حزمة مساعدات كبرى لأوكرانيا: “الناتو” ماضٍ في استعداء روسيا

جريدة الأخبار

| خضر خروبي |

على وقع تلويح روسيا المتواصل باستهداف بلدان من «حلف شمال الأطلسي»، على خلفية تعرّضها للقصف بأسلحة غربية، من جانب القوات الأوكرانية، وتصاعد المؤشرات إلى تنامي العلاقات العسكرية بين موسكو وبيونغ يانغ، وفي موازاة انطلاق مناورات عسكرية صينية – بيلاروسية على حدود «الجغرافيا الأطلسية» شرقي أوروبا، انعقدت القمة الـ 75 لـ«الناتو» في العاصمة الأميركية، واشنطن.

بايدن: «الناتو» أقوى من أيّ وقت مضى

في مستهلّ القمّة، رأى الرئيس الأميركي، جو بايدن، أن حلف «الناتو» أصبح اليوم «أكثر قوّة من أيّ وقت مضى في تاريخه»، مؤكداً عزم بلاده على تزويد أوكرانيا بنظام دفاع جوي جديد من طراز «باتريوت»، إضافة إلى «مئات صواريخ الدفاع الجوي الإضافية على مدى العام المقبل لحماية المدن الأوكرانية من الصواريخ الروسية».

وبعد نحو أسبوع من الإعلان عن حزمة مساعدات عسكرية أميركية بقيمة 2.3 مليار دولار لأوكرانيا، من ضمنها صواريخ مضادة للدبابات، وأخرى مخصّصة لأغراض الدفاع الجوي، إلى جانب قذائف مدفعية وهاون، ستشحَن بصورة مباشرة من مخازن الجيش الأميركي، فضلاً عن شحنات أخرى من صواريخ «باتريوت» سيتم شحنها من جيوش الدول الحليفة لواشنطن، توعّد بايدن بهزيمة روسيا، موضحاً أن هذه «الهِبة التاريخية» تندرج ضمن جهود الولايات المتحدة وحلفائها لمدّ أوكرانيا بمنظومات دفاع جوي تكتيكية إضافية في الأشهر المقبلة، في إشارة إلى تعهدات سابقة من ألمانيا وهولندا وإيطاليا ورومانيا بتقديم أربع منظومات مماثلة، علماً أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، كان قد أكد، قبيل انطلاق القمّة، حاجة بلاده إلى ما لا يقلّ عن سبع منظومات «باتريوت».

بدوره، حثّ الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، في خطابه أمام القمة، القادة «الأطلسيين» على مواصلة دعم أوكرانيا ضدّ روسيا، ومدّها بحزمة دعم عسكري إضافية بقيمة 100 مليار يورو على مدى الأعوام الخمسة المقبلة، معتبراً أنه «لا توجد خيارات خالية من المخاطر في الحرب» الروسية – الأوكرانية. وحذّر من أن «التكلفة الكبرى والمخاطرة الكبرى ستكون إذا انتصرت روسيا في أوكرانيا»، قبل أن يعقّب قائلاً: «لا يمكننا أن نسمح بحدوث ذلك». وفي ختام خطابه، قدّم بايدن «وسام الحرية الرئاسي»، وهو أعلى وسام مدني في الولايات المتحدة، لستولتنبرغ، لمناسبة انتهاء ولايته أميناً عاماً لحلف «الناتو» (وهو منصب يشغله منذ عام 2014)، متوجهاً إليه بالقول: «لقد أصبح حلف شمال الأطلسي أقوى وأكثر نشاطاً ممّا كان عليه عندما بدأتم».

كما أثنى الرئيس الأميركي، الذي أدى دوراً أساسيّاً في تمديد فترة ولاية ستولتنبرغ بسبب ظروف الحرب في أوكرانيا، على من وصفه بـ«الديبلوماسي الماهر»، و«المنفتح على التعامل مع قادة من مختلف التوجهات السياسية»، مضيفاً أن «مليار شخص في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية، وفي العالم أجمع، سوف يحصدون ثمار عملكم لسنوات قادمة».

بدوره، أطل الرئيس الأوكراني الزائر بـ«حُلّة ديبلوماسية» مغايرة لمواقفه الغاضبة من الحلف، والتي تبنّاها خلال قمة العام الماضي، إذ أبدى امتنانه للمساعدات العسكرية التي تعهّد بها حلفاء بلاده، وبخاصة الولايات المتحدة، التي قال إنها «لا تشيح بنظرها عن حلفائها»، وإن عاد إلى المطالبة بمنح الإذن لجيشه باستخدام صواريخ غربية متوفرة بحوزته للضرب على بعد مئات الكيلومترات داخل العمق الروسي، فضلاً عن شكواه من قلةّ عدد الطائرات من نوع «إف – 16»، والتي تعهّد الغرب بتوفيرها للقوات الجوية الأوكرانية في آجال قريبة، للتصدّي للطائرات الروسية، لافتاً إلى أن احتياجات سلاح الجو تُقدَّر بنحو 128 طائرة، وهو ما يوازي العدد الإجمالي الذي يتوفّر لدى شركاء أوكرانيا من هذا النوع من الطائرات. ووفقاً لبيان مشترك صادر عن الولايات المتحدة وهولندا والدنمارك، فإنه «تجري الآن عملية نقل طائرات «إف – 16»»، حيث ستتمكن أوكرانيا من «تشغيلها هذا الصيف».

وقد استبق زيلينسكي موعد القمة، بكلمة له أمام «معهد رونالد ريغان»، موجّهاً دعوة مبطّنة إلى الجمهوريين، بحضور زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، إلى عدم انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل لحسم قرارهم حول أوكرانيا، ومتجنّباً توجيه انتقادات إلى المرشح الرئاسي الجمهوري، دونالد ترامب. وناشد الرئيس الأوكراني، قادة الحزب الجمهوري استذكار إرث الرئيس ريغان الرافض لفكرة «الانعزالية في مواجهة الأنظمة الاستبدادية»، معرباً عن أمله باستمرار الدعم الأميركي لكييف، حتى في حال انتخاب ترامب.

وبالعودة إلى القمة، بدا لافتاً حضور مسؤولين أميركيين سابقين، من أبرزهم: وزير الدفاع السابق ليون بانيتا، والجنرال المتقاعد كيث كيلوج، الذي شغل منصب كبير موظفي مجلس الأمن القومي خلال عهد ترامب، والذي التقى بالعديد من المسؤولين ووزراء الخارجية الأوروبيين خلال الأيام القليلة الماضية، علماً أنه زعم أنه لا يتحدث باسم الرئيس السابق ولا باسم حملته الانتخابية.

أوروبا تقول كلمتها: نقدّم لكييف أكثر مما تقدّمه واشنطن

ومن جملة المواقف التي تناوب على تلاوتها قادة الاتحاد الأوروبي، النداء الذي وجّهه الممثّل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، لكلّ من واشنطن وبروكسل لرفع مستوى استجابتهما للتحديات في مجال الدفاع، وإعادة بناء القدرات العسكرية لبلدان الحلف. وشدد بوريل على أنه «يتعيّن علينا زيادة قدرتنا الصناعية (في المجال العسكري)، وتخصيص المزيد من الأموال، والموارد التكنولوجية لهذا الغرض»، لافتاً إلى أهمية ما وصفه بـ«صحوة أوروبا» على المستوى العسكري، مستدركاً بأن ذلك لا يعني بالضرورة إعفاء الولايات المتحدة من التزاماتها تجاه «الناتو» على هذا الصعيد.

كما انتقد تباطؤ الكونغرس الأميركي في تمرير مشروع المساعدات العسكرية لأوكرانيا على مدى ستة أشهر، بسبب عناوين سياسية داخلية، لما ترتّب عليه من إضعاف قدرة كييف على الوقوف في وجه موسكو، مشدّداً على أهمية أن «نتغلب على هذا النوع من المناقشات، على جانبَي الأطلسي، وأن نوحّد قوانا من أجل مكافحة التحدّي الذي تمثّله روسيا».

هذا «التحدي»، كان محور حديث القادة الأوروبيين الآخرين، وخاصة قادة دول البلطيق، إذ رأى وزير خارجية إستونيا، مارغوس تساهكنا، أن جدول أعمال قمة «الناتو»، يجب أن ينصب على «مكافحة التهديد الأكثر أهمية للأمن الأورو – أطلسي، والمتمثّل بروسيا»، فيما رأى رئيس الوزراء الهولندي، ديك شوف، أن «الحرب في أوكرانيا تظهر أن حلف شمال الأطلسي لم يفقد أهميته»، وهو موقف مماثل لموقف نظيره البريطاني، كير ستارمر، الذي دعا دول الحلف إلى زيادة إنفاقها الدفاعي، معلناً إطلاق خطة لمراجعة الاستراتيجية الدفاعية للندن، وتعزيز جيشها، على أن تُرفق برفع ميزانية الدفاع لتصل إلى ما نسبته 2.5% من الناتج المحلي للبلاد. ولعلّ الموقف «الفاقع» في حماسته لدعم أوكرانيا، جاء من رئيس لاتفيا، إدجارز رينكيفيتش، الذي أكد أن بلدان الاتحاد الأوروبي قدّمت دعماً مالياً وعسكرياً لكييف، يفوق ما قدّمته الولايات المتحدة لها.

تأكيد على «رسالة الوحدة»

وفي إطار حرص الإدارة الأميركية على تظهير «صلابة» التحالف العسكري الغربي في وجه كل من روسيا والصين، والتمسك بدعم أوكرانيا في موازاة إقرار القمّة إنشاء إطار عسكري أوروبي جديد، مقرّه ألمانيا، لتنسيق برنامج تسليح وتدريب القوات الأوكرانية، ومنح الأذونات والتراخيص لدول أعضاء في «الناتو» لإنتاج صواريخ «ستينغر» الأميركية الصنع، لحساب الجيش الأوكراني بتكلفة تقدّر بنحو 700 مليون دولار، نشر مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، مقالة في صحيفة «نيويورك تايمز»، أشار فيها إلى أن «حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي يرمون بثقلهم (لتعزيز جيوش بلدانهم)»، مؤكداً أن قادة ورؤساء تلك الدول «يدفعون حصتهم العادلة من أعباء الدفاع المشترك بين الدول الأعضاء».

ويتقاطع كلام سوليفان مع تصريحات أدلى بها وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، الأسبوع الماضي، وقال فيها إن «الغرض الرئيسيّ» لقمة واشنطن يتمحور حول تسليط الضوء على قيمة الإنفاق على الدفاع الجماعي لأوروبا، بمقتضى التزاماتها في الحلف، موضحاً أن القمّة ستعزز من ارتباط أوكرانيا بـ«الناتو»، ومسارها نحو نيل العضوية.