شكوك تحيط بالاختبارات ومآخذ تقنية تثير شبهات: هل كذبت “توتال”؟

جريدة الأخبار

| حمزة الخنسا | 

يؤكد خبراء «ملف الموارد والحدود» في حزب الله أن وراء قرار شركة «توتال» وقف أعمال الحفر والتنقيب في حقل «قانا» لـ«عدم الوصول إلى غاز» أخطاء تقنية ومواقف سياسية مشبوهة. وأظهرت التفاصيل التقنية التي خلص إليها خبراء ملف «الموارد والحدود» في حزب الله أن أداء «توتال» لم يكن حرفياً، وأن الشركة لم تستكمل المطلوب من عملية الحفر، بل أوقفتها لأسباب لم تشرحها ولم تُعلن عنها. وما لم تُعلن عنه الشركة الفرنسية، التي صارت واشنطن صاحبة قرار في جمعيتها العمومية، كشفته دراسة استقصائية مفصّلة أعدّها خبراء هذا الملف في حزب الله.

أكّدت دراسة استقصائية أعدّها خبراء «ملف الموارد والحدود» في حزب الله وجود مآخذ وشبهات، مستندة إلى «أدلة ووقائع ومعطيات»، حول عمل «الكونسورتيوم» الذي تترأّسه «توتال». واطّلعت «الأخبار» على الدراسة التي أعادت النظر في التحليلات التي أجرتها «توتال» وشركات الخدمات المشاركة في عمليات جمع البيانات، من أجل تقييم وتحديد سبب عدم توصل عمليات الحفر إلى وجود اكتشاف، بحسب إعلان الشركة، وذلك بناءً على تحليل عوامل عدة، كاتصال المكمن بعضه ببعض والتكوين الهيكلي للطبقات. كما دقّقت في بيانات المسح الزلزالي وسجلّات الآبار والبيانات الجيولوجية والجيوميكانيكية وبيانات اختبار الآبار.وكانت «توتال» أوقفت العمل في حفر البئر «QANA-1» في 13 تشرين الأول 2023، بعد أقل من أسبوع من عملية «طوفان الأقصى»، على عمق 3905 أمتار تحت سطح البحر، وادّعت أنه بعد اختراق التكوين الجيولوجي «Tamar-C» وجزء من تكوين «Tamar-D» تمّ الوصول إلى المياه ولم يعثر على اكتشاف أو دليل على وجود خزانات.

وأظهرت دراسة «توتال» للطبقات التي تمّ اختراقها في بئر قانا فرقاً كبيراً بين الطبقات المتوقّعة والطبقات المخترقة فعليّاً، إذ إنّ معظمها لم يكن كما كان متوقّعاً قبل الحفر. وفي مقارنة بين بئر قانا وبئر كاريش، يتبيّن أن طبقة رمال «Tamar-C» في بئر قانا هي عبارة عن نموذج قناة جيولوجية منحدرة، تتراصف حبيبات الرمل فيها صعوداً من الأكبر حجماً إلى الأصغر (كلّما اتجهنا في الطبقات إلى الأعمق تُصبح حبيبات الرمل أكبر حجماً)، بينما طبقة رمال «Tamar-C» في بئر كاريش الأساسي هي عبارة عن طبقة مترسّبة على شكل سهل رملي (Basin) وبتراصف لحبيبات الرمل صعوداً من الأصغر حجماً إلى الأكبر (أي كلّما اتجهنا في الطبقات إلى الأعمق تُصبح حبيبات الرمل أصغر)، ما يشير إلى أن «توتال» لم تخترق تكوينات «Tamar-C&D» في بئر قانا، والتي يبدو أنها أعمق مقارنة بالتحاليل في بئر كاريش.

وأظهرت المقارنة التي قامت بها «توتال» بين بئرَي قانا وكاريش إلى أن الرمال مختلفة، كما تشير إلى أن الشركة لم تخترق طبقة «Tamar-C» في بئر قانا، التي تتكون من أنواع مختلفة، فيما يتميز قسم «Basin Floor fan» بترسّب الرواسب السيليسيكلاستية التي تنحدر عبر الوديان لتغذية الحوض. أما النتائج الجيولوجية (نسبة عزل الفالق)، فقد ظهر بوضوح، من خلال الرسم البياني والفحص الإحصائي، أن غالبية نسبة مؤشر الصخور الطينية (SGR) في بئر قانا تراوح بين 35% و55%. واستناداً إلى المعايير المثبتة من قبل (Yielding et al.1997)، فإنه لدى وجود نسبة SGR تراوح بين 20% و40%، يُعتبر أن الفالق يتمتع بخصائص احتجاز ضعيفة، فيما يدل مؤشر %40-60% إلى إمكانية احتجاز معتدلة. ونظراً إلى أن غالبية قيم مؤشر SGR الخاصة ببئر قانا تراوح بين 35% و55%، فإن ذلك يدل على أن قدرة احتجاز الفالق الموجود في المنطقة تراوح بين الضعيفة والمعتدلة.

وأظهرت النتائج الديناميكية حصول تطابق ممتاز في الرسوم اللوغاريتمية وشبه اللوغاريتمية التي تم تحليلها، إذ تمّت ملاحظة استقرار سريع جداً في البيانات، ما يشير إلى أن الصخور في الطبقات المختبرة ذات جودة جيّدة، بشكل رئيسي عند عمق 3675.21 متراً و3761.50 متراً. ولم تتم ملاحظة أي حدود واضحة لامتدادات الخزان ذات النفاذية والمسامية الجيدة. وظهر تضرر واضح بسبب تلف الطبقات الصخرية خلال الحفر والاختراق العميق، إذ بلغت أقصى نسبة للنفاذية الفعّالة (Kse) في المنطقة المتضررة حوالي 40.5 (ملي دارسي mD) عند عمق 3675.21 متراً، وحوالي 19.2 (ملي دارسي mD) عند 3761.5 متراً. ورغم أن فترة الاختبار (build-up period) كانت قصيرة، إلّا أنّ الحجم المختبر هو 465 ملي دارسي في القدم (mD.ft).
أما في ما يتعلق بأخذ عينات من البئر على عمق 3651.49 متراً (التشكيل العلوي) مثلاً، فقد أظهر جدول البيانات العديد من عمليات بدء وتوقف التشغيل خلال فترة ضخ العينات، وهذا الأمر يثير القلق بشأن صحة وموثوقية العيّنات التي تمّ جمعها من البئر، إذ تتطلب هذه العملية وجود معدل ثابت لضخ العينات للحصول على عينة ممثّلة لسوائل الخزان. كذلك لوحظ وجود تسرّب من أداة الاختبار، الأمر الذي دفع للشكّ أيضاً في صحّة هذه الاختبارات.

وبيّنت العينات عند عمقَي 3651.49 متراً و3645.30 متراً احتواءً على نسبة 61.80% و35.10% من النفط على التوالي، وقد يكون مصدر هذا النفط الطين المستخدم في الحفر (oil based mud) أو سائلاً نفطياً من الخزان (reservoir oil fluid). إلا أن الفترة القصوى لضخ العينات هي 2:03 ساعة / 9.62 ليترات عند عمق 3642.30 متراً، والحجم الأقصى للضخ هو 13.03 ليتراً / 1.94 ساعة، ما يرفع التوقع بأن تكون جميع العينات غير تمثيلية ومختلطة مع سوائل الحفر، وليست عينات فعلية من الخزان. في حين أنه في حال استخدام تقنية Straddle packer، فمن المتوقع أن تكون جميع العينات خالية من أي تلوث أو اختلاط بسائل الحفر، وبالتالي الحصول على عينات تمثيلية عن الخزان الحقيقي.

ويشير مؤشر قابلية الكسر / وحدة المتانة (أقل من 0.5) إلى وجود خزان محتمل، كما تؤكد قيمة قوة المرونة الصلبة (أكبر من 0.5) وجود خزان طبقي متناوب، علماً أنه تمّت مطابقة مؤشرات قابلية الكسر وقوة المرونة الصلبة من مناهج مختلفة. (الصورة اعلاه).

بعد تفنيد التحليلات والنتائج التي توصّلت إليها «توتال»، وضعت الدراسة الاستقصائية مجموعة خلاصات أكّدت أن «توتال» لم تخترق تكوينات «Tamar-C&D» في بئر «QANA-1»، والتي يبدو أنها أعمق مقارنة بالتحاليل في بئر «كاريش-1». ولم تحقق «توتال» الهدف من البئر من خلال حفر واختبار الثقب بقطر 8½ بوصة حتى 4440 متراً، كما كان متوقّعاً. في حين اختلفت وجوه الصخور وأنواعها في «Tamar-C&D» في بئر «كاريش-1» عن «قانا-1». فتكوين «Tamar-C» في بئر «كاريش-1» هو رمل حوض القاع ولم يتم التعرف إليه في بئر «قانا-1» الذي يعتبر جزءاً من القناة الانحدارية النموذجية وتمّت ملاحظته عبر تحليل بيانات الحفر «GR». وسُجّل ظهور فرق كبير بين الطبقات المتوقّعة والطبقات المخترقة فعليّاً، بحيث إنّ معظمها لم يكن كما كان متوقّعاً قبل الحفر. كذلك أظهرت التكوينات المخترقة في الثقب بقطر 8½ بوصة مواصفات وخصائص جيّدة لخزّان الهيدروكربونات. وأظهر تحليل البيانات الديناميكية كذلك استقراراً سريعاً جداً في جميع المناطق المختبرة، ما يؤكد بوضوح وجود تكوينات ذات جودة صخرية جيدة.

وتمّت ملاحظة نظامين للضغط ليسا في توازن هيدروستاتيكي، بفارق ضغط بمقدار «205 psi/ft» بين الطبقتين العلوية والسفلية. كما تمّت ملاحظة تكوين جيّد في قاع الطبقة العلوية وفي أعلى الطبقة السفلية مع نسبة قصوى للتحرك (mobility) (559 mD/cP ونفاذية 310 mD) و(328 mD/cP ونفاذية 182 mD) عند عمقي 3675.21 متراً و3761.50 متراً.
ومن الخلاصات التي سجّلتها الدراسة أن عملية جمع السوائل التي قامت بها «توتال» لم تكن ناجحة بسبب عدم استخدام الأدوات المناسبة. كما أن الشركة لم تنفذ اختبار «mini DST» مع «Dual packers» كما كان مخطّطاً له، والتي كان يمكن أن تؤكد وجود المواد الهيدروكربونية، وتقلل من نسبة الشك وعدم اليقين، وتوفر معلومات كافية لتوصيف الخزان بشكل أفضل. فيما تؤكد الرسومات الهندسية للجيولوجيا الهندسية والتحليل وجود خزان محتمل.

وقد وُجدت التكوينات المخترقة ناعمة للغاية، ومرنة، مع حجم عال من الطمي الرطب (wet clays)، ومكتملة، ما أثّر بالتالي على خصائص الصخور، وبشكل رئيسي على المسامية.

وعليه، لم تكن شركة «توتال إنيرجيز» سوية في التعامل مع الإدارة اللبنانية؛ إذ إنها اتخذت معظم القرارات بمفردها وأوقفت عمليات الحفر قبل الوصول إلى عمق الحفر المخطّط إليه عند 4440 متراً. وأظهرت بالمحصّلة أداءً غير مُرضٍ وفشلت في تحقيق الأهداف المطلوبة.

أكّد مسؤول ملف «الموارد والحدود» في حزب الله النائب السابق نوّاف الموسوي أنه تلقّى تأكيدات من خبراء كانوا يتابعون عمليات الحفر والاستكشاف التي قامت بها «توتال» في حقل «قانا» أنه سُجّلت أثناء عمليات الحفر «ركلة غاز»، وهو مصطلح تقني يُستخدم للدلالة على حدوث ضغط يدلّ على وجود الغاز. وقال الموسوي لـ«الأخبار» إنه أبلغ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه بري بالأمر. «لكن، حدث شيء ما، بين الأخطاء التقنية والمواقف السياسية المشبوهة، جعل الأمور تقف»، مستدركاً بـ«أننا لن نسمح بوقف هذا المسار ونحن ملتزمون به. وكما حرّرنا ما كان مُحتلاً يجب أن نُحرر ما هو مُحاصر الآن». وأضاف: «بالنسبة إلى حزب الله، كان التحرير عام 2000 إنجازاً كبيراً، لكنّ الإنجاز الأكبر هو استخراج البترول. لذلك، يتابع الحزب هذا الملف بدقّة منذ اللحظة الأولى».

وأكّد الموسوي أن لا مبررات تقنية لوقف «توتال» أعمال الحفر، و«العينات التي أُخذت لتبرير التوقف لم تكن صحيحة. لذلك لا يجب أن نُصغي للحملة الإعلامية التي تُريد أصلاً حرمان لبنان من ثروته»، لأن «أصحاب هذه الحملة يريدون أن يبقى لبنان تحت الحصار الأميركي، ويتمنون أن يكون لبنان تحت عدوان إسرائيلي يُعيد لهم تجربة 1982. وهؤلاء يجب أن يعرفوا أننا في عام 1982 كنا أضعف بكثير حين منعنا تجربتكم، واليوم نحن أقوى بكثير، وإذا أردتم أن تكرروا هذه التجربة فستدفعون ثمن هذه الحماقة غالياً».

وإذ لفت الموسوي إلى أن إسرائيل بدأت بالتنقيب عن النفط قبل أن يقر لبنان قانون الموارد البترولية عام 2010، وهي تعمل وفق مسار لم تعوّقه مجموعات سياسية داخلية متواطئة ولا حصار أميركي، إلا أنه «لا يمكننا أن نتفرج على العدو يستخرج البترول، ومثلما كان حزب الله جدياً في تحرير 865 كلم مربّعاً من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، هو جدّي، وحتى النهاية، في موضوع الاستخراج». وأوضح: «تقديرنا أن هناك شبهات بوجود إعاقات سياسية متعمّدة حالت دون استكمال عملية التنقيب وصولاً إلى الاستخراج، والولايات المتحدة هي عادة من يعرقل هذه العمليات، وقد اتّخذت سابقاً قراراً بفرض حصار اقتصادي على لبنان».

وعن الدور الفرنسي، أجاب الموسوي: «إلى الآن، لا نزال نعتقد أن الجانب الفرنسي يُفترض أنه يتصرّف من واقع صداقته مع لبنان، وبالتالي يُفترض أن لا يكون جزءاً من الحصار الأميركي»، لكنه لم يستبعد ذلك لأسباب متعلقة بـ«توتال» نفسها، والتي أصبح اسمها «توتال إنيرجيز» بعدما اشترى صندوق التقاعد الأميركي جزءاً من أسهمها وأصبح الأميركيون مؤثّرين في جمعيتها العمومية. وأشار إلى أن هناك مسارين لمواجهة الأمر الواقِع الحالي، أحدهما في السياسة والآخر في القانون، و«التجارب أظهرت أن القوانين في لبنان، إضافة إلى صياغة بعض العقود، لم تساعد في السيطرة على الموقف. من هنا، يجب البحث في نوعية التعديلات التي يجب أن تُجرى على قانون التنقيب والاستخراج، وعلى صيَغ التعاقد مع الشركات المشغّلة». أما في الجانب السياسي، فـ«يجب أن تكون هناك وقفة للمواجهة، عبر العملية الدبلوماسية بالدرجة الأولى، لانتزاع الحقوق». ولفت إلى أن «التجربة علّمتنا أنه كلما كانت الدبلوماسية اللبنانية مؤزّرة بموقف من المقاومة، تكون قادرة على الإنجاز، ويجري درس الموقف المناسب الذي يجب أن تأخذه المقاومة، سياسياً وعملانياً، بما يدعم الدبلوماسية اللبنانية لتصل إلى أهدافها».

وتحدّث الموسوي عن جانب ثالث يتعلق بإحدى نقاط الضعف في الموقف اللبناني، إذ إن «القانون والقرار السياسي معاً لا يسمحان إلا لشركات غربية عموماً أو عربية غالباً ما تخضع للتأثير السياسي الأميركي بالعمل في لبنان، وهذا الأمر بحاجة إلى اختراق، ومَن قال إن ما تفعله توتال لا تستطيع فعله شركات إيرانية أو صينية أو روسية»، معتبراً أن الصين اليوم «مهتمّة بالأمر بوصفها المستورد الأكبر من الشرق الأوسط وهي تستفيد من خلال الاستثمار في لبنان ليكون لها مطلّ على البحر الأبيض المتوسط الذي هو جزء من مبادرة الحزام والطريق للوصول إلى أوروبا». هذا الأمر «يتطلب موقفاً من الحكومة اللبنانية، وأن تكون مستعدّة لأن تنوّع خياراتها في اعتماد الشركات التي ستتعاقد معها، وألا تقتصر على نوع معين من الشركات». كما اعتبر أن الرأي العام اللبناني يجب أن يكون «جزءاً أساسياً من معركة تنويع الخيارات في التعاقد مع شركات التنقيب، في وجه القوى المصرّة على الارتباط بالأميركي والغربي وترفض أي مبادرة أخرى، لأن عائدات الثروة اللبنانية في البحر ستعود بالخير على جميع اللبنانيين»، مشيراً إلى ضرورة «صنع معركة رأي عام» في المرحلة المقبلة للدفع باتجاه كسر الموانع التي تضعها بعض القوى والتي تعرقل الاستفادة من الثروات اللبنانية. واعتبر أن «لدى اللبنانيين وعياً، باستثناء قلّة قليلة لا علاقة لها بالمصالح الوطنية».