/محمد حمية/
يبدو أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي باتت بحكم المتعثّرة والمجمدة حتى إشعار آخر، في ظلّ تأخر الحكومة اللبنان في تقديم خطة إصلاحية للتعافي والنهوض الاقتصادي، تكون واضحة وشفافة، تتضمن الإصلاحات اللازمة، مقابل امتعاض إدارة الصندوق من تخلف المسؤولين اللبنانيين عن إنجاز ما يتوجب على لبنان من شروط عبارة عن إصلاحات مالية واقتصادية واجتماعية ونقدية ومصرفية، ما دفع بإدارة الصندوق قبل أيام لدق “ناقوس الخطر” وتوجيه الإنذار الأخير للمسؤولين. وكشفت وكالة “رويترز” قبل أيام معلومات أن لبنان لم يلتزم بالشروط التي تعهد بها للبدء بالمفاوضات، ما سيُعيق اطلاق المفاوضات ووصولها الى خواتيم سعيدة.
زيارة وفد صندوق النقد الى لبنان وجولته على المرجعيات اللبنانية ليست بعيداً عن هذا الجو.
ما هي الأسباب التي تُعيق انطلاقة المفاوضات جدياً؟ ولماذا رفض “الصندوق” خطة الحكومة الحالية؟ ولماذا تتهرب الحكومة من تنفيذ الشروط التي يطلبها الصندوق؟ وما طبيعة هذه الشروط؟ وماذا لو فشلت المفاوضات؟ ما هي البدائل لإنقاذ لبنان، في ظل ضيق الهوامش التي يتحرك بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للجم سعر صرف الدولار على الـ20 ألف ليرة، عبر ضخ دولارات، تقول مصادر مالية لموقع “الجريدة” إن هذه الدولارات تُصرف من “حقوق السحب الخاصة” التي استحصل عليها لبنان السنة الماضية من “صندوق النقد الدولي” والتي بلغت مليار و139 مليونا و437 ألف دولار. علمًا أن أقصى ما يُمكن أن يقدمه “صندوق النقد الدولي” كمساعدة للبنان في أزمته المالية هو مبلغ يتراوح بين 4 إلى خمس مليار دولار على شكل قروض على عشر سنوات.
ويعدد مصدر مطلع الخطوط العريضة التي طلبها الصندوق من لبنان ووافقت عليها الحكومة الماضية:
- سياسة نقدية نظيفة تشمل إعادة هيكلة القطاع المصرفي.. إذ أن عمليات تمويل الصندوق للمؤسسات المفلسة ستتم عبر المصارف، ولن يفعل ذلك من دون إعادة هيكلة المصارف وتصفية ديونها المتعددة. فالمجتمع الدولي يمنح المساعدات لكي تصل الى المؤسسات والشعب، وليس الى المساهمين بالانهيار وافلاس لبنان.
- نظام نقدي ونظام صرف موثوق به. طالما أن الطبقة السياسية الحالية قائمة، فلن تنجح معادلة حاكم المركزي والطبقة السياسية بتثبيت سعر الصرف بانتظار الحصول على أموال من صندوق النقد الدولي. إذا أن تثبيت سعر الصرف على 20 ألف لن يأتي بالنتائج المرجوة في ظل عدم وجود كميات كافية من الليرة اللبنانية في السوق، بعد تعاميم المركزي بتجفيف الليرة من السوق وتقييد السحوبات المصرفية بالليرة، وبالتالي تثبيت الدولار يفقد مضمونه في هذه الآلية المتبعة.
- إعادة هيكلة الدين العام، إذ ترفض المصارف تخفيض قيمة السندات للحفاظ على أرباحها.
- إصلاح المؤسسات الحيوية، كالكهرباء، لا سيما تشكيل الهيئة الناظمة. فحتى الآن لم تتضمن خطة الكهرباء التي تناقشها الحكومة الإصلاحات المطلوبة لسد العجز في مؤسسة كهرباء لبنان، وبالتالي العجز التي تمثله في الخزينة العامة والموازنة.
ويرفض صندوق النقد، بحسب المصادر، أن تأتي الإصلاحات على حساب الشعب، وتؤدي للمزيد من قضم أموال المواطنين والمودعين، بل يريد أن تصيب المصارف والطبقة التي تلوثت بالفساد، ولذلك تتهرب الحكومة الحالية من الإصلاحات بالتعاون مع مصرف لبنان، لحماية منظومة المصالح السياسية والمالية للنظام القائم.
وتخلص المصادر الى أن الطبقة السياسية لن تسمح بالإصلاح، وكل ما تفعله من تسويف ومماطلة وافتعال خلافات وخداع لكي تتهرب من الإصلاحات الحقيقية، وللاطاحة بالبرنامج الإصلاحي الذي يطلبه الصندوق، فهي تعلن تمسكها بالمفاوضات مع الصندوق لكنها تعمل في السر على تطيير المفاوضات.
وتستغرب المصادر الخلاف الدائر على الخسائر المالية، مشيرة الى أن الخسائر هي أرقام لا تقبل التأويل وتعدد الآراء. وتشكك بحجم الخسائر الـ69 مليار وترجح بلوغها 80 مليار دولار.
ويدور الخلاف على من يتحمل القسم الأكبر من هذه الخسائر، إذ تسعى الحكومة الى تحميل الطبقات الشعبية الفقيرة والمودعين القسم الأكبر والتهرب من تحميل المصارف وكبار السياسيين والرأسماليين الذين استفادوا من الديون والقروض وأعمال الفساد، النسبة التي يجب أن يتحملوها. فخطة الحكومة الحالية تحمل المودعين 50 في المئة من الخسائر والمصارف 20 % والدولة 30 %.
وتكشف أوساط متابعة لزيارة وفد صندوق النقد لموقع “الجريدة”، أن هدف زيارة الوفد هو إجراء جولة استطلاع عن كثب عن حصيلة النقاشات والعراقيل، والضغط على المعنيين وإبلاغهم استياء إدارة الصندوق من أداء الحكومة وتوجيه الإنذار الأخير.
وكشفت أن المفاوضات مع صندوق النقد لم تبدأ بشكل فعلي، وكل ما يدور لا يعدو كونه “طق حنك”، ولايزال في طور النقاشات، ولم يتم الدخول الى أي تفصيل. فالخلاف لا يزال يدور على الخطة التي وضعتها حكومة الرئيس حساب دياب ووافق عليها الصندوق، وبعدها تهربت الطبقة السياسية، بالتعاون مع المصارف ومصرف لبنان من تنفيذ الخطة الماضية، فيما تعمل حكومة نجيب ميقاتي للالتفاف على الخطة الماضية وتقديم خطة جديدة رفضها الصندوق، لذلك تعمل حكومة ميقاتي إلى كسب الوقت للوصول الى الانتخابات النيابية وتأجيل المفاوضات الى الحكومة الجديدة.
وتعتمد خطة ميقاتي، بحسب الأوساط، على تضخيم الديون أي تحويلها من الدولار الى الليرة بقيمة 659 الف مليار ليرة بأسعار صرف منخفضة جداً.
والنقطة التي أثارت اعتراض وفد الصندوق، بحسب المعلومات، هو مشروع الموازنة الذي لا علاقة له بخطة التعافي. وفي حال لم يتم الاتفاق على موازنة تتضمن تخفيضاً للدين من 188 في المئة الى 100 في المئة على مدى 4 سنوات، فلن يحصل لبنان على أي مساعدات مالية.
وتستبعد أوساط سياسية عبر “الجريدة” بدء المفاوضات الجدية قبل الانتخابات النيابية، علماً أن صندوق النقد ليس جمعية خيرية، فهو يُقرض الدول المتعثرة مقابل فوائد على أن يسترد ديونه في وقت لاحق، لكنه يريد ضمانات لاستردادها من خلال إصلاحات وخطة واضحة تثبت إمكانية تحقيق النهوض بعد مدة زمنية محددة. عدا الشروط السياسية التي تحاول دول غربية ربطها بأموال الصندوق و”سيدر”!
والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو طالت المفاوضات والدعم المالي الخارجي؟ من أين سيحصل لبنان على الأموال للإنقاذ الاقتصادي؟ وهل يشكل ذلك حافزاً ودافعاً للبنان للبحث عن مصادر أخرى داخلية ـ وخارجية للدعم قبل فوات الأوان؟