صحيح أن الصلاحية في هذا الشأن كانت للحكومة ولكن المجلس النيابي تصدى تشريعياً وقام بدوره في هذا المجال خشية الدخول في الفراغ بعدما تم تشكيل جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم إلى الثلاثاء المقبل بفعل تسريح النصاب بعد إعتذار بعض الوزراء وعدم قدرة البعض الآخر على الوصول الى السراي بسبب الاعتصام الذي نفذه العسكريون المتقاعدون في المحيط.
من ميدان التشريع إلى الميدان الجنوبي الذي شهد اليوم لأول مرة وبالتزامن مع القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي المعادي…إلقاء مسيرات إسرائيلية منشورات تحريضية ضد المقاومة فوق بلدة كفرشوبا في تأكيد إضافي على فشل العدوان.
إلى ذلك قصف جيش العدو الإسرائيلي بالطائرات المسيرة والمدفعية محيط بلدات حولا وبليدا ومحيبيب و الخيام والضهيرة وعلما الشعب ومنطقة اللبونة.
وفي بداية اليوم السبعين من العدوان على غزة تكبّد الجيش الإسرائيلي المزيد من الخسائر البشرية في معارك جنوبي القطاع بعد أن تعرض بالأمس لضربات موجعة من المقاومة التي أكدت قتل 36 جنديا إسرائيليا وإصابة العشرات خلال 72 ساعة.
وما لم يقله مجلس الحرب قاله مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان الذي أعلن من الكيان العبري ان الحرب في غزة ستنتقل إلى مرحلة جديدة تركز على الاستهداف الدقيق لقيادة حركة حماس وعلى العمليات المدعومة بالمعلومات الاستخباراتية بالإضافة للانتقال إلى عملية عسكرية أقل كثافة.
سبعونَ يوماً من الجهادِ والمقاومةِ الضاريةِ على طولِ قطاعِ غزةَ وعرضِه ، سبعونَ يوماً والقابضونَ على الزنادِ لم يَتعبوا، يخرجون من تحتِ الارضِ معَ كلِّ فجرٍ في رحلةٍ مباركةٍ ليَعودوا وفي جَعبتِهم أسماءٌ لجنودٍ وضباطٍ قد شُطبت من لوائحِ عديدِ الجيشِ الصهيوني ، يُخبرونَ عن ملاحمَ في شوارعِ ومدارسِ ومباني القطاعِ لم يَستطع العدوُ اخفاءَها تحتَ هذا الركامِ الفظيع ، فأقرت أوساطٌ صهيونيةٌ بضراوةِ المعاركِ في العمليةِ البريةِ التي دخلت في أكثرِ مراحلِها حساسيةً، فالمقاومةُ – بحسَبِ هؤلاء- استطاعت التأقلمَ والاستفادةَ من وجودِ الجنودِ على الارضِ لتسديدِ الضرباتِ القاتلةِ لهم والتي تطالُ كبارَ القادةِ العسكريينَ حيثُ تتمتعُ المقاومةُ بتفوقٍ نسبيٍ على الجيشِ الاسرائيلي.
وذهبت الاوساطُ الصهيونيةُ الى وصفِ القتالِ بأنه الاكثرُ قساوةً في العالم ، وانَ كلَ زاويةٍ في القطاعِ تشهدُ قتالاً قاسيا ، فيما رَصدت مراسلةُ “السي ان ان” المشهدَ من زاويةٍ اخرى ، وقالت بعدَ جولةٍ في القطاعِ أغضبت الصهاينة: ليسَ عليكَ أن تبحثَ عن المأساةِ في غزة ، لانكَ تراها أينما ذهبت، فلا مكانَ آمناً هناك.
كما لا مكانَ آمناً للصهاينةِ في القدسِ حيثُ كانت الصواريخُ تصلُ اليومَ الى المدينةِ المقدسةِ حيثُ سُجل هروبٌ جماعيٌ للصهاينة ، وترحيبٌ وتهليلٌ فلسطينيٌ للصورايخِ القادمةِ من قطاعِ غزة.
أما الصواريخُ القادمةُ من اليمن ، فكانت اليومَ تصطادُ سفينيتنِ رفضتا الاذعانَ لقرارِ حظرِ دخولِ السفنِ الى كيانِ الاحتلالِ عبرَ بابِ المندب ، فندَبَ مرفأُ ايلات حظَه العاثرَ معَ ما يتهددُه من توقفٍ دائمٍ عن العمل ، فيما يتعثرُ الاميركيون والصهاينةُ في مواجهةِ جبهةِ البحرِ الاحمر. فمجلسُ الوزراءِ الحربيُ في كيانِ العدوِ قرَّر عدمَ الردِ العسكري في اليمن، متذرعاً بعدمِ تحقيقِ اهدافِ اليمنيينَ بصرفِ انتباهِ جيشِ الاحتلال عن الحربِ في غزة. على جبهةِ جنوبِ لبنان، البراكينُ والصورايخُ الموجهةُ واصلت دكَ مواقعِ وتجمعاتِ الاحتلالِ على طولِ الجبهةِ التي شَيعت فيها المقاومةُ الاسلاميةُ اثنينِ من شهدائها فيما زفت شهيداً على طريقِ القدس اما نسورُ الزوبعة فزفوا شهيداً على طريقِ فلسطين.
مبروك.
لم تكن المرة الاولى اليوم، ولن تكون الاخيرة، التي ينتصر فيها منطق النكايات السياسية على السيادة والدستور والقانون.
ولو لم يكن الامرُ كذلك، لما كنا اليوم في عصر الانحطاط السياسي، والانهيار التام للقيم والاخلاق، قبل الدولة والمؤسسات.
فلو كانت في لبنان اصلا اكثرية سياسية
سيادية لا تبعية، تناصر الدستور لا النكد، والقانون لا الالاعيب، لما كنا في بلد بلا رئيس، وبتشريع غُبّ الطلب، وسلطة تنفيذية خارجة على منطق الدولة، تماما كما تأكد اليوم.
مبروك…
كثيرون نجحوا اليوم.
نبيه بري نجح بفرض التشريع الاعتيادي في غياب رئيس الدولة، الذي لن يكون قادرا بطبيعة الحال على ممارسة صلاحية رد القوانين، خصوصا ان بينَها ما تم اقرارُه كيفما كان.
نجيب ميقاتي نجح في القاء كرة النار من بين يديه، ليقول لمُراجعيه الخارجيين: دعوتُ الوزراء، لكنهم لم يلبوا النداء.
وليد جنبلاط ارتاح من همّ رئاسة الاركان في هذه المرحلة الحرجة في الجنوب والمنطقة.
الكتائب وبعض نواب 17 تشرين، نجحوا في المزايدة على القوات، حيث لم يشاركوا الا بتشريع التمديد، فيما قدّمت القوات على طبق من فضة، ما تبقى من صلاحيات رئيس الجمهورية الوطني اللبناني المسيحي، للمتربصين.
اما التيار الوطني الحر، فمعركتُه التي لم تكن يوما شخصية ضدَّ احد، بل معركةُ سيادة ودستور وقانون وكفاءة، فسيتبيّن في القريب العاجل، انه الرابحُ الاكبر… فماذا ينفع الحزبَ او التيارَ السياسي اذا ربح كلَّ معارك ضرب الدستور وخرق القانون وتمزيق السيادة، وخسرَ نفسه؟ وفي المقابل، ماذا ينفعُ خصومَ التيار في الداخل والخارج، اذا نجحوا مجددا في فرض امرٍ واقعٍ مؤقت، لكنهم لم يسحقوه، ولم يأخذوا توقيعَه؟
العماد جوزيف عون قائدا للجيش حتى العاشر من كانون الثاني 2025.
من دون تدوير زوايا، النتيجة: انتصار قائد الجيش وهزيمة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
خلُصَت المعركة إلى انهيار كل السيناريوهات المحتملة: من تكليف اللواء بيار صعب، إلى طرح إسم العميد طوني قهوجي لمنصب قائد الجيش، كما انهيار سيناريو التمديد في مجلس الوزراء، الذي كان سيشكِّل لقمة سائغة للطعن.
السؤال هو: ماذا في “اليوم التالي” للتمديد؟
كيف ستكون العلاقة بين رئيس التيار وحزب الله الذي غطَّى حليفُه الجلسة؟
هل يدفع تفاهم مار مخايل الثمن؟
وفي حال وقع الطلاق بين حارة حريك وميرنا شالوحي، هل ستُخلَط أوراق التحالفات؟
وإذا ذهبنا أكثر، هل دفع رئيس التيار اليوم ثمن عدم السير بالوزير فرنجيه للرئاسة؟ هل يستحضر التيار ذاكرة اتفاق الدوحة الذي انتهى إلى تبني العماد سليمان بدل العماد عون?
ما حصل اليوم ثبَّت جملةً من التوصيفات: الرئيس بري لاعبٌ ماهر لا يضاهيه أحدٌ في اللعبة البرلمانية.
الرئيس نجيب ميقاتي مناورٌ بارع، “زركَ الجميع” في جلسة اليوم، وتطييرُ نصابها جاء مخرجا لمجلس النواب لكي “يملأ الفراغ”، ” فتلقف الرئيس بري “كرة النار” على قاعدة: “المجلس عايز كده”.
ما بعد التمديد لن يكون كما قبله، خصوصا أنه ياتي في ظل تقدم طرح تطبيق القرار 1701.