| رندلى جبور |
عاشت المنطقة ليلة حبس أنفاس مع إعلان إطلاق إيران مسيّرات وصواريخ باتجاه العمق المحتلّ. وهذا حق مشروع بالدفاع عن النفس بعد تعرّض أرضها، القنصلية في دمشق، لاعتداء أدى إلى استشهاد كبار القادة من الحرس الثوري.
والرد الايراني جاء مدروساً بدقة، ومُقاساً بميزان الزعفران، ليكون في آن، رسالة مُهمة إلى “إسرائيل”، مع عدم السماح بتدهور الأمور بشكل دراماتيكي.
أما الرسالة فتُختصر بعرض قوة يحمل في مشهديته جرس إنذار بأن طهران قادرة على الوصول إلى قلب تل أبيب ساعة تشاء ومن دون وسطاء. وإذا كانت الكمية والنوعية من الأسلحة التي أطلقت أمس هي من باب “العرض”، فكيف إذاً بالقوة الفعلية التي تمتلكها ولم تَظهر على الشاشات بعد؟
وليس تفصيلاً أن تُجبِر طهران حكومة الكيان بالانعقاد في ملجأ تحت “سابع أرض”، وليست عابرة حالة الهلع التي أصابت الاسرائيليين ودفعتهم الى العويل والاختباء.
وليست مُهمة الاصابات لأنها لم تكن الهدف، فإيران لم تشأ التدمير والقتل بقدر ما شاءت أن تقول: “حين يحلّق طيراني في أجواء فلسطين، فلن يكون لطيرانكم حضور”، والدليل غياب سلاح الجو الاسرائيلي في ساعات الليل الذي فرضته إيران وفق توقيتها هي.
ولو شاءت “بلاد الثورة الاسلامية” أن تكون أقسى لاستطاعت حتماً، ولكنها لم تضرب موعداً مع المواجهة الكبرى بَعد، وهي تشتغل في العسكر تماماً كما في الدبلوماسية وفق سياسة الفستق، بحيث أن المسؤولين الايرانيين في استقبالاتهم، يضعون الفستق المحلّي الانتاج أمام الضيف، وحين يكون الاخير قد إلتهم كل ما أمامه، يكون الايراني لا زال في الحَبّة الاولى، يتفنّن في تقشيرها ويتمهّل في أكلها، وكأنه وليد نظرية أن الثأر “طَبَق يؤكل بارداً”.
أما أصحاب العقول الحامية في لبنان، الذين ضيّعوا بين الصديق والعدو، فغارقون في تناقضاتهم: ففي حين كان الرعب يأكل أعصابهم في الليل، استفاقوا صباحاً لينظّروا بجدوى الضربة وبأنها كانت مجرد “مسرحية”، وهي كلمة السر العابرة لكل منصاتهم.
غريب أمر هؤلاء، فهل كانوا يريدون فعلاً الحرب الكبرى وهم يدّعون أنهم أبناء “حب الحياة”؟ وهل كانوا سيهلّلون لإيران إذا كانت الضربة أكبر وقادت إلى حرب أوسع؟
البعض في لبنان، وهو يجهّز مَنقل المشاوي يوم أحد مشمس، يشتم إيران إذا فعلت، ويسخر منها إذا لم تفعل، وهو بهذه الحالة يكشف غباءه علناً ليس إلا!