تفاهمات ماكرون ـ تميم.. اللبنانية

| جورج علم |

لا بدّ من مشهد فولكلوري في زمن العبوس. يُقال إن “الخماسيّة” متفاهمة على كلّ شيء، إلاّ على فنجان القهوة، رمز الضيافة اللبنانيّة. ليزا جونسون تفضّل القهوة الأميركيّة، ومن شبّ على شيء شاب عليه. هيرفيه ماغرو يفضل “نيسكافيه” الفرنسيّة، خصوصاً تلك التي تفاخر في تقديمها مقاهي الرصيف في الشانزليزيه. علاء موسى يفضل الشاي مع “شيشة يا ولد”، في حين أن وليد البخاري وسعود بن عبد الرحمن آل ثاني يفضلانها خليجيّة مقطّرة.

الجولة الحاليّة على رموز الأزمة، قد تكون موفّقة، كون فنجان القهوة لا حضور له في المجالس، فالزمن زمن صوم، ويفترض احترام الخصوصيات. لكن ما يشي به البعض أن تكتّل “الإعتدال الوطني” قد استفزّ “الخماسيّة”، لذلك قرّرت التحرّك للحفاظ على دورها من التآكل، خصوصاص أن حراكها وسط الفراغ تعتبره من المكتسبات التي لا يمكن التفريط بها، أو تجييرها لأي كان!

وبمعزل عن الفولكلور السياسي الرائج في موسم الفراغ، ومحاولات البحث عن مخارج، لا بدّ من الإقرار بأن هناك خلافات عميقة بين دول “الخماسيّة” حول ملفات كثيرة، وضمناً الملف اللبناني.

الأميركي لا يفرّط بدوره، ومكانته. يعرف كيف يتحاور مع إيران في الوقت المناسب، ولأنه يعرف، ليس بحاجة إلى الآخرين، ولا مصلحة له في أن يمنحهم رصيداً من حسابه، وعندما يحين أوان الخروج من المستنقع يعرف كيف يرتّب المخرج، وربما بالتنسيق والتفاهم مع طهران.

المصري، والسعودي يكمّلان المشهد. حضورهما في “الخماسيّة” طاغ. الصورة مكتملة المواصفات، ومع الإبتسامات، لكن “الهوى غلاّب” نحو رفح، وغزّة، ومواصفات اليوم التالي، ومستقبل القضيّة الفلسطينيّة، وعندما تكتمل عناصر “الزّفة” الرئاسيّة في لبنان يتصدّران طليعة المهنّئين!

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، لهما حسابات أخرى. كانت “زيارة الدولة” التي قام بها الأخير إلى باريس، نهاية شباط الماضي لافتة. لخّص البيان الختامي مجمل الملفات التي نوقشت، والتفاهمات التي حصلت، وكان أبرزها “التزام الدوحة باستثمار مبلغ 10 مليارات يورو لتمويل شركات ناشئة، وصناديق استثمار في فرنسا بين عامي 2024 و2030”.

ولاقت الفقرة الخاصة بلبنان، والتي وردت في البيان، إستحساناً من قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. إلاّ أنها خلت من أي إشارة إلى الدور الذي تقوم به اللجنة “الخماسيّة”. إتفق الفرنسي والقطري على أن الظروف الإقليميّة والدوليّة الضاغطة تحتمّ الإهتمام بالملف اللبناني نظراً لتعقيداته وتشعّباته، وأن “الخماسيّة” منذ قيامها لم تسمن ولم تغنِ عن جوع، واكتفت في أن تكون مجرّد “واجهة” لا أكثر. طرحا إمكانية تحقيق مشروع “دوحة ثانية”، و”خريطة طريق” لا تستفزّ أحداً، وتكفّل الفرنسي بمضاعفة التنسيق والتشاور مع الأميركي، على أن يكون للقطري اليد الطولى، بحكم علاقاته الجيدة مع كلّ من واشنطن، وطهران، وسائر العواصم الخليجيّة، والعربيّة، وسبق له أن حوّل مدرج مطار بيروت مهبطاً لطائراته الخاصة تقلّ موفداً وتعود بآخر، ضمن مسعى يمكن أن يبنى عليه في التوقيت المناسب.

وجاء الردّ اللبناني الرسمي على المقترحات الفرنسيّة، التي حملها وزير الخارجيّة ستيفان سيجورنيه إلى بيروت في السادس من شباط الماضي، نتيجة اتصالات دبلوماسيّة فرنسيّة ـ قطريّة مكثّفة، بهدف استكمال رسم معالم الطريق المؤدي إلى “دوحة ـ 2” على أن تكون الورقة الفرنسيّة مادة دسمة تغني جدول الأعمال.

هناك صعوبات كثيرة، والبعض يتحدث عن عوائق، وإستحالات، كون المنطقة تغلي كالمرجل، وأبواب غزّة مشرّعة على كل الإحتمالات. والتباينات في الرأي ما بين واشنطن وتل أبيب لم تعد محصورة بمربع رفح، ومصير 1.2 مليون مواطن فلسطيني، ولا بمواصفات اليوم التالي، بل بالتغيير الحكومي الذي لا بدّ منه داخل الكيان الإسرائيلي، وضرورة إجراء إنتخابات مبكرة، لإختيار قيادة جديدة ـ كما هو حال الحكومة الفلسطينيّة ـ قادرة على تحمل تبعات التسوية التي لا بدّ منها في نهاية المطاف.
لكن بالمقابل، هناك مؤشرات واعدة، منها:

1 ـ زيارة سفير دولة قطر سعود بن عبد الرحمن آل ثاني إلى وزير الخارجيّة والمغتربين عبد الله بو حبيب، الإثنين الماضي، حيث كانت جولة أفق حول الواقع، والمرتجى.

وتمتّ الزيارة بعد تسليم بو حبيب الردّ اللبناني الرسمي على المقترح الفرنسي، إلى السفير هيرفيه ماغرو، وفي خضم جولة الاستطلاع التي يقوم بها سفراء “الخماسيّة” في بيروت على قيادات الأزمة.

2 ـ زيارة المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، إلى الدوحة، وقد شكّلت “باكورة” الإنفتاح القطري على عدد من القيادات، بهدف التشاور، ذلك أن القطريّين هم الأدرى والأعرف بتقلبات الرياح في لبنان، ومن حوله، ولن يقدموا على أي خطوة إلاّ بعد ضمان نجاحها مسبقاً، والحصول على ضمانات من جميع الدول والقوى المعنيّة بالوضع الداخلي المعقّد.

3 ـ الدور الكبير والمباشر الذي يضطلع به محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بوصفه رئيسا لمجلس الوزراء ووزيراً للخارجية، مع العديد من المرجعيات في عواصم الدول المؤثرة، حول الوضع في لبنان، رغم انشغاله بالمفاوضات الصعبة والمعقدة حول غزّة، وتبادل الأسرى بين “حماس” والكيان المحتل، ووقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانيّة…
… ويبقى السؤال: هل من “دوحة رقم 2″؟

الجواب: الوضع معقّد، كما يقول دبلوماسي لبناني متابع، لكن قطر قادرة أن تدوّر الزوايا الحادة، إن قرّرت، كونها تملك فائضاً من الطاقات، والإمكانات.