يحيى السنوار.. “الميّت الحيّ”!

| نيري زيبلر |

قبل عقود من هندسته لعملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ضد الاحتلال الإسرائيلي، كان يحي السنوار، زعيم “حماس” في غزة الذي يوصف بكونه “الرجل الميت الحي”، سجيناً لدى الاحتلال الإسرائيلي، حيث حكمت عليه محكمة عسكرية بتهم تنفيذ عمليات قتل، وكان رده هو تعلم العبرية.

كيف خدع يحيى السنوار إسرائيل لمدة عقود؟

المحقق في “شين بيت”، ميخا كوبي الذي حقق مع السنوار، قال عنه: “لقد قرأ كل الكتب التي ظهرت عن الرموز الإسرائيلية البارزة، من فلاديمير جاكوبونتسكي ومناحيم بيغن واسحاق رابين. تعلّم من القاع وتدرج إلى القمة”.

لم تمض سوى 15 عاماً على سجنه، حتى أظهر طلاقته باللغة العبرية، في لقاء مع قناة عبرية تلفزيونية، وحث فيه الرأي العام “الإسرائيلي” على دعم الهدنة مع حركة “حماس”، بدلاً من الحرب. حيث قال: “نفهم أن إسرائيل تجلس على 200 رأس نووي، وأكبر قوة متقدمة بالمنطقة، وليست لدينا القدرة على تفكيك إسرائيل”.

رغم كل هذا فقد أصبح السنوار، أكبر مطلوب لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي، ووصفه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ “الرجل الميت الحي”، حيث حمله مسؤولية أكبر هجوم ضد “إسرائيل” وقتل فيه أكثر من 1.400 شخص. ويعتبر التخلص منه أهم هدف في الحملة الإسرائيلية لـ “تدمير حماس”.

قبل توغل “حماس”، كان لدى إسرائيل تجربة 40 عاما في التعامل مع السنوار، لكن هذه المعرفة جعلت المخابرات الإسرائيلية متواطئة نوعاً ما.

وعشية الحرب، نظرت “إسرائيل” إلى السنوار على أنه “متطرف خطير، ولكن اهتمامه هو توطيد سيطرة حماس على القطاع والحصول على تنازلات اقتصادية لا محاربة إسرائيل”.

كان سوء قراءة المخابرات لشخصية السنوار مقدمة لأكبر فشل أمني ذريع. وبالنسبة للبعض فقد استطاع زعيم “حماس” خداعهم، فيما قال الضابط السابق في الاستخبارات والخبير في الشؤون الفلسطينية، مايكل ميليستين، “لم نفهمه أبداً بطريقة عقلانية… صفر”.

الصورة التي قدمها عدد من الأشخاص الذين قضوا فترة معه ولعدة عقود تفيد أنه “شخصية جذابة وعصبي المزاج ويتمتع بحضور طاغ”، مشيرة إلى أن كوبي، يتذكر تحقيقه مع السنوار عام 1989، وكان ذلك في ذروة الانتفاضة الأولى، وكان كوبي ضابطاً في “شين بيت” مهمته ملاحقة أعضاء “حماس”، والتي كانت في بداياتها في غزة. وكان السنوار معروفاً بكنية “أبو إبراهيم”ـ وساعد على بناء الجناح العسكري لـ”حماس” “كتائب القسام”، ولكن اعتقاله في نهاية الثمانينيات كان بسبب ملاحقته المتعاونين أو المشتبه بتعاملهم مع “إسرائيل”.

ويقول كوبي: “إن السنوار تفاخر، بالتعذيب الذي مارسه على عميل مشتبه به من فصيل آخر”. ويزعم كوبي أن “السنوار طلب من شقيق المخبر، أحد عناصر حماس، أن يدفن شقيقه. وأدانت محكمة إسرائيلية سرية السنوار بقتل 12 شخصاً، حسب العارفين بالأمر”.

في السجن أصبح زعيماً لكل سجناء “حماس” في المعتقلات الإسرائيلية. وفي نقطة أجريت له عملية عام 2004 لإزالة ورم على دماغه، حسب زعم السلطات الإسرائيلية. وبحسب تقييم استخباراتي إسرائيلي في ذلك الوقت عنه بأنه “قاس وسلطوي ومؤثر يقبل به أصدقاؤه وله قدرة غير طبيعية على التحمل والدهاء، وقادر على التلاعب وراض بالقليل، وسري حتى داخل السجن وبين بقية السجناء، ولديه القدرة على تأجيج الجماهير”.

نشأ السنوار في خان يونس، جنوب غزة، وظهر على المشهد السياسي في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، كناصح لزعيم “حماس” الروحي، الشيخ أحمد ياسين. وكان جار السنوار في خان يونس، محمد الضيف، زعيم “حماس” العسكري الحالي. وبالإضافة إلى المساعدة على بناء الجناح العسكري ل”حماس”، كان السنوار مسؤولا عن الجهاز الداخلي السري “مجد” المكلف بملاحقة العملاء.

أصبح السنوار شخصاً أسطورياً للفلسطينيين، وبخاصة داخل غزة. وقال ناشط فلسطيني بارز في القدس: “شعر الكثير من الفلسطينيين بالفخر، ويحظى السنوار بشعبية في الشارع الفلسطيني. ولكن المعتدلين الفلسطينيين يفهمون أنه أرسلنا للعصر الحجري، بسبب الهجوم على إسرائيل وما بعده”.

قال شخص على معرفة به، إن “الجميع في “حماس” يخافون منه، ولا أحد وقف أمامه قبل تنفيذ هذه العملية، وكانت عملية عسكرية ولكن بتداعيات قيامية.

وخرج السنوار من السجن في عام 2011 بعد 22 عاماً فيه، وكان جزءاً من عملية تبادل شملت على 1.000 فلسطيني مقابل الجندي الأسير لدى “حماس”، جلعاد شاليط. وفي عام 2017، انتخب زعيما للجماعة في غزة، وحل محل اسماعيل هنية، الذي أصبح الزعيم السياسي لـ”حماس” ويقيم في قطر”.

وتحول السنوار لزعيم سياسي، قابل الدبلوماسيين الأجانب وخاطب الجماهير، وفي ظله عملت “حماس” على إجبار “إسرائيل” على محادثات غير مباشرة عبر مصر وقطر والأمم المتحدة. وقال مسؤول إسرائيلي، بداية العام الحالي، إن “الصواريخ هي قدرتهم للحوار معي”.

وتابع المصدر نفسه: “بسببه، وافقت دولة الاحتلال الإسرائيلي على منح تصاريح عمل للغزيين ودخول الأموال عبر قطر. لكن لا أحد يعرف دافع السنوار للعملية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر”.

يقول شخص يعرف السنوار إنه “شخص ينظر لنفسه بأن لديه مهمة في العالم”. لكن التقييم الإسرائيلي عن “حماس” التي يقودها السنوار أنها “ردعت عن الدخول في حرب أخرى، وأصبحت مهتمة بعقد اتفاق واسع مع إسرائيل”.

ويعتقد المحللون الاستخباراتيون أن “العملية التي نفذتها حماس احتاجت عاما من التحضيرات، ولهذا كان مظهر السنوار البراغماتي واجهة لشراء الوقت ومجرد خداع”.

وتواجه غزة هجوماً مدمراً، والسنوار الهدف الرئيسي، لكن “إسرائيل” تلقت درساً ومصير المنطقة على المحك، وربما كان هذا انتصاراً كافيا للسنوار”. ويقول كوبي: “لن يستسلم، وسيموت في غزة”.