/ هيام القصيفي/
فتح قائد الجيش العماد جوزف عون معركة التمديد له في اليرزة. وهو، بسعيه إلى تأمين غطاء بكركي لبقائه في منصبه، يضاعف من الحساسيات التي ترافق محاولات إيجاد سبل للخروج من مأزق الفراغ في مركز القيادة وتأمين مخارج واضحة
قبل شهرين من انتهاء ولايته، فتح قائد الجيش العماد جوزف عون، من دون أي لبس، معركة التمديد لنفسه في منصبه. زيارته لبكركي الأسبوع الماضي، بعد عودة البطريرك بشارة الراعي من سفر طويل، لم تكن لتهنئته بالسلامة، بل طلباً لحماية الراعي الذي أبدى تأييداً للتمديد لعون، ورفض تعيين بديل منه، في تباين واضح مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي زار بكركي عشية زيارة قائد الجيش.
لذا، لم يعد ممكناً لقائد الجيش القول إنه لا يطلب شيئاً لنفسه في ملف رئاسة الجمهورية، ولا في التمديد له كجسر عبور إلى قصر بعبدا. وإذا كان في الأشهر الماضية التي تلت انتهاء عهد العماد ميشال عون، لم يدخل بازار الرئاسة علناً، إلا أنه جهر بوضوح، ومن دون مواربة، برغبته بالتمديد له على رأس المؤسسة العسكرية. فبعدما بات الوقت ضيّقاً وضاغطاً، صار من الملحّ، إذا ما أراد الحفاظ على حظوظه الرئاسية، أن يسرّع خطواته للبقاء في منصبه، في وقت تصاعدت الحملة السياسية لمنع التمديد له. وبالتالي، لم يعد في جعبته سوى الإطلالة العلنية من بكركي ومحاولة الحصول على غطاء منها، وهو ما ناله بالفعل. غير أن ذلك لن يمر من دون تداعيات داخلية. فرغبة قائد الجيش ليست ورقة يمتلكها وحدَه في نهاية المطاف، إذ إن القرار الفعلي في أيدي لاعبين محليين وخارجيين، وكل ما يمتلكه «القائد» اليوم، معركة مضادة لقطع الطريق على أي سيناريوهات – أياً تكن هوية المستفيدين منها – تنهي ولايته في 10 كانون الثاني المقبل.
وفي معلومات على جانب من الصدقية، لا تمانع واشنطن تعيين قائد جديد للجيش. وهي تفضّل دوماً «الجانب الآمن» في ملف حساس كموقع قيادة الجيش، ووضوحاً في طرق حله، ولا تحبّذ الجو التصادمي الداخلي حولها، نظراً إلى أهمية المؤسسة عسكرياً وأمنياً، ولموقعها المختلف عن حاكمية مصرف لبنان. لذلك، ترغب بجلاء الغموض وعدم ترك المؤسسة تغرق في بلبلة داخلية نتيجة عدم الاتفاق على مخرج واضح. وبحسب المعلومات نفسها، فإن واشنطن لم تكن مرة متمسّكة بشخص قائد الجيش، بقدر تمسّكها بموقعه. وما دام أن أي ضابط سيتولى المسؤولية سيكون على تماس وتنسيق دائم معها، لن تتوقف المساعدات التي لا ترتبط بشخص القائد. أضف إلى ذلك ما تردّد في واشنطن، في الأشهر الأخيرة، من كلام له صدى فاعل حول ملاحظات على أداء عون تحت وطأة سعيه إلى رئاسة الجمهورية، ولا سيما بعد المناورة العسكرية التي أجراها حزب الله في الجنوب في أيار الماضي. علماً أن هناك في المقابل، حملة لبنانية المنشأ بدأت في العاصمة الأميركية «تهوّل» من مخاطر ترك قائد الجيش الحالي منصبه بحجّة عدم وجود مخرج قانوني مناسب لتأمين بديل منه، وبأن خروجه سيتسبب بفوضى في المؤسسة.
وهنا تُطرح أسئلة بين بيروت وواشنطن حول فاعلية المخارج المتداولة. فإذا كان مجلس الوزراء قادراً على تعيين رئيس للأركان، لماذا تعيين بديل بدل تعيين الأصيل، في حال كان الهدف تأمين عمل الجيش بسلاسة ومن دون عوائق. والتذرّع بأن مجلس الوزراء لم يعيّن حاكماً للمصرف المركزي، ومديراً عاماً للأمن العام، لا ينطبق على حالة الجيش الذي يحتاج إلى وجود فاعل من دون مآخذ سياسية وقانونية. وحتى الآن لا يوجد عائق سوى ما ترفضه بكركي من عدم جواز تعيين قائد للجيش في غياب رئيس للجمهورية يفترض أن يعيّن هو رأس المؤسسة العسكرية. لكنّ انتخاب رئيس لا يبدو واقعاً في المدى المنظور، ما يعني ترك المؤسسة في موقع ملتبس لشهور طويلة.
وبين رفض الحزب التقدمي الاشتراكي رمي كرة النار في ملعب رئيس الأركان وحده، والتباين المسيحي حيال مصير القيادة العسكرية الحالية، لم يقل حزب الله كلمته النهائية بعد، رغم أنه أساساً رفض التعيينات سابقاً في مجلس الوزراء في ما يتعلق بالحاكمية وبالأمن العام. لكنه، في هذه المرحلة التي تلوح فيها مخاطر حرب غزة، لا يريد الضغط على حلفائه المسيحيين، وفتح باب الخلافات مجدداً مع التيار الوطني الحر الذي وقف إلى جانبه، أو مع تيار المردة، وتبعاً لذلك لن يوافق على التمديد لعون من دون رضى التيار. وهو، في المقابل، لا يريد مشكلة إضافية مع المسيحيين، أو استفزازهم، في ترك الفراغ في قيادة الجيش، أو تأمين مخرج لا يتوافق الجميع على قانونيته. وهنا ثمة كلام عن أنه سيقف إلى جانب بكركي إذا وقفت الأخيرة موقفاً واضحاً مما يجري في غزة وغادرت الحياد البطريركي إلى تسمية الأشياء بأسمائها، ما يفتح حينها عند كل الأفرقاء باب البازار والأثمان السياسية، ويجعل الأسابيع المقبلة محكاً لصلابة التحالفات والتعهّدات.