أكد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، أن “13 تشرين 1990 هو تاريخ حفر في ذاكرتا ووجداننا عميقا، وصقل شخصيتنا السياسية لدرجة أننا نعتبر أنفسنا أبناء 13 تشرين، أبناء مدرسة رأت في النهاية بداية، فنهاية المقاومة العسكرية صارت بداية المقاومة السياسية، مدرسة رأت في الخسارة ذلا للرابحين، وفي الربح شرفا للخاسرين، مدرسة عرفت كيف تحول خاتمة حزينة ومؤقتة لمقاومة انخرط فيها جيش وشعب ضد احتلال اعتقد أنه أزالهم، الى مرحلة مشرفة لنضال انخرط فيه شباب وشعب ضد وصاية حتى أزالوها”.
وأضاف باسيل، في كلمة بعد قداس أقامه “التيار” لمناسبة ذكرى 13 تشرين في كنيسة مار الياس- انطلياس: “نحن من مدرسة “فلنخاطر بكل شيء كي لا نفقد كل شيء” (العماد عون في 5/1/1992)، ولنكن اشداء وانقياء واوفياء لأنه ينتظرنا بعد هذه المعاناة مجد عظيم، مجد ينتظر الذين لم يتخاذلوا”.
وقال باسيل: “ارادة التحرير جلبت على الجنرال وعلينا 13 تشرين 1990، فكان عسكريا بامتياز. اما ارادة التحرر فجلبت عليه وعلينا 17 تشرين 2019، فكان ما وصفته ب13 تشرين اقتصادي. ولأننا ابناء 13 تشرين لم يتمكن منا 17 تشرين– فها نحن تصدينا لمؤامرات الخارج وامواله ومنظماته، ولمنظومة الداخل، وللإعلام وتنمره، فصمدنا وانتصرنا على من اراد دفننا سياسيا. نحن بقينا في الميدان، اما هم فرحلوا عن الساحات والشاشات. سقطت كذبتهم وبقيت حقيقتنا. ولم يتمكن مستغلو 17 تشرين ان يمحوا نضالات 13 تشرين. نقاء الصادقين في 17 تشرين دنسته أموال المتآمرين، اما نقاء 13 تشرين فقدسته دماء الشهداء التي لا ثمن لها، دماء يبقى مدينا لها مدى الحياة التيار الوطني الحر الذي ولد من رحم الجيش اللبناني وشهدائه الأبطال الأبرار”.
ورأى أن “الاستقلال، بعدما خرجت سوريا من ارضك، لا يعني ان تعاديها على ارضها، أو ان تتآمر عليها؛ كذلك لا يمنع الاستقلال ان تقوم بما هو مصلحة بلدك ان استوجب ذلك ان توافق على ما يوافقها. والسيادة تسمح ان تستعين بعناصر قوة داخلية ان لم تمس أسس الشراكة والتوازن الوطني، وأن تستعين بعناصر قوة خارجية ان لم تمس أسس الوطن وسيادته وركائزه. اما الحرية فلا تعطيك ابدا المجال ان تفرط بموارد وثروات وطنك لصالح الغير. وان كنت تعتبر ان هذه الشعارات- المبادئ تتحقق فقط عندما تطرد محتلا او تتخلص من وصي فأنت واهم، لأنك تواجه عند ممارسيها صعوبة في كثير من مفاصل حياتك الوطنية. واكتفي بإعطاء مثالين معيوشين في يومياتنا هما الفساد والنزوح، لنعرف أهمية ان نعيش هذه المبادئ الثلاثة”.
واعتبر باسيل أن “الفساد بمفهومه مناقض للقانون ما يعني انه يضرب مبدأ سيادة القانون، اضافة الى انه يدمر مؤسسات الدولة ويجفف مواردها ويحول ثرواتها الى جيوب المنتفعين او مصالح الخارج المتحكم بالداخل، وبالتالي يفقد الدولة امكاناتها المالية، اي انه يحرمها من ممارسة استقلالها المالي، وفي حالة لبنان يضعها في جيب الخارج ومصالحه. كل هذا يحرم المواطن من حقوقه في هذه الثروات والموارد، ومن معيشة كريمة، ويكبله بالتبعية لسياسي متسلط، ويفقده حتما الحرية الفردية بسبب الحاجة والعوز ان لم نقل الفقر والذل”.
وشدد على أن “النزوح الكثيف الذي يشهده بلدنا يتخطى كل قدرة على استيعابه بالجغرافيا او الموارد او الديمغرافيا، ولا يرضاه اي بلد في العالم، وهو يتجاوز كل رقم قياسي بنسبة حجمه وكثافتة السكانية. هذا النزوح العشوائي المنظم يضرب كل المواثيق والقوانين الدولية، كما انه يناقض كل القوانين اللبنانية، وبالتالي فإن النازح الإقتصادي الذي يعمل خلافا للقانون ويقيم خلافا للقانون ويرتكب كل انواع المخالفات، يضرب السيادة بعمقها. اضافة الى ان حرمان المواطن من حقوقه في العمل والتعليم والكهرباء والمياه والمواصلات كون النازح يقاسمه اياها عنوة، يحد من حرياته المعيشية ويقيده بوجوده، فيصبح النازح بحكم حصوله على مساعدات الخارج، متقدما على ابن الأرض، زد على ذلك، ان شعبا عندما يضطر لهجرة وطنه بسبب فقدانه لفرص الحياة ولحقوقه فيه، ويتم استبداله بشعب آخر يأخذ مكانه في الحقوق والفرص، تتغير هوية الوطن وعاداته وتقاليده، ولا يبقى منه شيء، ويفقد حكما استقلاله لأنه يصبح تحت ارادة شعب آخر، يتدرج بمواطنيته ليصبح وجوده توطينا ثم احتلالا مشرعا بقوة الأمر الواقع والحقوق المكتسبة، فلا يبقى لنا وطن بل يصبح مشاعا”.
وخاطب شباب التيار بالقول: “إني اقول لشباب التيار الوطني الحر ان الله من عليكم ان تعيشوا في معركة مكافحة الفساد ومواجهة النزوح ما عشناه في معركة استعادة الحرية والسيادة والاستقلال، فادركوا شرف ما تقومون به”.
وتساءل: “هل لنا ان نسأل ما ارتباط الاقتصاد بالحرية والسيادة والاستقلال؟ وهل من دولة من دون اقتصاد حيوي؟ وكيف يكون الاقتصاد في لبنان حيا من دون اصلاحات ومن دون لامركزية تنموية مناطقية، وادارية مالية موسعة، ومن دون صندوق ائتماني يحفظ ممتلكات الدولة ومرافقها، ويؤمن الموارد وفرص العمل، ويحقق الخدمات السوية والفعالة؟ هذا نضال واجب علينا برئاسة او بدونها، قبلها او بعدها”.
وتابع باسيل: “إن الانسان اما ان يكون حرا سيدا مستقلا في كينونته، أو لا يكون. والا يكون مستخدما او اجيرا، ليس في دولته بل لدولة لها في بلده سياساتها ومصالحها. ومن يظن ان تسويات او اتفاقات او احداثا خارجية كأحداث غزة مؤخرا، تفرض علينا رئيسا، لصالح هذا او ذاك، من هنا او من هناك، بحسب نتائجها، والخاسر والرابح فيها، فهو واهم واهم. ان هذا يزيدنا تمسكا بحريتنا وسيادتنا واستقلالنا… وخياراتنا. لا تنسوا معادلة الداخل، لذلك تعالوا ننتخب رئيسا بالتفاهم الآن، دون انتظار نتائج الحرب التي ستطول للأسف”.
وأردف: “فيما نحيي ذكرى شهدائنا في 13 تشرين، يقاوم الشعب الفلسطيني في تشرينه الإجرام الذي تمارسه اسرائيل عليه منذ عام 48، حين سببت له نكبة حقيقية جعلته يناضل مذاك بكل ما يملك، حتى الحجارة، الى ان توفر له السلاح فقلب الموازين وعكس النكبة على من تسبب له بها”.
وتطرق الىعملية “كوفان الأقصى” وآخر المستجدات في فلسطين قائلا: “منذ 75 عاما واسرائيل تقتل وتغتصب وتتغطرس وتحتل الأرض وتخترق السماء وتتسلط على المياه والموارد، في فلسطين والدول المحيطة بها وعلى رأسها لبنان. في فلسطين، تطرد اصحاب الأرض لتسكن المستوطنين، تتعسف بالحقوق وتقتل الأطفال والشيوخ والمدنيين العزل، تخرق القرارات الدولية وتمارس اسوأ انواع ارهاب الدولة؛ تنقل الشعوب كأحجار الشطرنج وها هي تعمل لترانسفير جديد من غزة الى سيناء، اسقطه حتى الآن صمود الغزاويين ورفض العرب”.
وقال: “75 عاما والغرب يتفرج، لا بل يغطي ويدعم. ايها الغرب الجاف الظالم، تهزك صور مفبركة عن قطع رؤوس الأطفال، ونحن نرفضها لا بل نحن اول ضحاياها، ولكن لا تهزك صور حقيقية عن مبان واحياء ممسوحة بالأرض مع من فيها؟”
وأضاف: “إذا سأل سائل ما علاقة لبنان بكل هذا لنقحمه ضد اسرائيل، نحيله الى شهداء الاعلام وجرحاه في جنوبنا منذ يومين، ونذكره بكل اعتداءات اسرائيل على وطننا التي ردعتها بسالة المقاومة، وما كنا لنتكلم عن قوة لبنان وثروته وغازه ونفطه، ونعمل لكي لا تطال المؤامرة حقل قانا حيث هو افضل نموذج لتطبيق الاستراتيجية الدفاعية التي نريد؛ وندعو الى عدم التسرع باستنتاجات خاطئة حول عدم وجود غاز في بحرنا، ونذكر بمعادلتنا الثابتة “ان لا غاز من كاريش من دون غاز من قانا”، ومخطئ جدا من يتصور او يصور لنا ان شرق المتوسط عائم على بحر من الغاز الطبيعي فيما الشاطئ اللبناني منقوص او محروم منه”.
وقال باسيل: “نذكر السائل ايضا انه ما زال من يراهن عندنا على نجاح مشروع اسرائيل الأحادي التقسيمي في لبنان والمنطقة، نقول له: يا من تراهن على اجتياح اسرائيلي للبنان، ستنتظر طويلا لحظة لن تعود؛ مراهاناتك الفاشلة لم ثبتت فشلك فقط بل اذت مجتمعنا ووطننا”.
وتابع: “نذكر السائل ايضا بأننا اصحاب حقوق مغتصبة وارض محتلة، وبأنه لنا في الأقصى وفي كنيسة القيامة، والقدس وبيت لحم جذور دياناتنا وثقافاتنا وايماننا، ناهيك عن اننا معنيون بقضية لاجئين على ارضنا لهم حق العودة الى ارضهم، ومخطئ جدا من يظن انه بإغراق لبنان بأكثر من مليوني نازح سوري، يستطيع ان ينسينا حق العودة لنصف مليون فلسطيني وهو مكرس بقرارات الشرعية الدولية وفي مقدمة دستورنا الرافض للتوطين”.
وأكد باسيل: “نحن معنيون ايضا اخلاقيا ووجوديا بمناصرة الحق على حدودنا. فالشعب الفلسطيني، صاحب حق في ارضه، وفي ان تكون له دولته يعود اليها فلا يبقى لاجئا مشردا، وحقه قبل كل شيء في احترام كرامته الانسانية”.
وشدد على أن “دعمنا لفلسطين لا يمنعنا من ان نعلي الكرامة الانسانية على اي امر آخر، فكرامة الانسان اغلى ما عنده. لذلك، لا نقبل للشعب الفلسطيني ان يمارس اي مهانة مورست عليه وعرف مرارتها. الا ان منطق القوة عندما يفرض نفسه، يدفع بمن يمارس عليه ان يمارسه بدوره؛ لذلك دعونا دوما الى وقف استخدام القوة واستبدالها بمنطق الحقوق. وها هي القوة تستعمل الآن ضد اسرائيل، ولن تستطيع آلتها العسكرية وقفها. ومخطئ جدا من يعتقد ان الظلم والبطش والقوة العسكرية المفرطة والقنبلة النووية المحظرة دوليا، تؤمن له الطمأنينة، والأمن والأمان. وحدها الحقوق توقف استخدام القوة. ومخطئ جدا من يقيم حكومة من المتطرفين ليحتمي بها من ملاحقته بالفساد، فيجد نفسه مجرم حرب مطاردا من لعنة التاريخ”.
وأضاف: “لقد انتشت اسرائيل بالنصر عشرات المرات، لكنها لم تعد تعرف طعم الانتصار منذ دحرتها المقاومة من لبنان عام 2000، فذاقت طعم الهزيمة عام 2006 في جنوبنا وذاقتها عدة مرات في غزة منذ عام 2008، وكانت لها الهزيمة الكبرى في غزة منذ ايام؛ ومهما فعلت فإنها لن تستطيع ان تمحوها”.
ورأى أن “تدمير مدينة بكاملها وقتل اولادها وشيوخها ليس بطولة ولا انتصارا بل هو ارهاب وهزيمة نكراء لإسرائيل ومن يدعمها. كما ان تهجير الأبرياء والمدنيين ونقلهم جماعيا ليس بطولة ولا انتصارا بل هزيمة ومهانة لإسرائيل ومن ويدعمها، ومخطئ جدا من يحاول ان يقوم بترانسفير للشعب الفلسطيني… وقال شو؟ مؤقت… وهو ذاق طعمه وادرك صعوبة العودة”.
وقال باسيل: “لن ينفعك شيء يا اسرائيل، وستستفيقين على وهم الانتصار المزعوم لتجدي نفسك تحت ضربة اكبر- يمكنك تهجير شعب ولكن لن تتمكني من تصفية مقاومته، ولن تستيعطي النيل منا بعد الآن، لأن عليك بحماية نفسك. لن ينفعك الا التسليم بالحقوق وبقيام الدولتين، والالتزام بالقرارات الدولية، فانت لست دولة المعصومين واستهتارك بالحق يجعل منك دولة غاصبة ومعرضة للإنهيار – لن ينفعك تطبيع مع الأبعدين من دون المقاومين الأقربين، ولن يجلب لك السلام، لأن السلام هو اولا مع أهل فلسطين. والسلام ليكون حقيقيا، يجب ان يكون شاملا وعادلا وقائما بين الشعوب على مبدأ الحقوق. بهذا فقط تضمن اسرائيل الاعتراف بحقها بالوجود، ولن يعطى لها أمن لا من دولة كبرى ولا صغرى، اذا لم تعطه هي لغيرها ولمن حولها”.
وأكد أن “لا سلام دون شبعا والجولان ودون عودة اللاجئين الفلسطينيين ودون عودة النازحين السوريين ودون دولة فلسطينية حرة مستقلة كاملة الحقوق، ودون قدس مفتوحة لكل الناس ولكل الأديان- بغير هذا، لا سلام لك ولا سلام عليك”.
وشدد على أن “لبنان لا يمكنه الا ان يكون نصيرا لفلسطين، ولكن الا يحق له ان يكون نصيرا لنفسه؟ لقد جرب بعضنا اباحة أرضنا للغير واختبرنا جميعنا مآسيها، كما جرب بعضنا التعامل مع العدو ودفعنا جميعنا اثمانها، وجربنا المقاومة واستفدنا من منافعها. الا يحق لنا ان نرفض في وقت واحد العمالة وجعل وطننا ساحة بدل ان يكون دولة؟”.
وقال: “لقد كلف توحيد بندقية المقاومة كثيرا لتكون فاعلة، فهل تهدر هذه المنافع لصالح توحيد ساحات لا نملك كلبنانيين قراراتها؟ لا بل عرفنا اين كان قرار بعضها تائها منذ بضع سنوات في حرب سوريا. وهل تهدر المنافع لكي يشرع بلدنا على مخاطر ندرك جميعا اثمانها؟”.
وأضاف: “مفهوم وطبيعي ان يعمل بعضنا لنصرة الفلسطينيين وان يفرح بعضنا الآخر لانتصارهم، ولكن غير مفهوم من جهة ان نفتح بلدنا على ساحات غير مضمونة لصالحنا وعلى مخاطر مضمونة كارثيتها، وغير مفهوم من جهة اخرى، ان يراهن بعضنا على دول وخيارات جربت وفشلت وجلبت لنا الهزيمة والمهانة”.
وتابع: “نحن في التيار نختار ان نكون ابناء هذه الارض، متجذرين فيها، متعايشين مع اهلها في السراء والضراء، متفاعلين مع محيطنا ومنفتحين على العالم، مستقلين في قرارنا، انقياء في وطنيتنا، عاملين في سبيل عزة شعبنا ومناضلين في سبيل بناء دولة قوية لا شيء يعلو على مصالحها. هكذا يكون وطننا قويا ونصيرا بقوته لقضايا الحق من حوله، هكذا نكون على قدر شهدائنا، وهكذا نكون ابناء 13 تشرين، ابناء الكرامة الوطنية والكرامة الانسانية”.