/ ماهر سلامة /
لا يزال الاقتصاد “الإسرائيلي” ينزف منذ إطلاق الحرب الإجرامية على غزّة منذ أسبوعين. شلل يصيب الدورة الاقتصادية. وجدل قائم حول ماذا يجب أن يفعل المصرف المركزي في مواجهة التحدي القائم. علماً أن الكيان يواجه مشكلتين: واحدة تتعلّق بارتفاع الأسعار الناتج عن موجة التضخّم العالمية المستمرّة حتى اليوم. وأخرى تخصّ حاجة الكيان إلى التعامل مع ركود اقتصادي بات واقعاً لا مفرّ منه.
منذ بداية عام 2022 قام المصرف المركزي “الإسرائيلي” برفع معدلات الفائدة بشكل متدرّج لمواجهة تداعيات التضخّم، الذي أصاب كل اقتصادات العالم. الخطوة تأتي لمواجهة التضخّم المستشري، بالأدوات النقدية من جهة، وبسياسة الخوف من هجرة رؤوس الأموال من جهة أخرى، إذ إن رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي معدلات الفائدة، يساهم في رفع عوائد الاستثمار في الولايات المتحدة (ولا سيما في سندات الخزينة الأميركية التي تُعتبر أدوات مالية خالية من المخاطر). بمعنى أدقّ، إذا لم تقم المصارف المركزية الأخرى في العالم برفع معدلات فوائدها، فستعرّض نفسها لهجرة رؤوس الأموال بشكل كبير وخطير، ما يساهم في خلق أزمات نقدية وأخرى مالية ومصرفية وغير ذلك من المخاطر.
اليوم، يقف مصرف العدو المركزي أمام مفترق طرق. وهو مسؤول عن خلق الاستقرار في الاقتصاد، والدفاع عن العملة المحلية واستقرار الأسعار. وأي خيار سيتّخذه ستترتب عليه نتائج تتضارب مع مسؤولياته. فهو اليوم مُطالَب بخفض معدلات الفائدة، من أجل تحريك العجلة الاقتصادية، من خلال خفض كلفة الاستدانة على المؤسسات وعلى الأسر، وبالتالي تحفيز الاستثمار الحقيقي في الاقتصاد وزيادة الطلب وتعزيز حركة الاستهلاك.
لكن خفض معدلات الفائدة يعني خفض عوائد الاستثمارات المالية بالمقارنة مع العوائد في البلدان الأخرى، أي إن الاستثمار في “إسرائيل” يُصبح أقل جاذبية للمستثمر، خصوصاً الخارجي، وبالتالي يخلق موجة هجرة لرؤوس الأموال، التي كانت تهاجر أصلاً، حتى قبل بداية الحرب، بسبب المشاكل السياسية الداخلية. وهذا الأمر، يضاف إلى الخسائر التي لحقت بقيمة الشيكل مقابل العملات الأخرى، منذ بداية الحرب، حيث بلغ سعر الصرف 4.06 شيكل مقابل كل دولار وهو المستوى الأدنى له منذ عقد. كما أن خفض معدلات الفائدة سيضرب أسواق الأسهم والسندات التي تعاني أصلاً من خسائر فادحة منذ بداية الحرب. بالإضافة إلى ذلك، هذه الخطوة تعني أن السندات الجديدة التي ستصدرها حكومة العدوّ، لتغطية التكاليف المترتبة عن الحرب، لن تكون جاذبة للمستثمرين أيضاً.
إشارة إلى أنه إذا قرّر مصرف العدو المركزي عدم التدخّل في أسعار الفائدة، فسيقف متفرّجاً على تدهور اقتصادي لم يشهده الكيان منذ زمن. وتعكس ذلك الأرقامُ التي تتوالى تباعاً من “إسرائيل”، سواء في ما يخصّ حجم تسريح العمّال، الذي يتزايد يومياً، وحجم اليد العاملة الأجنبية التي تخرج تباعاً من الكيان بسبب الحرب. وانعكاسات هذه الأمور على الإنتاج في الاقتصاد “الإسرائيلي” ليست سهلة، وهي تطاول أكثر القطاعات حيوية في الكيان، وخصوصاً قطاع التكنولوجيا. والفكرة الأساسية هي أن هذه الأكلاف تتراكم يومياً على اقتصاد الكيان، وإطالة الحرب تعني مضاعفتها، وهذا عامل مؤثّر في آلية اتخاذ قرار الاستمرار في العدوان من عدمه.