الملحقون الاقتصاديّون باقون… ولكن

/ ندى ايوب /

عاد ملف الملحقين الاقتصاديّين في البعثات الدبلوماسية إلى الواجهة مع تراجع وزارة الخارجية عن قرار الاستغناء عن خدماتهم. وكما كان قرار إنهاء عقودهم اعتباطياً، أتى قرار الإبقاء على خدماتهم عشوائياً، بما أفرغ القرار من مضمونه

في آب الماضي، تبلّغ 14 ملحقاً اقتصادياً (من أصل 20) عيّنتهم وزارة الخارجية عام 2020 بقرار إنهاء عقودهم نهاية هذه السنة. القرار الذي أملته الأزمة الاقتصادية وصفته مصادر دبلوماسية حينها بـ«غير الصائب»، وعارضته وزارات معنيّة بالتصدير كالزراعة والصناعة والتجارة والاقتصاد، إلى جانب الهيئات الاقتصادية وجمعية الصناعيّين، نظراً إلى المساهمة التي يمكن أن يقدّمها هؤلاء في عقد اتفاقيات وتنظيم معارض للمنتجات اللبنانية وتقديم المشورة لرجال الأعمال والمساهمة في تسوية أيّ نزاعات بين لبنان والدول التي عُيّنوا فيها.أمام الاعتراضات، ارتأت الوزارة السير بتسوية تقضي بتجديد عقود الملحقين لمدة سنة، وفقاً لشرطين: خفض الرواتب والتخلّي عن الملحقين في الدول التي لا فائدة من وجودهم فيها. غير أنّ التسوية طُبّقت عشوائياً واستُغلّت لإجراء مناقلات بين الملحقين لأسباب غير معلومة. فعلى سبيل المثال، نُقل الملحق رالف نعمة من بريطانيا إلى الإمارات مكان الملحق كلود خوري الذي نُقل إلى كندا. والسؤال هو: طالما أنّ الإمارات صُنّفت من بين الدول التي يفترض أن يكون للبنان ملحق اقتصادي فيها، لماذا تمّ استبدال الملحق المُعتمد هناك منذ سنوات بآخر يحتاج إلى نحو العام (هي مدة العقد) لفهم السوق ونسج شبكة العلاقات التي يحتاج إليها لأداء دوره؟
الأمر نفسه ينطبق على الملحق الاقتصادي في ألمانيا عبده مدلج الذي نُقل إلى نيجيريا، وحلّت مكانه الملحق رنا رزق المعتمدة في ساحل العاج. فيما نُقل إلى ساحل العاج الملحق الاقتصادي المُعتمد في اليابان. وتكرّر الأمر في السعودية التي سيغادرها الملحق علي أبو علي إلى الأردن ليحلّ مكانه شادي أبو ضهر آتياً من قطر والكويت.

بموجب التبديلات، تخلّت «الخارجية» عن الملحقين في كل من بريطانيا وقطر وروسيا والكويت واليابان. وفيما تجمع الآراء على أنّ اليابان ليست ذات أهمية للبنان على الصعيد الاقتصادي، تليها الكويت نظراً إلى مواجهة التصدير اللبناني إليها صعوبات كبيرة، إلّا أنّ من المستغرب سحب الملحق من قطر المهتمّة بالشأن اللبناني، والتي تشهد العلاقات معها نوعاً من الانفتاح والهدوء بخلاف الوضع مع بقية دول الخليج. كما كان مستغرباً إلغاء منصب الملحق الاقتصادي في روسيا (كان يتولّاه وسام سوبرة الذي تقرّر نقله إلى الصين) وإسقاط روسيا من قائمة الدول المفترض توطيد العلاقات التجارية معها، ولا سيّما أنّها تضم جالية لبنانية كبيرة، وتربطها بلبنان علاقات جيدة.

وفي أوروبا الغربية، تخلّت «الخارجية» عن ملحقها في لندن الخارجة من الاتحاد الأوروبي، فيما أبقت على ثلاثة ملحقين في ثلاث دول منضوية في الاتحاد ومتجاورة جغرافياً، هي: فرنسا وألمانيا وبلجيكا، في حين كان يمكن الإبقاء على ملحقٍ واحد أو اثنين للدول الثلاث، والإبقاء على ملحق في لندن. وفي المحصّلة حافظ الملحقون في واشنطن وباريس وبروكسل والقاهرة وبغداد والبرازيل على مراكزهم.

رواتب جديدة وحسومات
وبموجب قرارات وزارة الخارجية، فسوف ينخفض المعدّل الوسطي لرواتب الملحقين بموجب عقود جديدة ستُوقّع خلال أيام، بنسبة 30%، فيتراجع الراتب من 10 – 12 ألف دولار إلى 7 – 8 آلاف دولار. ويُتوقّع أن يرفض عدد من الملحقين تجديد العقد، خصوصاً أنه يترافق مع عدم تغطية الوزارة لكلفة انتقال الملحقين (وهم من الفئة الثالثة) من بلدٍ إلى آخر، على غرار ما ينطبق على دبلوماسيّي الفئة الثالثة، وتحميلهم مسؤولية خطأ مالي ارتكبته الوزارة، إذ بدأت وزارة المالية من شباط الماضي احتساب بدلات السكن والتعويضات العائلية للملحقين على سعر صرف 15000 ليرة، أما أصل الراتب، فيُحتسب على سعر «صيرفة»، في حين أنّ الخارجية سدّدت للملحقين رواتبهم وضمناً بدلات السكن والبدلات العائلية على سعر «صيرفة».

ومع استدراك الوزارة للأمر، قرّرت بعد طلب رأي مجلس الخدمة المدنية، أن تحسم الفروقات المالية، والتي تصل في بعض الحالات إلى 20 ألف دولار، بمفعولٍ رجعي من رواتب الأشهر الأربعة الأخيرة من العام، (من شهر 9 إلى شهر 12) وهي رواتب متراكمة في ذمّة الوزارة. لذلك، يرى البعض أن ما يحصل، يهدف إلى «تطفيش» المعنيين، لأنهم يعتقدون أن بمقدور الوزارة إيجاد صيغة أكثر عدالة، للحفاظ على هذا النوع من الكوادر.