/ خلود شحادة /
تموضعت القوى السياسية، على اختلافها، في الزوايا “الأربح” انتخابياً، وبدأت بتقديم أوراق اعتمادها لمناصريها من ناحية، وللجهات الدولية على اختلافها من ناحية أخرى.
هذه التموضعات بدأت أولاً مع ما كان يعرف بـ “قوى 14 آذار”، ومن أهم بنود حملتهم الانتخابية “نزع سلاح حزب الله”، ومهاجمة عهد الرئيس ميشال عون وتحميله وزر الانهيار، بالإضافة الى الاستثمار في نقمة الشعب التي عبّرت عن نفسها في 17 تشرين الأول عام 2019 وما زالت حتى اليوم.
خلاف اديولوجي
ولكن ما يظهر في “فلتات” الخطابات، أن “نقمة” الأحزاب المسيحية، كـ”الكتائب” و”القوات”، على العهد والتيار، مردّها، ليس الانهيار الذي حصل خلال تولي عون الرئاسة، بل كرهاً بحليفه “حزب الله”، والذي كان له الفضل الأول بوصوله الى الكرسي الرئاسي، وما نتج عن اتفاق مار مخايل من تعاون وتنسيق بين “حزب الله” و”التيار”.
استغل كل من “الكتائب” و”القوات” هذه العلاقة المتأزمة مؤخراً، لشد عصب الشارع المسيحي، عبر ردّ أسباب الانهيار الى النقمة الدولية على لبنان بسبب سلاح المقاومة، وموقف لبنان من القضايا الإقليمية (سوريا، اليمن..)، ودخوله في “المحور الإيراني”، بحسب تصنيفهم.
لم يكن جديداً الهجوم الشرس على الحزب من قبل هذين الحزبين، فالخصومة بينهما وبين “حزب الله” يمكن وصفها بأنها “طبيعية” و”منطقية”، من الايديولوجيا الى الأهداف، وتحديداً تلك المتعلقة بالصراع مع العدو الاسرائيلي، وهي الأسباب عينها التي لا تسمح بعلاقة طيبة معهما من قبل الرئيس نبيه بري، كتلك التي تجمعه بوليد جبنلاط مثلاً، شريك “انتفاضة 6 شباط”، ليتمكن من تقريب وجهات النظر وتخفيف حدة الانقسامات.
خرق الهدنة
وبعد هدنة غير معلنة، كان قد التزم بها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، تجاه “حزب الله”، بجهود من بري، أطلق جنبلاط تصريحات “نارية” ضد “حزب الله” عقب ارسال المقاومة طائرة مسيرة الى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
سخر جنبلاط في تغريدته من فكرة ارسال المسيرات الى الأراضي المحتلة: “اقترح توظيف اموال المودعين في قطاع الطائرات المسيرة المصنوعة محليًا او الصواريخ او المتفجرات ففيها مردود افضل”.
علامات الاستفهام التي تطرح حول هذه التغريدة، سببها أن جنبلاط، وإن كان يخلتف مع “حزب الله” في أغلب قراراته واتجاهاته، الا أن نقطة الالتقاء الدائمة كانت دوماً موقفه من العداء مع “اسرائيل”.
هذا العداء الذي تجلّى جيداً في انتفاضة السادس من شباط، التي أسقطت مفاعيل اتفاق 17 مع العدو الاسرائيلي.
وبعد حرب تموز، تحفظ الذاكرة السياسية جيداً قول جنبلاط، عندما أقرّ بقوة “حزب الله”، وبامكانية تحقيقه النصر، وفي خضم تلك الحرب سأل جنبلاط: لمن سيهدي السيد حسن نصر الله نصر تموز؟
تتعدد المواقف التي أظهر فيها جنبلاط وقوفه الى جانب المقاومة ضد العدو الاسرائيلي، ومنها بعد ما حصل آب الماضي من تبادل إطلاق نار بين المقاومة وقوات الاحتلال، وردة فعل بعض الحزبيين في شويا: “…نتمنى ان نخرج جميعا من هذا الجو الموتور على التواصل الاجتماعي، وان نحكم العقل ونعتمد الموضعية في التخاطب بعيدا عن التشنج”.
كما ذكر جنبلاط مراراً، بالتاريخ النضالي للحزب الاشتراكي، وأنه من أوائل من واجهوا العدو الاسرائيلي.
لحظة تخلّي؟
لماذا الآن، وعشيّة الانتخابات، انتقل جنبلاط الى محور آخر؟ وهل كان مضطراً إلى السخرية من عمل مقاوم، ليظهر انه رد مباشر على حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله؟!
تصريح عالي السقف، ربما يرتبط بحسابات جنبلاط قبل الانتخابات، ويقدم صك “الرضى” لدى المجتمع الدولي، لما له من مصالح وارتباطات خارجية، تتجلى اهميتها في الاستحقاق الانتخابي المقبل.
وتشير المصادر، الى ان جنبلاط و”حزب الله”، اللذين حافظاً مراراً على “شعرة معاوية” في أوج الخلافات، يمران بشبه انقطاع تام في العلاقات، حتى على صعيد الوسطاء، وهذا من الحالات النادرة.
ويبدو هذا الخلاف هو الأصعب منذ ما بعد 2006، خاصة أن هجوم جنبلاط على الحزب من جهة “العمل المقاوم” وليس العمل “السياسي”، يحرج الرئيس بري في أي محاولة لتصحيح مسار العلاقة. فالرئيس بري، الحريص على أفضل علاقة بين حلفائه، لديه خطوط حمراء لا يساوم عليها ولا يتجاوزها، أولها وأساسها “دعم المقاومة”، التي هو جزء منها، كما ان “حق الدفاع عن الأرض” بوجه العدو يعتبره بري حقاً مقدساً خارج أي جدل وشرح.
هي “لحظة تخلي”، قال فيها جنبلاط ما يصنّفه خارج الاطار الذي وضع نفسه فيه منذ سنوات، فبدا وكأنه يملك كلمة سر ما، بتغييرات مقبلة على البلد، تشبه تلك التي سبقت 7 أيار 2008، أو كأنه عشية صياغة اصطفافات سياسية جديدة، تقوم على مواجهة بين المحاور، وقد اختار جنبلاط المحور الذي شارك في تأسيسه العام 2005.
هل هي نقطة على السطر في تغريدة جنبلاط؟ أم أنّ ما يملكه من معطيات تجعل تغريدته إشارة انطلاق لمواجهة سياسية داخلية تعكس، أو تعبّر، عن المواجهة خارج الحدود اللبنانية؟