/ محمد حمية /
شهد ملف الملاحقة القضائية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة اليوم خطوة نوعية ودراماتيكية، إذ انتقلت الملاحقة القضائية والإعلامية لسلامة على مدى العام الماضي الى ملاحقة أمنية، حيث داهمت قوة من أمن الدولة منزله الأول في الرابية والثاني في الصفرا ومكتبه في مصرف لبنان، لكنها لم تعثر عليه، فأفادت النيابة العامة التي أصرت على ملاحقته حتى إحضاره.
تحرك أمن الدولة أتى على خلفية تخلف سلامة عن حضور جلسة استجوابه المقررة اليوم في قصر عدل بعبدا، ويُبرر “الحاكم” ذلك بأنه سبق وتقدم بدعوى رد أمام محكمة الاستئناف ضد المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون.
ووفق المعلومات المتوافرة، فعند وصول قوة من أمن الدولة الى الرابية تفاجأت بوجود قوة من قوى الأمن الداخلي مكلفة بحماية سلامة ومقرات سكنه، ما دفع بقوة أمن الدولة للانسحاب منعًا للاصطدام مع قوى الامن الداخلي التي نفت ذلك في بيان لها، ما يعكس الخلاف بين الأجهزة الأمنية رغم نفي وزير الداخلية بسام المولوي، وبالتالي يعكس أيضًا الخلاف السياسي في هذا الملف.
لكن القاضية عون أعادت الكرة الى ملعب القوى الأمنية، وأكدت أنها مستمرة في ملاحقة حاكم مصرف لبنان حتى إحضاره إلى قوس العدالة. وبحسب معلومات “الجريدة” فقد أرسلت عون كتاباً الى أمن الدولة لتنفيذ مذكرة الإحضار مجدداً، كما وجهت كتابًا للمديرية العامة لقوى الامن الداخلي للاستفسار عن وجود قرار من المديرية بتوفير الحماية لسلامة ما يستوجب المساءلة القانونية.
لكن السؤال: هل المداهمة الأمنية لمنزلي سلامة مجرد مسرحية و”تخريجة” قضائية ـ أمنية للإيحاء بأن أمن الدولة أدى واجبه وحاول تنفيذ مذكرة الاحضار القضائية مع إبقاء سيف القضاء مسلطًا على “عنق الحاكم”؟ أم هو ترجمة عملية وجدية لتهديدات رئيس الجمهورية ميشال عون الذي توعد سلامة بمفاعيل قانونية وسياسية لعدم تلقفه الفرصة الأخيرة والمهلة الزمنية التي حددها عون له لتسليم “داتا” المعلومات والمستندات إلى الشركات المكلفة بالتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان.
هذه الصورة الأمنية التي لفت “منازل” حاكم مصرف لبنان وتعذر احضاره، تطرح السؤال التالي: هل رُفِع “الغطاء” عن سلامة.. أم أنه لا يزال يتمتع بمظلة الحماية السياسية الداخلية والخارجية؟
مصادر مطلعة على الملف تشير لـ”الجريدة” الى أن الفرنسيين، ومنذ مدة طويلة، يضغطون باتجاه إقالة سلامة بهدف تعيين آخر مكانه يدين لهم بالولاء الكامل، وتردد اسم سمير عساف في اطار التوجه الفرنسي الجديد الذي برز بعد انفجار مرفأ بيروت، لإحكام السيطرة على بعض المؤسسات والمرافق الحيوية في لبنان، كمرفأ بيروت وقطاعات الكهرباء والاتصالات والنفط ومصرف لبنان، في ظل الحديث عن إعادة هيكلة المصارف والبنك المركزي، في سياق خطة التعافي المالي.
إلا أن الموقف الفرنسي، بحسب المصادر، يصطدم بـ”الفيتو” الأميركي على سلامة الذي يُعتبر “الرجل الأميركي” الأول في مصرف لبنان وفي الإدارة المالية والنقدية للدولة. وتذكّر المصادر بالضغط والإصرار الأميركي الكبيرين على رئيس الحكومة السابق حسان دياب للتجديد لمحمد بعاصيري في منصب النائب الأول للحاكم، والتي لم يرضخ لها دياب، فكيف يقبلون بإقالة الحاكم نفسه؟
وتشير المصادر الى أن سلامة، بالنسبة للأميركيين، هو أحد أهم الأدوات الرئيسية لتنفيذ سياسة العقوبات والحصار المالي والاقتصادي والنقدي المفروض على لبنان، وكذلك يمكنهم عبره السيطرة على النظام المصرفي، والتحكم بحركة الأموال والحسابات والتحويلات، وكذلك الرصد والرقابة على الأموال المحولة من الخارج الى لبنان، والتي يقول الأميركيون إنها تصل إلى حزب الله!
تتقاطع التغطية والمصلحة الأميركية تحديداً، مع التغطية الداخلية التي لا يزال يلوذ بها سلامة.. فحتى الساعة يتمتع سلامة بمظلة حماية سياسية من قوى سياسية عدة. فتيار المستقبل سارع إلى التحذير من أن “ما حصل اليوم خطوة في مسار الانهيار، وليس خطوة في أوهام الحل ومكافحة الفساد”.
في المقابل تنقل بعض الأوساط عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تهديده بالاستقالة في حال توقيف سلامة أو إقالته، وأنه طلب من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات عدم اتخاذ أي قرار قضائي بهذا الاطار.
أوساط مطلعة على موقف ميقاتي تلخّص لـ”الجريدة” موقفه بالتالي:
- ميقاتي لا يدافع عن أشخاص، بل الهدف الحفاظ على المؤسسات.
- ليس ميقاتي الذي جدد لسلامة في منصب الحاكمية.
- رئيس الحكومة لا يتدخل بعمل القضاء وتفاصيل الملف، من منطلق فصل السلطات، ويفضل أن يأخذ القضاء مجراه، وعندما تثبت إدانة الحاكم لكل حادث حديث.
- لا اجماع سياسياً على ملف حاكم مصرف لبنان، لا إقالة ولا اسماً بديلاً.
وانطلاقاً من هذه الاعتبارات، يفضل ميقاتي، بحسب اوساطه، أن يستمر سلامة في منصبه وعمله في ظل الظروف الاقتصادية والمالية والنقدية الخطيرة التي تمر بها البلاد.
أما مصادر مطلعة على أجواء عين التينة، فتكرر، عبر “الجريدة”، ما سبق وقاله رئيس مجلس النواب نبيه بري بأننا بحاجة الى الجميع لإنقاذ البلد، ولا يفضل اتخاذ خطوات تزيد الأوضاع سوءاً وتأزماً.
أما بعبدا، فتشير أجواء مقربة منها، لـ”الجريدة”، الى أن “الهدف ليس توقيف سلامة وسجنه، بل الضغط عليه للمثول أمام التحقيق واحترام القضاء، وحضور جلسة الاستجواب، وتقديم كافة المعلومات والمعطيات التي تطلبها الشركات المولجة عملية التدقيق الجنائي، وكشف جميع الحقائق عن ما حصل في مالية الدولة ومصرف لبنان والمصارف، من تحويل وسرقات وفساد”.
يبدو من المؤشرات والمعطيات الحالية، أن سلامة لايزال يتمتع بالغطاء السياسي الداخلي والدعم الأميركي – الخليجي، ما سيحول دون توقيفه واستجوابه ومحاكمته في المدى المنظور، لكن “الحاكم” سيبقى مطوّقاً بين سيف القضاء وقوس العدالة، حتى تأتي لحظة التسوية السياسية التي تؤمن له خروجاً آمناً من منصب الحاكمية الذي شغله لمدة 30 عاماً.














