|علي حيدر|
في البعد السياسي، جسَّد إسقاط المقاومة مُسيّرة «زيك – هيرمس 450»، أمس، رداً موضوعياً على تهديدات العدو، وخصوصاً وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، بمواصلة العدوان على لبنان حتى لو هدأت جبهة غزة، استناداً بشكل أساسي إلى التفوّق الجوي للعدو. وهي تهديدات تكشف عن حقيقة المشهد الميداني في الوعي الإسرائيلي، إذ تدرك قيادة العدو أن هدوء جبهة لبنان بعد هدوء جبهة غزة سيعني أن الجبهة تحرّكت عندما حرَّكها حزب الله، وهدأت عندما أراد الحزب ذلك. وهذا ما يضع جيش العدو والكيان كله في موقع ردّ الفعل، ويساهم في مزيد من تقويض صورة الردع والهيبة التي يحاول ترميمها، وينطوي على رسالة إلى المستوطنين الذين يعلنون أنهم لن يعودوا قبل أن يشعروا بالأمان، بأن جيشهم ليس في موقع من يملي المعادلات.
وكشف رد الفعل الإسرائيلي، ميدانياً وسياسياً، على إسقاط المُسيّرة عن إدراك قيادة العدو لمخاطر نجاح حزب الله في استهداف هذا المستوى من الطائرات، وتداعيات هذا الاستهداف على حرية عمل سلاح المُسيّرات في الأجواء اللبنانية، خصوصاً أن «هيرمس 450» هي من الأكثر تطوراً في سلاح الجو الإسرائيلي، وشكّلت ركيزة أساسية في المعركة الحالية، وتلعب دوراً رئيسياً في الاغتيالات في لبنان وفلسطين وغيرهما، وتتمتّع بهامش واسع في الكشف والاستهداف والمناورة، وتتميّز بتقلّص الفترة الزمنية بين الكشف الاستخباري والاستهداف العملياتي. كما يشكّل إسقاطها رسالة أخرى تكشف عن قدرة عملياتية لدى حزب الله على اختراق المنظومة التكنولوجية التي وفّرت قدراً من الحصانة لحرية عمل سلاح الجو، بعدما راهن العدو على أنه تمكّن من فرض هيمنة جوية أطلقت يده في مستوى الحركة والاستهداف. وهو ما دفعه للتأكيد في أكثر من مناسبة على أن هذا الاستهداف سيتواصل بعد الحرب، إضافة إلى كونه إحدى صور الانتصار التي كان يراهن أن تُختتم المعركة بها.
لذلك، أظهر ردّ الفعل التصعيدي حجم مخاوف العدو من أن يشكّل الحدث مؤشراً إلى كسر المعادلة الجوية التي توهم بأنه نجح في فرضها، بعد خمسة أشهر من القتال ومراكمة نتائج تكتيكية، وهو ما عبّرت عنه التعليقات بوصف ما حصل بأنه «خطير جداً» و«يعطي صورة سيئة جداً عن الجيش الإسرائيلي وعن سلاح الجو الأقوى في الشرق الأوسط». كما أن هذا الحدث يبدّد الرهانات على «التفوّق الجوي» بالتأسيس لمعادلة مضادّة، أخطر ما فيها أنها ستمتد إلى ما بعد الحرب. أضف إلى ذلك، أن إسقاط المُسيّرة تجسيد عملي للمسار التصاعدي لحزب الله، في وقت يحاول العدو – عبر الميدان والرسائل التهويلية – كبح هذا المسار وتغيير اتجاهه. فضلاً عن أنه يكشف عن إرادة سياسية تستند إلى قدرة عملياتية قادرة على توسيع نطاق الاستهدافات، في الجو كما في البر، حتى لو اعتبر العدو ذلك تجاوزاً لبعض قواعد الاشتباك التي ظن أنه فرضها.
وباعتبار الحدث الجوي حلقة في سلسلة متواصلة، لها ما قبلها وما بعدها، فإن العدو يرى في التأسيس لتقويض حريته العملياتية، مع ما حقّقه حزب الله في فرض «حزام أمني» في الأراضي الإسرائيلية من دون حتى أن يقوم بمناورة برية، إضافة إلى تهجير أكثر من 100 ألف مستوطن، بحسب المعلّق العسكري أمير بوحبوط، ترجمة وتطويراً لموقع حزب الله في القواعد التي تحكم حركة الميدان. وهو ما دفع وزير الأمن السابق أفيغدور ليبرمان إلى رفع الصوت محذّراً من أن الحزب «تهديد استراتيجي حقيقي، وإذا لم نغيّر المعادلة فلن يبقى سكان في الشمال».
على هذه الخلفية، حرص العدو على تصعيد ردّه بعد إسقاط المُسيّرة بتوجيه ضربات في العمق اللبناني وصولاً إلى محيط مدينة بعلبك وغيرها. وقد هدف من وراء ذلك إلى تسجيل رد ميداني وتوجيه رسالة بأنه مستعد للذهاب إلى أبعد مدى عبر تجاوز خطوط لم يسبق أن تجاوزها، وملامسة سقوف أشد خطورة. إلا أنه من الواضح أن الاعتداء الجديد، وإن كان ارتقاء مدروساً، يندرج ضمن السقوف المتحرّكة للمعركة على طرفَي الجبهة، ولا يؤشر حتى الآن إلى خروجه عن سيطرة أيّ من الطرفين. وهو ما أشار إليه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء يعقوب عميدرور، بالقول إن كلاً من الطرفين يضرب على يد الآخر عندما يرى أنه تجاوز المربّع الذي تدور ضمنه المعركة، في إشارة إلى حرص الطرفين على تجنّب التدحرج نحو حرب شاملة مدمّرة. وقدّم مثالاً عملياً على ذلك باستهداف حزب الله الجولان، أمس، بعشرات الصواريخ كونها تقع «خارج اللعبة». لكنه عاد وأكد أن المبادرة في كل هذا المسار بدأت من قبل حزب الله. وشدّد عميدرور على أنه «سيكون من الغباء البدء بحرب في لبنان لأن الأمر يتعلق بمصير الدولة (…) قبل أن تتخذ قراراً عليك أن تتأكد بأن الطرف الثاني يدرك المخاطر التي ينخرط فيها. (ولذلك) أحياناً تهدّد ولا تنفّذ». ودعا إلى عدم التوقف عند ذرائع من نوع «أننا قلنا كذا وحزب الله قال كذا… هذا ببساطة أمر غير عميق»، لافتاً إلى أن أيّ حرب ستنشب «ستكون فظيعة».