| هيام القصيفي |
كل ما يجري من حركة داخلية وخارجية زوبعة في فنجان. ما يتسرّب أميركياً أن ملف الرئاسيات مجمّد حتى إشعار آخر، ويتصل بالثمن الذي تريده إيران في اتصالاتها مع واشنطن.
على إيقاع تحرك سفراء اللجنة الخماسية في بيروت، جرى الكلام عن مؤشرات إيجابية قد تكون قاعدة لفتح ملف الرئاسيات بعد مرحلة ركود. لكنّ واقع الحال ليس كذلك. إذ ثمة معلومات تتعلق بموقف أميركي واضح، وهو أمر يستشعره سفراء اللجنة الخماسية من نظيرتهم الأميركية ليزا جونسون بأن لا شيء أميركياً محسومٌ في ملف الرئاسيات، وأن مفتاح الرئاسة لا يزال في يد واشنطن دون سواها. هذا الأمر لا يتعلق فقط بما يصل إلى من يعنيهم الأمر محلياً أن انتخابات الرئاسة ليست مطروحة حالياً على بساط البحث، إنما يتصل بإطار أوسع وأشمل يتعلق بالاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين واشنطن وطهران والملفات العالقة بينهما.
وهنا يصبح لبنان واحداً من هذه الملفات.القراءة الأميركية تتحدث عن وقائع مختلفة عن تلك التي تُروى لبنانياً لموضوع الرئاسة ودور إيران فيه. فالتشديد الأميركي يحسم بحصر الكلام عن الفترة الحالية التي تتم فيها المفاوضات حول غزة وارتدادها على لبنان، وموقع حزب الله في ما يُطرح تزامناً مع التهدئة جنوباً. إذ أن القراءة الاميركية تتحدث عن أن واشنطن تدرك من خلال اتصالاتها أن إيران بطبيعة الحال تريد أثماناً في مفاوضات الحرب والسلم، ولو أنها تتشارك مع الولايات المتحدة في الرغبة في عدم توسّع الحرب. تريد أثماناً في اليمن وفي لبنان وغيرهما تبعاً لظروف المرحلة، للحفاظ على مواقعها الحالية، وتثبيت نفوذها مرة جديدة في المنطقة.
في لبنان يتعلق الأمر بملف الرئاسة حصراً، لأن أي مقاربة تتعلق بوضع حزب الله جنوباً والاستجابة لمقترحات تتناول تفعيل القرار 1701 وتهدئة الجبهة الجنوبية لا بدّ أن يوضع قبالتها ملف الرئاسة كأولوية وأمور أخرى شائكة في لبنان وفي مقدّمها وضع نظامه. ولأن واشنطن تدرك ذلك، فإنها غير مستعجلة في الوقت الراهن لتقديم أي ثمن يتعلق بلبنان. وهذا يتعلق بالإدارة الأميركية التي لا تزال حريصة على عدم تقديم جوائز ترضية لإيران، في وقت حساس أميركياً، مع بدء مرحلة الاستعداد للانتخابات، والأخذ في الاعتبار ما سيكون عليه موقف إسرائيل ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي تحوّل بعد 7 تشرين الأول إلى صاحب قرار مؤثّر في ما تكون عليه أحوال منطقة الشرق الأوسط.
يربط الأميركيون موقفهم من دور إيران في الرئاسيات، في ما أصبح عليه وضع حزب الله، على أساس أن الحزب قد يقوم بمراجعة للتطورات التي لحقت به بعد 7 تشرين الأول. فوضع الحزب بين عامي 2006 و2024 لم يكن مطروحاً على بساط البحث الموسّع كما هو حاله اليوم بالنسبة إلى وجوده في الجنوب. ما حصل في السنتين الأخيرتين أثناء التجديد للقوات الدولية فتح باب الإشكالات، لكنه لم يتحوّل إلى قضية قائمة بذاتها، إلى أن وقع حدث 7 تشرين الأول.
أما اليوم، فأي كلام عن مفاوضات إقليمية ودولية سيأخذ حكماً في الاعتبار التحولات الأخيرة ودخول حزب الله على خط الإسناد، واستطراداً ما سيكون عليه وضعه وانتشاره جنوباً، ولا سيما أن الأميركيين لا يرون في دخول حزب الله على خط الصراع بين إسرائيل وحماس أي تحول استراتيجي في حرب غزة، بقدر ما أنه ساهم في وضع حزب الله في مواجهة التحديات مع إسرائيل، التي باتت تصر على إبعاده عن حدودها الشمالية. لذا فأي محاولة للتعامل مع هذا الانتشار بما يتلاءم مع المفاوضات الجارية لن تكون بلا تداعيات وأثمان داخلية. هذا تماماً ما لا ترغب به واشنطن حالياً، لأن الثمن المطلوب إيرانياً قد لا يتوافق مع الرؤية الأميركية حتى الآن.
ومن هنا لن يُكتب النجاح لكل حركة داخلية أو خارجية على تماس مع ملف الرئاسة في الوقت الراهن، وقد ألمحت واشنطن ذلك إلى كل من يعنيهم الأمر. علماً أن أحد المؤشرات الواضحة هو أن حركة الموفدين الفرنسيين جُمدت إلى حين اتضاح احتمالات تغيّر الموقف الأميركي. كما أن دخول باريس على خط الرئاسيات سيخفّ تدريجاً، بعد كل تجاربها الفاشلة في لبنان منذ انفجار الرابع من آب، وبعدما بدأت تدخل في اهتمامات أخرى تتعلق بأوكرانيا وبتحقيق إجماع أوروبي على مقترحات الرئيس إيمانويل ماكرون وبأمنها الذاتي في الأشهر التي تسبق الألعاب الأولمبية.
أما في لبنان، فإن ما يجري مجرد زوبعة في فنجان وحركة بلا بركة لتمرير الوقت ما دامت القوى الأساسية لا تملك فعلياً ورقة الرئاسيات، قبل تبلّغها إما من واشنطن أو من إيران، إلا إذا تكرّر ما حصل عام 2016، بتفاهم غير متوقّع للأضداد، ما يسمح بسحب ملف الرئاسة من الخارج إلى الداخل، وهذا غير واضح أنه سيحصل بعد فشل نتائج تلك التجربة.