صراع بين باريس وواشنطن حول لبنان.. ما مضمون الورقة الفرنسية؟

كشفت مصادر سياسية بارزة لصحيفة “الأخبار” عن وجود صراع جوهري بين باريس وواشنطن، مشيرة إلى أن “الولايات المتحدة لا تدعم المقترح الفرنسي، لا بسبب وجود اعتراضات على بنوده، بل لأن واشنطن تريد أن تقود الترتيب السياسي”.

ولفتت إلى أن مسؤولين لبنانيين يعملون على خط بيروت – واشنطن نقلوا كلاماً لمّح إلى أن الإدارة الأميركية تصرّ على أن تلعب واشنطن الدور الرئيسي في وضع إطار الحل، خصوصاً في ما يتعلق بمسار الترسيم البري.

ومع ذلك، يحاول الجانب الفرنسي “التشاطر” في كل خطوة. وفي هذا الإطار، عندما طلب العدو الإسرائيلي من باريس التدخل لدى “حزب الله” لوقف العمليات في الجنوب، بادر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تشكيل فريق عمل، يتبع له كما في كل الملفات، شارك فيه موظفون من وزارتَي الخارجية والدفاع، إضافة إلى جماعة الاستخبارات الخارجية.

ويعمل هذا الفريق على وضع تصور يستند إلى ما يفترضه الفرنسيون “أموراً قابلة للتطبيق” عند الجانبين.

لكن، عندما باشر الجانب الفرنسي اتصالاته مع “حزب الله” مباشرة، ومن خلال رئيسَي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، سعى إلى انتزاع تنازلات لتوفير عناصر الأمن للعدو، واستخدم كل أنواع التهويل والتحذير في معرض حثّ لبنان على القبول بتسوية سريعة.

وكانت ملفتة مسارعة باريس الأسبوع الماضي إلى طرح ورقة عمل انطلقت من معطيات تفيد أن الهدنة في غزة باتت وشيكة، رغم ما نُقل عن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن هناك وقتاً مفتوحاً قد يمتد إلى نهاية الشهر الجاري أو حتى بداية شهر رمضان.

وعلى هذا الأساس، وصل وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيغورني إلى بيروت، حاملاً “الورقة – المقترح”، وأبلغ المسؤولين في لبنان أن المدير العام للخارجية الفرنسية فريديريك موندولوني والمدير العام لشؤون الاتصالات الاستراتيجية في وزارة الدفاع أليس روفو، سيصلان خلال يومين إلى لبنان لمناقشة مضمون الورقة.

وبحسب المعنيين، فإن الورقة هي عبارة عن صفحتين بالإنكليزية (non-paper)، تحت عنوان “ترتيبات أمنية بين لبنان وإسرائيل”. وهي تشير في الجزء الأول إلى تفاهم نيسان 1996، وتقترح “آلية لمجموعة من الخطوات الهادفة إلى خفض حدة التصعيد ضمن مسار تدريجي يسير على مراحل مع بدء التهدئة في غزة. على أن تلتزم الأطراف بهدف اتخاذ قرار جدّي لوقف إطلاق النار، عندما تكون الظروف مناسبة، بهدف ضمان التنفيذ الفعَّال لقرار مجلس الأمن الرقم 1701، الذي يظل الأساس لاستقرار الوضع على الحدود”.

وتقترح الورقة “تشكيل مجموعة مراقبة تتألف من الولايات المتحدة وفرنسا ولبنان وإسرائيل لمراقبة تنفيذ الترتيبات الأمنية التي سيجري الاتفاق عليها، والتعامل مع الشكاوى التي يمكن أن تقدّمها الأطراف”.

ويجري التنفيذ، وفق الورقة، على ثلاث مراحل من التنفيذ، الأولى: لا سقف زمنياً لها وتتصل بوقف العمليات العسكرية على جانبَي الحدود، مع شروحات مفصّلة حول دور خاص لقوات “اليونيفل” وفق قواعد القرار 1701. أما المرحلة الثانية، فمدتها ثلاثة أيام، وتهدف إلى “تفكيك مواقع حزب الله وانسحاب المقاتلين والمنظومات الصاروخية والقتالية ضمن مدى 10 كيلومترات شمال الخط الأزرق” (…) وتعمد إسرائيل في المقابل إلى وقف كل أنواع الطلعات الجوية فوق لبنان”. وهذه المرحلة “تواكبها عملية انتشار لـ15 ألف جندي من الجيش اللبناني في كل منطقة جنوب نهر الليطاني، ويجري تنسيق العمل بعد استئناف الاجتماعات الثلاثية في الناقورة”.

وبحسب الورقة فإن المرحلة الثالثة، يفترض أن “تُنجز خلال عشرة أيام”، وتقضي بإطلاق مفاوضات هدفها “ترسيم متدرّج للحدود البرية وفق القرار 1701 والمشاركة في مفاوضات حول خريطة طريق لضمان إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي ظهور مسلح أو مواقع عسكرية أو مواد قتالية باستثناء تلك التابعة للحكومة اللبنانية وقوات اليونيفل”. كما تشير إلى “توفير دعم لتعزيز قدرات الجيش اللبناني، وكذلك توفير دعم اقتصادي لمنطقة الجنوب اللبناني”.

وأضافت مصادر “الأخبار”: أرسل الفرنسيون نسخة من هذه الورقة إلى قيادة “حزب الله” التي قرّرت عدم التفاعل وجدّدت للوسطاء بأن الحزب غير معنيّ بأي بحث قبل وقف الحرب على غزة. فما كان من الوفد إلا التوجه صوب الرئيسيْن نبيه بري ونجيب ميقاتي، فنصح الأخير الوفد بالوقوف على رأي الرئيس بري على وجه الخصوص.

كان الوفد يأمل من اللقاء مع بري الحصول على موافقة مبدئية تسمح له بإطلاق ورشة العمل. لكنّ رئيس المجلس ناقش الورقة بنداً بنداً، وقال رأيه في كل نقطة. وأهم ما ركّز عليه هو أنه “في ظل عدم الحديث عن قرار دولي جديد، وبما أن القرار 1701 يمثل الإطار الناظم لكل ما يجري على الحدود، وبما أن لبنان يجد في القرار مصلحته الوطنية، ويريد التقيّد به، فإن الأفضل، هو عدم وضع اقتراحات لتفاهمات جانبية أو اتفاقات بديلة، وإنه يمكن العمل على تنفيذ هذا القرار”.

وتوجّه بري إلى الوفد الفرنسي قائلاً: “اذهبوا وأقنعوا إسرائيل بتنفيذ القرار الدولي، والانسحاب من النقاط التي لا تزال تحتلها، والتوقف عن كل الخروقات البرية والبحرية والجوية، وعندها ستجدون لبنان أكثر التزاماً بما يتوجب عليه وفق القرار”.

وقد سمع الوفد الفرنسي من بري كلاماً واضحاً فيه “رفض لمقترح ترتيبات أمنية”. وأبلغ المسؤولون اللبنانيون الوفد بأنه “لا وجود لشيء اسمه ترتيبات أمنية بين لبنان وإسرائيل، وأن لبنان يرى في الورقة نفسها خرقاً للقرار 1701”.

كما أنه “لا يمكن للبنان القبول بلجنة تضم إسرائيل لمراقبة تنفيذ الترتيبات الأمنية”. وسأل بري الوفد الفرنسي: “أين هو دور اليونيفل ولماذا لا تتولى هي المراقبة؟”.