هل ينجو العليّة من “فخّ” مكية.. وينفذ من فم الحوت؟

نقلاً عن موقع “الدنيا نيوز”

أثارت الحملة على تلزيم إدارة وتشغيل مطاعم ومقاهي مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، أسئلة كثيرة حول الخلفيات والوقائع، وما إذا كانت المزايدة حصلت فيها مخالفة قانونية، أو ما إذا كانت الشركة التي فازت بالمزايدة قد تجاوزت بنود دفتر الشروط.

في الشكل، يمكن الجزم أن الحملة منظّمة وأن هناك جهة ما متضررة، حاولت وتحاول إلغاء نتائج المزايدة. وقد وظفت هذه الجهة كل إمكانياتها لهذا الهدف. لكن حجم الحملة، يكشف أن هذه الجهة تملك إمكانات مالية وشبكة علاقات ومصالح ومستفيدين، وهو ما يثير شبهات كثيرة حول الحملة التي استقوت على الشركة الفائزة واستضعفتها.

لكن الوقائع تكشف بوضوح أن الشركة الفائزة بالمزايدة لم تخرق دفتر الشروط، وإنما خرقت جداراً سميكاً يسوّر مطار رفيق الحريري ويفتح دفتر أسرار ما يجري فيه، ويكشف واقعاً فاضحاً من الاستئثار بكل مقدرات المطار من جهة واحدة يبدو أنها شعرت بالخطر من أن يشكل نجاح الشركة الفائزة بمزايدة إدارة وتشغيل المطاعم والمقاهي “دفرسوار” يؤدي إلى انهيار جدار الحماية عن ما يجري في المطار.

وفي الوقائع أيضاً، أن محمد الحوت، رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط “ميدل إيست“، التي تتولى إدارة وتشغيل معظم قطاعات العمل في مطار رفيق الحريري، والتي يملكها مصرف لبنان، هو الذي يقف خلف الحملة المنظّمة على نتائج المزايدة ويعمل على إلغائها، مستفيداً من شبكة علاقات ومصالح أخطبوتية، تشبه إلى حد بعيد “شبكة الأمان” التي كان أنشأها حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة لتسويق سياساته وترهيب معارضيه وحماية نفسه.

ويبدو أن الحوت قد استنسخ أسلوب “مرشده الروحي” رياض سلامة، وهو اليوم يخوض معركة حماية نفسه بمنع حصول أي تطوير أو تحديث في المطار، فضلاً عن محاولة استعادة التزام إدارة وتشغيل المطاعم والمقاهي، والتي كان يتولاها منذ سنوات، وخلال السنتين الماضيتين بمبلغ زهيد لم يتجاوز 40 ألف دولار، في حين أنه دخل المزايدة بمبلغ 800 ألف دولار مقابل 3.5 مليون دولار للشركة الفائزة.

حتى اليوم، لم ينجح الحوت في دفع الشركة الفائزة بالمزايدة إلى التراجع، على غرار ما حصل بالنسبة لمشروع إنشاء مبنى جديد في المطار مخصص لحملات الحج والزيارات المقدسة والرحلات المنظّمة.

وقد استخدمت في الحملة ضد تلزيم المطاعم والمقاهي، كل الأساليب والوسائل والعبارات التي استهدفت أشخاصاً معنيين بالتلزيم، بدءاً من مدير عام الطيران المدني بالوكالة المهندس فادي الحسن وليس انتهاء برئيس مجلس إدارة شركة “نيفادا” الفائزة بالمزايدة المهندس وسام عاشور. وتضمّنت الحملة اتهامات وشتائم وتشويه سمعة، وكلها تعبّر عن انفعال يوحي بحجم الخسارة التي مني بها الحوت.

لكن، وبما أن هذه الحملة فشلت، أدخل الحوت “أسلحة” جديدة إليها، من بينها ظهور النائب إبراهيم منيمنة فجأة في المطار وتوجيهه أسئلة إلى وزير الأشغال. وكذلك نجح بالضغط على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، عبر صديقه الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، بحكم “تقاطعات” ومصالح كثيرة تجمعهما،

فكان ميقاتي أول من وقع في فخ مكية عندما ورّطه بمخالفة قانونية فاضحة عبر إحالة ملف التلزيم إلى “هيئة الشراء العام”، وذلك خلافاً لقانون إنشاء الهيئة، وعلى أمل أن يستطيع خلق دور لها يستطيع من خلاله التأثير على قرارها. وكان رئيس “هيئة الشراء العام” جان العليّة الثاني في قائمة فخ مكية عندما قبل الملف خلافاً لصلاحيات الهيئة قانوناً بينما كان يفترض أن يشرح لرئيس الحكومة أن دور الهيئة انتهى بعد توقيع عقد التلزيم.

كما نظّم محمد الحوت حملة إعلامية مكثّفة، استخدم فيها كل “رجال رياض سلامة”، الإعلاميين، والذين كانوا يتولون الدفاع عن سلامة ليل نهار مقابل مبالغ مالية طائلة كان يدفعها لهم.

ويبدو أن النائب منيمنة يستعد للظهور في برنامج تلفزيوني للحديث مجدداً عن الموضوع، في حين لم يُسمح للشركة بالدفاع عن نفسها حتى اليوم، بينما تجتمع لجنة الأشغال النيابية يوم الخميس المقبل للإطلاع على الملف بكل تفاصيله، خصوصاً بعد أن انفرد أحد أعضائها النائب إبراهيم منيمنةبخطوات ومواقف غير منسّقة مع رئيس اللجنة ولا تعبّر عنها.

يبقى أن الملف الآن في عهدة رئيس “هيئة الشراء العام” جان عليّة الذي يبدو أنه يتعرّض لضغوط كبيرة من أجل اتخاذ قرار بإلغاء المزايدة، بغض النظر عن عدم قانونية هكذا قرار، على اعتبار أن نصوص قانون إنشاء“هيئة الشراء” تؤكد بما لا يرقى إلى أي شك أنها ليست المرجع الصالح للبت بالموضوع، لأن “هيئة الشراء العام” يتوقف دورها عند انتهاء المزايدة وإعلان الفائز.

ورد مرجع حقوقي على سؤال ل”اخبار الدنيا” عن مدى قانونية الخطوة ومحاولات توريط القلضي العلية بالتأكيد على ان “الفقرة الثانية في المادة 89 من قانون الشراء العام تنص على أن هيئة الشراء “تنظر في الاعتراضات بشأن القرارات الصريحة أو الضمنية المتعلّقة بإجراءات الشراء المقدمة إليها مباشرة في المرحلة السابقة لتوقيع العقد“.

ويشير الى أن “الفقرة الأولى من المادة 103 تنص على أنه “يحق لكل ذي صفة أو مصلحة، بما في ذلك هيئة الشراء العام، الاعتراض على أي إجراء أو قرار صريح أو ضمني تتخذه أو تعتمده أو تطبقه أي من الهيئات المعنية بالشراء في المرحلة السابقة لنفاذ العقد، ويكون مخالفاً لأحكام هذا القانون والمبادئ العامة المتعلقة بالشراء العام”.

ويؤكد المرجع الحقوقي على انه “يتبين من مضمون هاتين المادتين أن المشرع أراد تخصيص هيئة الشراء العام بدور إشرافي وتنظيمي واعتراضي في المرحلة الأدق من الشراء العام، أي تلك التي تسبق توقيع العقد ونفاذه، ذلك أنه، وبمجرد هذا النفاذ، وسواء تعلق الشراء العام بسلعة أو بخدمة أو باستثمار، يدخل الطرفان المعنيان به في مرحلة التنفيذ بعد استنفاد المراحل السابقة لتوقيع العقد لجهة التحقق من سلامة الإجراءات وشفافيتها ونزاهتها وتوافر عناصر المنافسة المنصفة حفاظاً على المال العام”.

كما يذكر بأن ” الفقرة 8 من المادة 102 من قانون الشراء العام نصّت صراحة على أن الجهة المعنية بالمتابعة بعد تنفيذ العقد هي الإدارات المعنية، حيث جاء في نص الفقرة: تتولى سلطات التعاقد القيام بمهامها في ما يتعلّق بإجراءات الشراء والتعاقد بحسب أحكام هذا القانون”، ومن بين هذه الأحكام أن “إدارة ومتابعة العقود بشكل يضمن تحقيق القيمة الفضلى من إنفاق المال العام والمحافظة على المصلحة العامة”.

ويرى ان “الواقع أن الفخ الذي قد تقع فيه هيئة الشراء العام هو أن عودتها للتدخل في إجراءات التنفيذ بعد توقيع العقد يوحي أن هناك خللاً في دفتر الشروط أو في العقد. ما يعني أن هيئة الشراء العام لم تقم بدورها الرقابي كما يجب وأنها أعطت موافقتها على مناقصة يعتريها عيب، وهي نقطة ضدها وفي غير صالحها”.

ويلمح المرجع الحقوقي الى انه “يبدو أن إحالة الملف من قبل رئيس الحكومة إلى “هيئة الشراء العام” كان مقصوداً، ربما لأن هناك اعتقاداً أن رئيسها جان عليّة يمكن استمالته أو التأثير عليه من أجل إصدار قرار بإلغاء التلزيم، وبالتالي توريط هيئة الشراء العام، ورئيسها جان علية، بمخالفات صريحة وبإقرارها بتقصير ارتكبته قبل توقيع العقد ونفاذه”.

ويختم بالقول “هنا يبدو أن رئيس هيئة الشراء العام جان العليّة أمام اختبار حسّاس يتعلّق بشفافية عمله من دون أي أن يتأثر بأي عامل أو ضغط، وهو الذي لم يخضع سابقاً للضغوط ولم يتأثّر بالحملات عليه، وواجه العديد من الضغوط والتحديات عندما كان رئيساً لإدارة المناقصات قبل أن تتحوّل إلى “هيئة الشراء العام”، وكذلك بعد أن تولى رئاسة هيئة الشراء، فضلاً عن أن أي قرار سيكون تحت المجهر اللبناني والدولي الذي يراقب كل تفصيل يتعلّق بالفساد والإدارة، خصوصاً في “هيئة الشراء العام” التي أنشئت بهدف ضبط الفساد في الذي كان سائداً في المناقصات والمزايدات التي تجريها الدولة، وفضلاً أيضاً عن أن أي قرار سيصدر عن العليّة سيكون عرضة للتشريح، وقد يطيح بموجبات إنشاء الهيئة أو يؤكد صوابية إنشائها”.

فهل ينجح جان عليّة في الاختبار؟ وهل يستطيع عبور “فخ مكية” والإفلات من “فك الحوت”؟

في الإنتظار…