| فؤاد بزي |
في لبنان يتحوّل المؤقت إلى دائم حتى لو كان على مستوى مؤسّسات ولجان تدير أهم المرافق العامة مثل المطار والمرفأ. أما السلطة السياسية، فهي تحصر عملها باستخدام المال العام لخدمة المصالح الخاصة. الأمران ينطبقان على إدارة مطار بيروت التي جرى تلزيمها إلى شركة الشرق الأوسط لخدمات المطارات «MEAS» منذ 26 عاماً بالتراضي مقابل 20 مليون دولار سنوياً. انتهى عقد الشركة منذ 14 عاماً، لكنها تواصل عملها في مطار بيروت بالتمديد. هكذا يصبح المؤقت دائماً.
تبلغ كلفة إدارة وصيانة وتشغيل منشآت مطار بيروت، نحو 20 مليون دولار، تدفعها الحكومة بالدولارات الطازجة من الخزينة لشركة الشرق الأوسط لخدمة المطارات «MEAS». حصول هذه الشركة على «ميزة» التقاضي بالدولارات الطازجة مبنية على عقد عمره 26 سنة بالتراضي، إلا أنه في السنوات الـ14 الأخيرة أصبح التراضي بالتمديد. ففي عام 1998 وقّع مجلس الإنماء والإعمار عقداً مع شركة «MEAS» لإدارة وصيانة وتشغيل منشآت مطار بيروت. في ذلك العقد كان المجلس يمثّل الحكومة اللبنانية، بينما كانت هذه الشركة المملوكة بنسبة 99% من طيران الشرق الشرق الأوسط «MEA»، لا زالت خارجة من عملية إعادة هيكلة واسعة بموجبها تملّك مصرف لبنان غالبية أسهمها وصرف أكثر من 2000 موظف منها بعدما تبيّن أنها تعاني من خسائر بلغت 87 مليون دولار. وضمن التركيبة، تحوّلت «ميدل إيست» إلى صندوق للسلطة السياسية يفترض تمويله بشكل متواصل ودائم وإحدى طرق التمويل هي عبر منح عقد بالتراضي لشركة «ميز». واستمرّ عقد هذه الشركة لمدة طويلة عبر تكليف مجلس الإنماء والإعمار به لا وزارة الأشغال والنقل.وفي إحدى جلسات الاستجواب التي يقوم بها ديوان المحاسبة في هذا الموضوع، سأل أحد القضاة: ما دخل مجلس الإنماء والإعمار بإدارة المطار، وأين دور وزارة الأشغال والنقل؟ الإجابة التي تلقاها الديوان متكرّرة، إذ تشير مصادر مطلعة، إلى أن «المجلس يواصل تحمل مسؤولية إدارة المطار، عبر العقد مع شركة الشرق الأوسط لخدمة المطارات، طالما وزارة الأشغال لم تتقدّم بمناقصة عمومية عالمية لتلزيم أعمال الصيانة والتشغيل والإدارة في المطار».
وآخر تكليفات مجلس الوزراء لوزارة الأشغال والنقل بإجراء مناقصة عمومية لتشغيل المطار كان عام 2022. يومها أكّد المجلس في متن قراره رقم 37 على ضرورة تسوية الوضع القانوني للشركة التي انتهى عقدها عام 2010، إلا أنّه عاد وطلب منها الاستمرار في العمل لحين إجراء المناقصة. غير أن وزير الأشغال والنقل علي حمية قال لـ«الأخبار»، إنّ سبب عدم التحضير لإجراء مناقصة هو «عدم وجود اعتمادات لإعداد دفتر شروط واستقطاب شركات عالمية». ورغم أن مجلس الوزراء أكّد حصرية الأشغال في كلّ ما يتعلق بالأعمال العائدة إلى المطار، إلا أن حمية يشير إلى أن «العقد مع الشركة مبرم من قبل مجلس الإنماء والإعمار، لا وزارة الأشغال التي يقتصر دورها على ضخّ الأموال للمجلس لتسيير أعمال المطار. وللتمويل بالدولار الفريش، تستخدم الوزارة الآن دولارات من الحساب التفصيلي في مديرية الخزينة في وزارة المالية»، وهو الحساب الخاص بالمديرية العامة للطيران المدني حيث تجمع 20% من رسوم الخروج عن المسافرين.
هكذا، تحت شعار تأمين استمرارية عمل المرفق العام، وبسبب غياب أي مؤشّر لمناقصة جديدة، تجهد الحكومة لتأمين مبلغ 20.58 مليون دولار «فريش» لتسديد كلفة عقد بالتراضي والتمديد. والمبلغ المرصود يغطي فقط تكاليف تشغيل وصيانة المطار، وبالتالي فإن أي أعمال صيانة خارج محيط المطار تصرف لها اعتمادات إضافية، حتى لو كانت متعلقة بالمطار، مثل صيانة الأنفاق وقنوات الصرف المحيطة بالمطار والتي تمّ تكليف شركة الشرق الأوسط لخدمة المطارات «MEAS» بها.
أُهدرت مبالغ ضخمة على مدى العقدين والنصف عقد الأخيرة على تشغيل وصيانة المطار، لكن ذلك لم يحل دون بروز ثغرات ضخمة في سلامة الطيران المدني أشارت إليها منظمة الطيران المدني الدولي والوكالة الأوروبية لسلامة الطيران. أجرت المنظمتان زيارة إلى المطار في حزيران الماضي وتبيّن لهما أنّ المطار متهالك ويحتاج إلى نحو 93 مليون دولار بشكل سريع لتأمين استمرارية العمل السليم. ينقسم هذا المبلغ، بحسب مداولات مجلس الوزراء إلى «صيانة المدارج والممرات التي تحتاج 46.9 مليون دولار، وعلى أنظمة الطاقة والتكييف ولوحات توزيع الكهرباء حيث تقدّر القيمة التقديرية للأعمال الضرورية عليها بنحو 12.8 مليون دولار، و33.6 مليون دولار لاستبدال أنظمة التحكم الخاصة بالملاحة الجوية، وتغيير جرارات الحقائب، وإضافة مبنى للخدمة السريعة».
ومنذ عام 2021، وبسبب توقف وزارة المالية عن تحويل مبلغ 120 ألف يورو سنوياً إلى المديرية العامة للطيران المدني الفرنسي، توقف إجراء الاختبارات الجوية اللازمة لمعايرة التجهيزات الملاحية، وأجهزة الهبوط الآلي في مطار بيروت، ما يهدّد التجهيزات الملاحية بالخروج عن الخدمة لعدم ضمان صحة عملها الذي تؤكده الاختبارات الجوية. ورغم إعادة التفاوض والاتفاق مع الجهات الفرنسية على إجراء الاختبارات الجوية مقابل الحصول على تخفيضات، إلا أنّ الجهات اللبنانية لم تقم بتحويل الأموال مرة ثانية، وأصبحت بالتالي مستحقات عامَي 2021 و2022 عالقة من دون أيّ نتيجة.