| رندلى جبور |
حين دوّى صوت الهجوم الإرهابي في موسكو، حاصداً أكثر من مئة وخمسين ضحية، كانت روسيا “القيصرية” برئاسة فلاديمير، بوتين المنتخب لولاية جديدة، تخطو خطواتها الثابتة، لا نحو بناء دولة عظيمة على أنقاض الاتحاد السوفياتي، لأنها أتمّت هذا الإنجاز، بل نحو بناء عالم جديد، بالشراكة مع دول سئمت من الذكاء الاصطناعي المتعالي ومن الحروب المصطنعة المدمّرة ومن دعم الانتماءات غير الطبيعية، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية التي تخترق كوكب الارض بآحادية خالية من العدالة.
روسيا تلك، ساهمت في كسر الشوكة الأميركية في سوريا… ودخلت إلى أوكرانيا، لا لحاجتها إلى المزيد من الأراضي التي تملك منها مساحات بلا ناس حتى، بل لحماية نفسها من “الناتو” الذي كان بدأ يطلّ عبر نافذتها، ولتصفعه على وجهه بجرأة… وعقدت الشراكات الاستراتيجية مع الصين وإيران ودول عدة، وهي كانت ركناً أساسياً من أركان “البريكس”… وعقدت اجتماعات للفصائل الفلسطينية على أرضها لئلّا يتقاتلوا على أرضهم التي لا تنقصها حروب داخلية… واستخدمت حقها في “الفيتو” بمجلس الأمن مراراً، بخلاف توجهات الأكثرية و”توجيهات” الامبراطورية الاميركية… وأثبتت ذاتها على خريطة السياسة الدولية حاملةً قلمها بفاعلية لتغيير شكل هذه الخريطة… كل ذلك، ولم يستيقظ “الدب” يقظته الكاملة بعد.
في ظل هذا المشهد المتحوّل، أتى الهجوم الإرهابي على مركز تجاري ثقافي في عاصمتها.
صحيح أن “داعش” تبنّاه، إلّا أن التنظيم مولود من الرحم الأميركي باعتراف المسؤولين في بلاد “العم سام”، لاستخدامه في حروبها بالوكالة، ولا يُستبعد أن يكون الظهير في هذا الحدث هو أوكرانيا التي تحصد دعماً سياسياً وعسكرياً ومالياً أممياً غير محدود.
وإزهاق أرواح المدنيين، يحمل رسائل غربية بالنار إلى روسيا نعدّد بعضاً منها كالتالي:
1- على الرغم من مرور سنوات على حرب أوكرانيا، العاجزة عن الانتصار، إلّا أن أميركا أتت لتقول إن الهزيمة النهائية لم تُكتب بعد، وإنها ستتدخل باستمرار لإطالة عمر أوكرانيا زيلينسكي.
2- إن الولايات المتحدة، وعلى الرغم من غرقها في دعم الكيان الاسرائيلي في حربه على غزة، إلّا أن ذلك لا يلهيها عما تعتبره الخطر الحقيقي عليها، أي روسيا والصين.
3- إن مهمة المجموعات الإرهابية المتطرفة، وعلى رأسها “داعش” لم تنتهِ بعد، وهي تستخدم على القطعة في كل بقعة من بقاع الارض.
4- إن إعادة التوازن إلى العالم، وبناء نظام دولي جديد مبني على الثنائية أو التعددية التي تنسف الآحادية، لن تمررها “الزعيمة” الأميركية على “بارد الهينة”، بل هي ستكسر الحماوة في محاولة لتأجيل ولادة “العالم الجديد”.
إذاً، صحيح أن الهجوم حصل في موسكو، وأن الضحايا بمعظمهم من الروس، إلا أنه في الواقع هجوم على “العالم الجديد”، الذي يسحب البساط من تحت رِجلين “حكم الغرب”.