابات، والتغيير المتوقع أن تحمله… ومدى قدرته على كسر الأصفاد التي تكبّل إمكانات النهوض.

وتزامناً مع الزيارة، صدرت أصوات لا يمكن التقليل من شأنها، مطالبة الدول العربيّة، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديداً المملكة العربيّة السعودية لمساعدة لبنان، من الرئيس فؤاد السنيورة، الى وليد جنبلاط، الى سمير جعجع، الى محمد شقير، الى فؤاد مخزومي، وغيرهم.. وغيرهم.. يقول البعض بأن هذا الخطاب قد لا يكون بريئاً في هذا التوقيت، لكن غايته تكمن في مضمونه، ومضمونه محاولة إستنهاض الدور العربي من غفوته قبل فوات الأوان.

بالمقابل، لا يمكن التنكر للدور الفرنسي الذي اكتسى عباءة الصمت، وعاد لينشط وراء الأبواب الموصدة، وجديده:

– ان الرئيس إيمانويل ماكرون ـ المنشغل بالانتخابات الرئاسية الشهر المقبل، وبتطورات الأزمة الأوكرانية ـ طلب تقريراً عن آخر ما توصلت اليه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ليقف على المستجدات، والمعوقات التي تؤخر فرص المساعدة. كما طلب من الإتحاد الأوروبي ـ كونه رئيسه الدوري حالياً ـ إعادة جدولة المساعدات المخصصة للبنان، ومدى الصدقيّة، والشفافيّة في تنفيذ الإلتزامات، والتي تدخل في سياق خطة متكاملة الأوصاف، والأهداف، وترمي الى إنقاذ  “الجسر الإستراتيجي الضروري” ما بين الشرق والغرب، وقد أرست فرنسا لها بعضاً من موقع قدم من خلال الاستحواذ على محطة الحاويات في مرفا بيروت، بوابة المتوسط.

– أن وفداً سعوديّاً رفيع المستوى، برئاسة المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، قد زار قصر الاليزيه، وإلتقى المستشار الرئاسي باتريك دوريل، لتعزيز الشراكة الإستراتيجية في الشأن اللبناني، ووضع البلد التائه على سكة الخلاص…