الجنوب.. والمثلّث “الإسرائيلي” ـ الأميركي ـ الإيراني!

| جورج علم |

الجنوب أمام احتمالين: إما ترتيبات أمنية تعيد النازحين إلى منازلهم، أو حرب موجعة تستدعي تدخّلاً دوليّاً عبر بوابة القرار 1701، والقوات الدوليّة “اليونيفيل”.

ليس أمام الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين من خيار ثالث. كان قد طرح على الرئيس نبيه برّي رزمة من الأفكار، لمناقشتها مع “حزب الله”، وكانت الأجواء إيجابيّة، بمعنى أن “الحزب” فتح كوّة في الجدار المسدود تتيح المجال لإستمرار التفاوض، بهدف تحسين الشروط، وزيادة المكتسبات، وأخذ التطورات السياسيّة والميدانيّة بعين الإعتبار.

إستشعر بنيامين تننياهو الخطر من التقارب الحاصل في وجهات النظر الأميركيّة ـ اللبنانيّة حول ما يمكن تسميته بـ”ترتيبات اليوم التالي في الجنوب”، فبادر إلى قصف القنصليّة الإيرانيّة في دمشق، واغتيال قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري”، المسؤول عن جبهات سوريا ولبنان وفلسطين، العميد محمد رضا زاهدي. هنا تغيّرت الحسابات، وأصبح السؤال المطروح: هل تردّ إيران من خلال “حزب الله”؟ وما الثمن الذي سيتكبّده لبنان في حال كان الردّ عبر الجنوب؟

ترك قصف القنصليّة أصداء دوليّة واسعة. إنه إعتداء إسرائيلي مباشر على ممثليّة إيرانيّة. إن الضحايا أصحاب مراتب ومناصب. وإن ما بعد الإعتداء ليس كما قبله، بمعنى أن نتنياهو ما كان ليقدم على هذه الخطوة إلاّ بعد إعلام واشنطن مسبقاً، وسواء كان هناك ضوء أخضر أميركي أم لا، فإن مهمّة هوكشتاين هي المستهدفة أيضاً، أو في أحسن الأحوال أصبحت أكثر تعقيداً من ذي قبل، لأسباب منها:

1 ـ إن نتنياهو يريد ترتيبات أمنيّة في الجنوب وفق المواصفات التي يحدّدها هو، وليس الأميركي وبالتفاهم مع الثنائي اللبناني. وآخر همّه أن تكون هذه الترتيبات وفق مندرجات القرار 1701، أو من خارج السياق. المهم أن يكون الوضع الميداني متطابقاً ومواصفات طموحاته.
2 ـ أخذ الأميركيون علما بأن نتنياهو “يتمنّى” أن يكون الردّ الإيراني من الجنوب ـ هذا إذا كان هناك من ردّ على قصف القنصليّة ـ كي يتخذ من ذلك ذريعة ليحقّق هدفين: وأد مهمّة هوكشتاين. والقيام بهجوم واسع يخلط أوراقاً كثيرة، ويضع الجنوب أمام امر واقع جديد… ربما تحت إشراف دولي!
3 ـ إن أي ردّ إيراني، سواء مباشرة أو بواسطة الحلفاء، وسواء من الجنوب أو من أي مكان آخر، سيصبّ لمصلحة نتنياهو، وسيخدم مخطّطه على نطاق واسع، شرط أن يتمّ في أقرب فرصة ممكنة، للإقدام على خطوات أربع: إجتياح رفح. الإنصراف إلى جبهة الجنوب. فكفكة الساحات كبديل عن “وحدة الساحات”، وجر الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع إيران النووية، ومفاعلات تخصيب اليورانيوم.
ماذا لدى واشنطن؟

الرئيس الأميركي محشور انتخابيّاً، أي خطوة يخطوها تجاه الشرق الأوسط و”إسرائيل” يحسب لها ألف حساب في الداخل الإنتخابي قبل الإقدام عليها. قرار مجلس الأمن حول وقف إطلاق النار في غزّة بقي حبراً على ورق. تزويد “إسرائيل” بالأسلحة والذخائر مستمر، وإن كان هناك كلام يفتقر إلى المصداقية حول تقنين أو تأخير في التسليم. الصفقة الجديدة بحدود 18 مليار دولار. الرقم مخيف حقّاً حول نوعيّة هذه الأسلحة والعتاد؟ نتنياهو يعيد إنتشار قواته في غزّة إستعداداً للهجوم على رفح. النصائح والضغوط الدوليّة لا أثر لها في حساباته، وقائمة أولوياته. هجومه على القنصليّة الإيرانيّة في دمشق شكّل عنواناً عريضاً من خارج السياق، وفتح صفحة جديدة من المواجهات، بمعنى أن المعركة لن تقتصر على الحلفاء والوكلاء، بل هي موجّهة إلى المرجع مباشرة، وهناك بنك أهداف مختلف يسعى إلى تحقيقه!

أين الولايات المتحدة من كل هذا؟

هناك توزيع في الأدوار، والبعض يقول بـ”تمايز أو تباين” في وجهات النظر ما بين وزارة الدفاع، “البنتاغون” من جهة، ومجلس الأمن القومي، ووزارة الخارجيّة من جهة أخرى. “البنتاغون” متحمّس لتقوية شوكة “إسرائيل”، ودعم نفوذها في المنطقة. الخارجيّة، والأمن القومي، مع تدوير الزوايا الحادة حتى تحافظ الولايات المتحدة على رصيدها في العالمين العربي والإسلامي. وفي نهاية المطاف، هناك مدّ وجزر في السياسة الأميركيّة تجاه نتنياهو ومخطّطاته.

ماذا عن لبنان؟

المفاجآت هي التي تفرض المستجدات، وتتحكّم بالخيارات. من حيث المبدأ فإن واشنطن ترفض ما هو عليه واقع الحال في الجنوب. ترفض الإستمرار في حرب الإستنزاف. تريد ضمانات أمنية موثوقة تدخل الجنوب في إستقرار دائم. لا تريد مواجهة مع نتنياهو، كما لا تريد الانصياع إلى كامل شروطه، ومطالبه. قد توافق على عمليّة عسكريّة تكون مدخلاً لفرض الترتيبات الأمنيّة، لكنها ترفض حرباً واسعة تشمل كل لبنان، لا حرصاً على “هل كم أرزة العاجقين الكون”، بل حرصاً على إستراتيجيتها، لأنها تعتبر أن أيّ حرب واسعة، ستكون مقدّمة للدخول في لعبة تغيير الخرائط للعديد من دول المنطقة، ولفتح “دفرسوارات” واسعة تسمح بدخول روسي ـ صيني واسع إلى منطقة تعتبر تاريخيّاً تحت مظلّة النفوذ الأميركي!

وحتى لا يُفتح الباب اللبناني على المجهول، تسارع إدارة الرئيس بايدن إلى التدقيق مع نتنياهو حول كلّ خطوة يريد أن يخطوها تجاه الجنوب. وإلى تفعيل مهمّة المبعوث الرئاسي هوكشتاين، ومدّها بالمقويات اللازمة، وانتخاب رئيس للجمهوريّة، وتشكيل حكومة، للإمساك بزمام الأمور، ولو بالحد الأدنى، وتمثيل لبنان حول أي طاولة مفاوضات ستعقد للتوافق على تسوية كبرى في المنطقة.