| رندلى جبور |
في منتصف جحيم قتل الأجساد، وخصوصاً في فلسطين، وفي سخافة تحديد الأخطار الحقيقية، وفيما لا زلنا نتلهّى بخوف المسيحيين من الإسلام، وخوف المسلمين من الخوف منهم، وفي حمأة الكلام التقوقعي والتقسيمي، وفي فوضى الانقسام على مَن هو العدو ومَن هو الصديق، يأتي من يضع نقطة ضوء على الخطر الحقيقي والعدو الراهن، بعيداً من السرديات الكلاسيكية التي باتت مملّة و”معلوكة”.
هي أشبه بصرخة في صحراء عقولنا وزمن الجفاف الفكري تقول: “انتبهوا، الخوف هو ممن يقتلون الروح. وهؤلاء خطر، لا علينا وحسب بل على البشرية جمعاء، ببِيضها وسودها، بجنوبها وشمالها، بشرقها وغربها، وبأديانها كافة”.
ويتلخص هذا الخطر في الذكاء الاصطناعي الذي يأخذنا، بغبائنا الطبيعي، إلى ملعبه. وعلى هذا الملعب تُخاض مباراة حامية، لا يمكن لنا أن نربحها إلا بالوعي، وتغيير عدّة تفكيرنا، وتركيبة دماغنا.
فالذكاء الاصطناعي سرق كل ما وضعناه يوماً على المنصات المزهوين بها، ليحاربنا بها، وليستخدمها مجتمعة، ليعيد تلقيننا بها معدّلة على هوى صانعيه.
والذكاء الاصطناعي يستبدل عقولنا بعقل مبرمج بحسابات دقيقة، ويستبدل عمّالنا بآلات.
وهو يستبدل نبض قلوبنا بخيال يجعله شريكنا عبر الشاشة، بدلاً من إنسان بفيض مشاعره على أرض الواقع.
وهو يستبدل قيمنا بسياسات مُلئت بها الأجهزة، ليعيد تكوين البشرية كما يريدها اللاعبون الكبار، بقيم كاذبة ومزيفة ومدمِّرة.
وهو يبيعنا حاجات اختلقها لنا لنصبح مستهلكين لـ”وهم”.
هو يبيعنا افتراضاً، ونحن سندفع الاموال لنشتريه، ظناً منا أن هذا هو التعويض عما ينقصنا.
انظروا فقط إلى من جعلوا الذكاء الاصطناعي ديناً جديداً.
هم أنفسهم الذين اخترعوا الحروب وخاضوها، والذين سيطروا على الإعلام واستخدموه للتضليل وقلب كل الحقائق، والذين تحكموا بالمال العالمي ليتحكموا بمليارات البشر، والذين احتلوا وجوّعوا وقسّموا ورسموا الخرائط على هواهم، والذين يتجسّسون علينا في كل شاردة وواردة ليتمكنوا من برمجتنا وضبطنا على توقيت الخراب الذي يطمحون إليه.
والمشكلة أننا لا زلنا في بداية الطريق.
ببساطة، وقبل التفكير حتى بالأبعاد الخطرة لما يُصاغ لنا عبر ذكاء مخلوق في دوائر صنع القرار، فلنفكر “على قدنا”… نحن بتنا مهووسين بـ”لايك” على “فايسبوك” ولم نعد نهتم لأمر “غمرة”. وبتنا مأخوذين بتعليق عابر، بدلاً من أن نجلس معاً ونفكر. وبتنا ننتظر كل جديد اصطناعي ونركض خلفه لاهثين، ونسينا “الطبيعي” الذي فينا والذي هو حولنا.
وقِس… وصولاً إلى الإنسان الآلي الذي يرتّب بيوتنا ويتعدى على حرمتنا، وإلى الآلة التي تلقننا كيف نفكر وتنصحنا بما نفعل وتتحكم بمزاجنا وتصرفاتنا، إلى الحد الذي بتنا فيه مسلّمين ولا نستخدم عقلنا حتى لنحل معادلة حسابية بسيطة، ولا نتكئ على روحنا لأننا سلمناها للآلة وفقدنا الإنسان الذي فينا.
هذه هي المعركة الحقيقية اليوم، وهذه هي المواجهة الكبرى: هي بين الإنسان والروح والعقل الطبيعي، وبين الآلة والذكاء الاصطناعي.
هذا هو نضالنا ليبقى الإنسان، وإلا… فعلى الدنيا السلام.
هم يريدون تقليص البشرية، ومعها كل ما في الإنسان من فكر وقلب وروح، ونحن نريد المواجهة!