هذه هي قصة الموازنة والتعيينات.. والخلاف؟

/محمد حمية/

بعكس المناخ التوافقي الذي ترافق ومسلسل جلسات مناقشة مشروع موازنة العام 2022 في السرايا الحكومي، لم تمُر جلسة مجلس الوزراء، التي عقدت الخميس في بعبدا، بوئام وسلام، بل انتهت على “زغل” بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي من جهة، ووزراء ثنائي أمل وحزب الله وآخرين من جهة ثانية، وذلك بعدما تم تمرير إقرار مشروع الموازنة من دون مراعاة الآليات الدستورية، أي التصويت عليها بأكثرية ثلثي مجلس الوزراء وفق ما تنص عليه المادة 65 من الدستور، وفق ما تشير أوساط “الثنائي” لموقع “الجريدة”.

ولفتت المصادر إلى أن رئيس الجمهورية لم يكتفِ بذلك، بل طرح بند التعيينات من خارج جدول الأعمال، مستغلاً مشاركتنا في الجلسة لتأمين ميثاقيتها.

هذا الأمر أثار حفيظة واستياء عدد كبير من الوزراء، وتحديداً وزراء أمل والحزب الذين تفاجأوا بإعلان عون وميقاتي إقرار الموازنة والتعيينات بعد رفع الجلسة، بينما كانوا يهمون بمغادرة باحة قاعة مجلس الوزراء في بعبدا.

وحملت جلسة بعبدا جملة تساؤلات: هل هُرِبت الموازنة على “عجل”، كما عبّر وزراء “الثنائي”، أم هناك تواطؤ أو تسوية حصلت لتمريرها، مع تحفظ شكلي من “الثنائي” لدفع الإحراج الشعبي عنهما؟ وما هي ردود الأفعال والمآخذ التي تسجلها الأطراف على الموازنة؟ وهل يمكن إقرار هكذا موازنة “غير شعبية” قبيل الانتخابات النيابية؟

وإذا كان إخراج الموازنة تمّ بموافقة مختلف الأطراف الحكومية، بحسب ما أكد أكثر من مصدر وزاري، فماذا عن التعيينات التي مررت على “غفلة”، بشكل يخالف شرط “الثنائي” بعدم بحث أي بند خارج اطار الموازنة والقضايا الحياتية وخطة التعافي المالي، للعودة الى حضور جلسات مجلس الوزراء؟

مصادر وزارية كشفت، لموقع “الجريدة”، بأنه لم يعترض أي من الوزراء على تمرير الموازنة، بل جاء الاعتراض من قبل وزراء “الثنائي” بشأن التعيينات.. فقال وزير الثقافة محمد المرتضى لرئيس الجمهورية: إن بند التعيينات لم يُدرج  على جدول أعمال الجلسة، فأجابه عون بأن هناك هامشًا للرئاسة بتحديد جدول الأعمال.. ثم وقف رئيس الجمهورية وأعلن رفع الجلسة، فخرج الوزراء مستاؤون.

لكن أوساط مراقبة تساءلت: لماذا لم ينسحب وزراء “الثنائي” من الجلسة اعتراضًا على تمرير الموازنة والتعيينات والإخلال باتفاق عودتهم الى الحكومة؟ أجابت المصادر الوزارية بأن إقرار الموازنة حصل بعد انتهاء الجلسة وبعد مغادرة الوزراء، أما التعيينات فاعترضوا عليها لكن عون لم يتجاوب معهم.

في المقابل ثمة من يقول بأن وزراء أمل كانوا على علمٍ بإقرار الموازنة في جلسة الاثنين، التي أُعلن عنها في وقت سابق، على أنها ستكون الجلسة الأخيرة لمناقشة الموازنة وإقرارها، ولذلك مرروا هذه البنود مع تسجيل اعتراضهم بشكل لا يؤدي الى العودة لمقاطعة الجلسات، حرصًا على استمرارية عمل الحكومة في ظل الظروف الصعبة في البلد.

مصادر مطلعة على مجريات الجلسة روت لـ”الجريدة” حقيقة ما حصل، مشيرة إلى أن “الوزراء ناقشوا موازنات الوزارات، وعرض كل وزير أرقام موازنة وزارته، وطلب بعض الوزراء، ومنهم وزراء الثنائي الشيعي، اعتمادات إضافية وأخذوها، وبعدما أجريت التعديلات الكاملة ودونها مدير عام وزارة المالية، عرض عون المشروع على التصويت فلم يعترض أي من الوزراء، ثم انتقل عون إلى بند التعيينات”.

وأكدت المصادر بأن “الموازنة أٌقرِت وفق الأصول الدستورية.. أما التعيينات فطرحها عون من خارج جدول الاعمال، وهذا حق دستوري له وضمن صلاحياته، لسد النقص في بعض المؤسسات العامة والمجلس العسكري والأمانة العامة للمجلس الأعلى للدفاع، وذلك بعدما أشار ميقاتي خلال الجلسة إلى أن مجلس الإنماء والاعمار معطل بسبب عدم وجود مفوض للحكومة فيه، وكذلك الامر بالنسبة للمجلس العسكري والمجلس الأعلى للدفاع بعد تقاعد اللواء محمود الأسمر، فطلب وزير الدفاع عرض البند، فسأل عون ميقاتي ووزير الدفاع من ترشحون، فطرحت الأسماء وتم التوافق عليها بين عون وميقاتي”.

وعن مخالفة إقرار التعيينات التفاهم مع “الثنائي”، ذكرت المصادر بأن بيان “الثنائي” آنذاك تضمن “كل ما يتصل بالملفات الملحة”، وتسيير المرافق العامة تدخل في هذا الاطار، مذكرة بموافقة “الثنائي” على تعيين هيئة مكافحة الفساد قبيل مناقشة الموازنة في الجلسة الأولى في بعبدا، وهذه التعيينات جزء من الإصلاحات المطلوبة.

أما عن عدم تعيين نائب للمدير العام لأمن الدولة أوضحت المصادر بأن لا تفاهم على اسم محدد.

وفيما تردد في الكواليس بأن “الثنائي”، وتحديدًا حزب الله مرّرَ التعيينات لاسترضاء عون بعد “صفعة” إسقاط سلفة الكهرباء في جلسة مجلس الوزراء ما قبل الأخيرة، من المتوقع أن تنعكس أجواء جلسة بعبدا المتوترة سلباً على العلاقة بين بعبدا والسراي الحكومي من جهة، وعين التينة من جهة ثانية، علماً أنه وبحسب المعلومات، فقد أجرى ميقاتي اتصالاً هاتفيًا ببري شارحاً له حقيقة ما حصل. لكن ذلك لن يمحو التداعيات، بحسب أوساط “الثنائي” التي أكدت لـ”الجريدة” بأن وزير المال لن يوقع التعيينات الأخيرة، متوعدة بأننا ننتظر الموازنة على “كوع المجلس”، وسط ترجيحات بأن المجلس لن يقر الموازنة، بل ستؤجل الى ما بعد الانتخابات.