انتشر خلال الساعات القليلة الماضية على غير العادة فيلم “عبري” بمصر عن رئيسة وزراء كيان الإحتلال الراحلة غولدا مائير، خاصة مقطع للحظة إعلان البدء بحرب تشرين التحريرية بقيادة مصر وسوريا ضد كيان الإحتلال الإسرائيلي.
يروي فيلم “غولدا”، الفترة التي عاشتها رئيسة وزراء “إسرائيل”، خلال حرب السادس من تشرين الأول – أكتوبر عام 1973، وما مرت به من أزمات حلت على حكومة الاحتلال بقيادتها، بفضل الهزيمة التي طالت الجيش ال”إسرائيل”ي في عام 1973.
لا يسرد الفيلم كامل فصول حياة مائير السياسية والمهنية وحسب، بل ويسلط الضوء على تعاملها مع حرب 6 تشرين ـ أكتوبر، بين التحالف العربي بقيادة مصر وسوريا وكيان الاحتلال.
ويعرض الفيلم أيضًا عدد كبير جدًا من اللقطات المقربة على وجه “غولدا” (التي لعبت دورها الممثلة الممتازة هيلين ميرين.
وسلط الفيلم أيضا الضوء على جهود الجاسوس الكبير الذي كانت “إسرائيل” وظفته في محيط الرئيس المصري السادات – في إشارة للعميل المزدوج أشرف مروان – والذي حذر من حرب ستندلع يوم “كيبور”، أي يوم الغفران عند الصهاينة، رغم أنه قال لهم إن الحرب ستندلع في السادسة مساء، وليس الساعة الثانية بعد الظهر، حينما اندلعت بالفعل، فتلقى العدو ال”إسرائيل”ي صفعة قوية، تمثلت بهزيمة مدوية له أمام الجيشين العربيين المتحدين، السوري والمصري.
وعلى أبواب ذكرى حرب تشرين التحريرية، يطلق كيان الاحتلال هذا الفيلم، الذي على ما يبدو يتطرق إلى الخسارة المدوية لـ”إسرائيل” بفعل الإتحاد العربي آنذاك.
وفي العودة إلى تاريخ الحرب وأسبابها، فقد شكل احتلال ““إسرائيل”” للعديد من الأراضي العربية نتيجة عدوان الخامس من حزيران عام 1967، ورفض “إسرائيل” تطبيق القرار 242 القاضي بانسحابها من الأراضي المحتلة، دافعاً أساسياً لدى سوريا ومصر التي تحتل ““إسرائيل”” جزءاً من أراضيهما إلى البحث عن وسيلة أخرى لاستعادتها عملاً بمبدأ “ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”، فكانت حرب تشرين التحريرية، المعروفة أيضا بـ”حرب أكتوبر” في السادس من تشرين الأول عام 1973.
بعد أن أطلقت مصر “عيد القوات المسلحة المصرية” على تاريخ بدء الحرب أي السادس من تشرين الأول، حيث يحتفل المصريون بذكرى عبور الجيش المصري قناة السويس، هذا العرض كان فرصة لاغتيال الرئيس المصري أنور السادات بعد 8 سنوات من الحرب أي في عام 1981، حين تحول فرح المصريين مأتماً على رئيسهم، وبعد ذلك ألقي القبض على القاتل وهو الملازم أول خالد الإسلامبولي وقبض عليه عام 1981 وتم إعدامه.
الخلفية التاريخية لحرب تشرين التحريرية
بعد النكسة في الخامس من حزيران عام 1967 التي أسفرت عن احتلال “إسرائيل” لمرتفعات الجولان السوريا، وشبه جزيرة سيناء المصرية، وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية من فلسطين، بنت “إسرائيل” تحصينات في المناطق المحتلة فكان خط “آلون” في الجولان، وخط “بارليف” في سيناء، في وقت بدأت فيه مصر وسوريا التحضير لاستعادة أراضيهما المحتلة من “إسرائيل”.
بدأت الحرب ضد العدو شهر أيلول عام 1968، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الأميركي وليام روجرز لاقتراح خطط لتسوية سلمية في الشرق الأوسط، هي:
الخطة الأولى:
تسوية بين مصر و”إسرائيل”: كانت في التاسع من شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1969، تضمنت عشر نقاط، أهمها أن تضع “إسرائيل” جدولاً زمنياً لانسحابها من الأراضي المصرية المحتلة، إضافةً لإقامة علاقات بين مصر و”إسرائيل”، مع ضمان حرية الملاحة في قناة السويس، رفضت “إسرائيل” ومصر هذه الخطة، حيث لم تكن “إسرائيل” تفكر في الانسحاب من سيناء، كما لم تكن مصر في وارد فتح قناة السويس أمام “إسرائيل”.
الخطة الثانية:
تسوية بين مصر والأردن من جهة و”إسرائيل” من جهة أخرى: في العشرين من شهر حزيران عام 1970، تضمنت الخطة وقف إطلاق نار لمدة 3 أشهر تبدأ من الأول من شهر تموز حتى الأول من شهر تشرين الأول عام 1970، كما تضمنت الخطة انسحاب “إسرائيل” من الأراضي العربية المحتلة قبل بدء المفاوضات، واعتماد المفاوضات غير المباشرة بين مصر والأردن من جهة و”إسرائيل” من جهة أخرى، حيث وافقت مصر على هذه الخطة باعتبارها تنسجم مع القرار الدولي 242، بناءً على ذلك تم إيقاف إطلاق النار على الجبهة المصرية خلال هذه الأشهر الثلاث.
وفاة عبد الناصر وشروط السادات للسلام
توفي الرئيس المصري جمال عبد الناصر في الثامن والعشرين من شهر أيلول عام 1970، وانتخب نائبه أنور السادات رئيساً لمصر، حيث قدّم السادات شروطه للمبعوث الأممي للسلام غونار يارينغ في شهر شباط 1971، وأهمها انسحاب “إسرائيل” إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967.
رفضت “إسرائيل” هذه الشروط، مما أدى إلى تجميد المفاوضات، فواصلت مصر الحرب ضد الكيان الإسرائيلي في الوقت الذي بقيت فيه الجبهة الشمالية مشتعلة بين سوريا وجيش الاحتلال، فالتقت الأهداف السورية والمصرية حول الحرب على “إسرائيل” لاسترداد الأراضي العربية المحتلة.
أحداث الحرب على الجبهة المصرية
لم يكن الصهاينة المحتفلون بعيد الغفران في السادس من شهر تشرين الأول عام 1973 على دراية أن احتفالهم سيتحول إلى صدمة غير مسبوقة في تاريخهم، فقد قررت سوريا ومصر شن الحرب التحريرية، وفي توقيت غير محسوب عند الساعة الثانية ظهراً وهو توقيت لا يناسب سلاح الطيران الإسرائيلي الذي اعتاد شن هجماته على الدول العربية في ساعات الصباح الأولى.
أنفق كيان الإحتلال 300 مليون دولار لإنشاء سلسلة من الحصون والطرق والمنشآت الخلفية أطلق عليها اسم خط “بارليف”، حيث امتدت هذه الدفاعات أكثر من 160 كم على طول الشاطئ الشرقي للقناة من بور فؤاد شمالاً إلى رأس مسلة على خليج السويس، وبعمق 30-35 كم شرقاً.
تنفيذ الخطة المصرية واختراق خط بارليف
في تمام الساعة الثانية من ظهر يوم السبت السادس من شهر تشرين الأول عام 1973 نفذّت القوات الجوية المصرية ضربة جوية على الأهداف الإسرائيلية خلف قناة السويس.
إذ استهدفت 200 طائرة مصرية؛ محطات التشويش والإعاقة وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة، ونتيجة النجاح الذي حققته الضربة الأولى ألغت القيادة المصرية الضربة الثانية التي كانت موضوعة في خطة الهجوم.
وبالتزامن مع الضربة الجوية المصرية للتحصينات الإسرائيلية في سيناء عبر 8 آلاف جندي مصري قناة السويس، ثم توالت موجتا العبور الثانية والثالثة ليصل عدد القوات المصرية على الضفة الشرقية بحلول الليل إلى 60 ألف جندي، في الوقت الذي كان فيه سلاح المهندسين المصري يفتح ثغرات في الساتر الترابي باستخدام خراطيم مياه شديدة الدفع.
أما في الأراضي المحتلة فقد دوت صافرات الإنذار في الساعة الثانية لتعلن حالة الطوارئ واستأنف الراديو الإسرائيلي الإرسال رغم العيد، وبدأت عملية تعبئة قوات الاحتياط لدفعها للجبهة، وفي اليوم التالي أي في السابع من شهر تشرين الأول عام 1973 كانت عملية عبور الجيش المصري قناة السويس قد انتهت.
وتحطمت أسطورة خط “بارليف” غير القابل للاختراق، كما تم في هذا اليوم سد الثغرات بين فرق المشاة الخمس التي اخترقت القناة، وفي اليوم التالي أي في الثامن من شهر تشرين الأول/ عام 1973 اندمجت الفرق الخمسة مع بعضها في رأسين كبيرين وفي جيشين.
وفي اليوم التالي، أي في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر عاودت “إسرائيل” هجومها ودفعت بلواءين مدرعين ضد الفرقة 16 مشاة وفشلت، ولم يشن الإسرائيليون أي هجوم مركز بعد ذلك اليوم، بذلك حافظت فرق المشاة المصرية على مواقعها شرقي القناة.
لم تدم فرحة السوريين بتحرير الجولان لأكثر من يومين، حيث ساهم التوقف المصري عن التقدم على الجبهة الجنوبية في تفرغ “إسرائيل” للجبهة الشمالية الأمر الذي شكل ضغطاً كبيراً على هذه الجبهة واستعادة المناطق التي حررها الجيش العربي السوري.
وهو ما لم يكن متفقاً عليه بين القيادتين السورية والمصرية حيث كان من المفترض أن يستمر الطرفان بالتقدم نحو “إسرائيل”، وبالتالي تشتيت الجيش الإسرائيلي بين جبهتين وحصره بين كفتي كماشة.
لكن ما حدث كان العكس تحولت الحرب إلى حرب بين “إسرائيل” وسوريا لأيامٍ عدة، وهنا جرى الحديث عن أن نية الرئيس المصري السادات تحريك الجبهة في حين كانت خطة الرئيس السوري حافظ الأسد تحريرها.
ومع ذلك طالبت القيادة السوريا القيادة المصرية باستئناف هجوم الجيش المصري في الجنوب لتخفيف الضغط عن الجيش السوري في الشمال.
إذ قامت مجموعتا ألوية لانر ورفول الإسرائيليين، بعدة محاولات لخرق الدفاع على المحور الشمالي دون جدوى، ولا سيما أنه في الرابع عشر من شهر تشرين الأول استأنف الجيش المصري تقدمه على الجبهة الجنوبية فانتقل ثقل المعارك جنوباً.
اتفاق وقف الحرب بين سوريا و”إسرائيل”
لم تقبل سوريا بوقف إطلاق النار الذي فرضه مجلس الأمن في الثالث والعشرين من شهر تشرين الأول عام 1973 وبدأت في أوائل عام 1974 حرباً في محاولة لاسترداد وتحرير باقي أراضي الجولان ضد القوات الإسرائيلية في الجولان، تركزت على منطقة جبل الشيخ، واستمرت 82 يوماً كبدت فيها الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة.
في الرابع والعشرين من شهر حزيران عام 1974 رفع الرئيس الراحل حافظ الأسد العلم السوري في سماء القنيطرة المحررة، إلا أن قوات الإحتلال كانوا قد عمدوا إلى تدمير المدينة بشكل منظم قبل انسحابهم، وقررت سوريا عدم إعادة إعمارها قبل عودة كل الجولان للسيادة السوريا.
الدول المشاركة في العمليات العسكرية
ساهمت مجموعة من الدول في حرب أكتوبر- تشرين التحريرية، إلى جانب مصر وسوريا وهذه الدول هي العراق، الكويت، الجزائر، تونس، ليبيا، السودان، الأردن، المغرب، السعودية وكوريا الشمالية.
في الختام، عندما بدأت سوريا ومصر الحرب معاً ضد “إسرائيل” انتصر العرب على الكيان الغاصب، وعندما توقفت الجبهة المصرية خسرت سوريا ومصر مكاسبهما، وقد وقعت مصر في فخ بدء عهد السلام مع كيان الاحتلال، وهو المشروع المستمر حتى اليوم.