/ خلود شحادة /
يجلس الرئيس فؤاد السنيورة على كرسيّه، يشبك يديه ببعضهما سارحاً. معالم الحيرة واضحة على وجهه، ومرحلة ضبابية يعبرها، تطرح في رأسه علامات استفهام.
ليس سهلاً ما تحمله مرحلة الاستحقاق الانتخابي المقبلة، خصوصاً بعد تجميد رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عمله السياسي، مما أطلق صافرة الفراغ السياسي في الساحة السنية.
يحمل السنيورة هاتفه، يقلّب في لائحة الأرقام. يقع الخيار على “اسم لامع” في شمال لبنان، يطرح عليه امكانية دخول المعترك الانتخابي على لائحته فيرفض قائلاً: “ملتزمون بقرار الرئيس سعد الحريري”.
يتلفّت السنيورة يميناً وشمالاً، ليتنهّد بعدها، تنهيدة تحكي عن قلق كبير يراوده، وهو أن تصيبه عدوى الاعتكاف، مرغماً لا بطل.
“أخي سعد، معك رغماً عن قرارك، ومعك رغماً عنهم”. رسالة من كلمات قليلة بعثها السنيورة للحريري عقب اعلانه الاعتكاف، وهو الذي حاول مراراً ثنيه عن قراره من دون جدوى.
صعد الحريري الطائرة، وصعدت مجموعة الـ “20” في “فان” السنيورة لإعادة احياء دورها الذي خفت وهجه. ولكن هذا التحرك قوبل بصمت تام من قبل السنيورة، في انتظار موقف الحريري الحاسم في الرابع عشر من شباط، والذي كانت تتعلق عليه آمال السنّة بأن يشكل عودة مباركة للحريري عن قراره.
غادر الحريري دون أي تصريح بعد قراءة الفاتحة، وغادر معه عهد المضي على نفس الدرب، ليشغّل السنيورة عجلة محركاته في محاولة تشكيل لائحة انتخابية يرث فيها الحضور الأزرق في الشارع السني.
بدأت شبكة اتصالات السنيورة على الصعيد الدولي، طالباً الغطاء العربي ـ الدولي الذي رُفع عن سعد.
أميركا وفرنسا دولياً، مصر والامارات عربياً… دول لم تمانع طرح السنيورة، للدفع في اتجاه عدم مقاطعة السنّة للانتخابات النيابية.
أما السعودية، فجواب الاتصال كان “ان الرقم المطلوب غير متوفر حالياً”.
ارتاح السنيورة للقبول الخارجي. ضحكة متفائلة ارتسمت على وجهه، اتصال مباشر بكل من الرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام، للعمل على تفعيل حركة مشتركة لملء الفراغ السني الانتخابي.
سلام، أكد أن فكرة الترشح للانتخابات النيابية مستبعدة عنده. أما ميقاتي فيحمل بيده أقنعة وخياراتٍ مختلفة. بحسب المعلومات، ما زال ملف الترشح قيد الدرس لدى ميقاتي. وربما من باب “الدلع”، يردد دوماً “أتمنى أن لا أضطر الى الترشح”.
السنيورة يسعى الى خلق تعاون كامل مع ميقاتي في مناطق الثقل السني (صيدا، بيروت، الشمال، والبقاع الغربي).
أكثر ما يشغل بال السنيورة المطبات والحفر التي تعيق طريقه نحو البرلمان.
فالسؤال الذي يؤرق نومه، أين سيترشح؟ صيدا أم بيروت؟ وهو سؤال لم يتمكّن من الاجابة عليه حتى الآن. بين قلبه الذي يشده نحو بيروت، وعقله الذي يضع الوقائع أمامه ويدفعه نحو صيدا، وفي نفس الوقت يعمل جاهداً لفتح أفق باتجاه مناطق التمثيل السني.
بحسب المعلومات، أن المحيطين بالسنيورة زادوا حيرته بسبب أجوبتهم المتناقضة.
بعضهم نصحه بالترشح في صيدا، معتمداً على رصيده الانتخابي هناك، كي لا يقع في فخ المغامرة نظراً لحساسية الاستحقاق ودقته هذه المرة.
أما البعض الآخر، فنصيحتهم كانت المغامرة والترشح في بيروت، نظراً لرمزية العاصمة على صعيد التمثيل السني في ظل غياب الحريري، للامساك بزمام الانتخابات منعاً لـ”تسلّل” حزب الله الى الشارع السني.
لا يقف السنيورة بطموحه الانتخابي هنا، بل انّه يسعى الى عقد تفاهم مع القوات اللبنانية لضمان أعلى نسبة تمثيل في الضنية وعكار تحديداً.
تشير المعلومات، الى أن ميقاتي يجري حركة اتصالات نشطة في الشمال مع عدد من القياديين السابقين والحاليين في تيار المستقبل، لصياغة لائحة لم يكشف الميقاتي بعد ان كان من ضمنها هو كمرشح أم لا.
وتكشف المعلومات أن الاتصالات قطعت شوطاً كبيراً، في حين أن السنيورة وميقاتي تلقيا أجوبة متباينة، لكن الطاغي هو رفض معظم قيادات المستقبل مساندة السنيورة في معركته، مع موقف سلبي تجاهه، باستثناء “الحردانين” من تيار المستقبل في الأساس، الذين وافقوا على خلق قنوات تواصل مع جعجع وميقاتي والسنيورة.
مع اقتراب موعد الانتخابات، جدار يعيق طريق السنيورة، يرتفع أكثر فأكثر مع ترددات موقف الرئيس سعد الحريري الذي ينقله مقربون منه “هل سيرثني وأنا حي؟”.
موقف ترجمه علناً أحمد الحريري في رده على موقف السنيورة، وهو ما انعكس على صعيد الجمهور الأزرق وقيادته، وهذا ما دفع السنيورة الى اعادة قراءة الواقع الانتخابي قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن الانتخابات.
الفترة الفاصلة عن اقفال باب الترشيحات في 15 آذار، ستشكل فرصة للسنيورة لدراسة الوضع الانتخابي والتمعن بالنتائج المتوقعة، وحسم خياره الشخصي إماّ الترشح وإمّا لا، وفي أي دائرة سيكون ترشحه.
الأمر نفسه ينسحب على ميقاتي، مما يجعلهما في الخندق ذاته، في عملية استشراف ظروف المعركة الانتخابية وامكانية تشكيل لوائح ترث تيار المستقبل سياسياً.