| علاء حسن |
تشكل مجموعة “بريكس” نقطة خلاف بين الباحثين حول مدى أهميتها من عدمه، في ظل التكتلات التقليدية الموجودة في العالم، والتي تخطط وتدير شؤون الدول المختلفة، على المستويات السياسية والاقتصادية والمناخية والعسكرية وغيرها من مسائل تهم النظام العالمي.
وفي هذا السياق، يعتقد المؤيدون لفكرة “بريكس” أن هذه المجموعة تستطيع أن تشكل تكتلاً قوياً خارج مجموعة الــ G7 على المستوى الاقتصادي، لكونها دول تمتلك مقدرات كبيرة على مستوى الطاقة والمواد الخام و… ويعتمد هؤلاء على مقولة أنه كلما زادت مساحة الدول الجغرافية، زادت حظوظها في الحصول على الموارد الطبيعية المتنوعة والثروات الباطنية التي تحتاجها في تنمية اقتصادها. ولو أخذنا هذه الفكرة وطبقناها على الـ”بريكس” لوجدنا أن روسيا الاتحادية هي أكبر دولة من حيث المساحة في العالم، وفي “بريكس” دول في أربع قارات: البرازيل في الأميركيتين، روسيا في أوروبا وآسيا، الهند والصين في آسيا وجنوب أفريقيا في أفريقيا. تغطي الدول الأعضاء فيها مساحة تزيد على 39 مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل 27٪ من مساحة سطح الأرض، وعدد سكانها يقارب 40% من سكان الأرض، فضلاً عن أن وجودها يخلق توازناً مع الغرب، خصوصاً في ظل المخاض الذي نعيشه اليوم نحو إنشاء نظام عالمي جديد. هذه الدول تنسّق في ما بينها للتأثير في الاتفاقيات التجارية الأساسية، إذ لديها القدرة على تشكيل تكتل اقتصادي قوي خارج إطار المجموعة الصناعية السبعة G7، فدول الـ”بريكس” أكثر تطوراً في المجال الاقتصادي في العالم، وهذا الأمر يدعمه عدد من النقاط منها: البرازيل عملاق أميركا اللاتينية من أكثر الدول المزودة للمواد الخام.
روسيا مصدر عالمي للطاقة الكامنة والغاز. الهند هي مصدر مهم لتكنولوجيا المعلومات. الصين لها موقع إنتاجي وديموغرافي متقدم ومتطور. جنوب أفريقيا هي منطقة تعدين مهمة عالمياً، وموقع استراتيجي عالمي مهم جداً بإشرافها على المحيط الهندي والمحيط الأطلسي معاً.
أما المشككون في قدرة هذه المجموعة على خلق تغيير يُعتد به، يبنون نظرتهم هذه على أن دول الـ”بريكس” لا يشملها تحالف سياسي، وهي دول تعاني من مشاكل عديدة ومحورية، منها اقتصادية ومنها على مستوى الأمية. على سبيل المثال، تصل نسبة الأمية في الهند إلى حدود الـ 30%، وبالتالي هي مجموعة دول تعاني من مشاكل ذاتية ولا تستطيع أن تكون مؤثرة على النطاق العالمي.
أضف إلى ذلك، فإن هناك تباينات كبيرة بين دول الأعضاء في مجموعة “بريكس”، فهي لا تمتلك رؤية متناسقة تجاه الكثير من القضايا. وعلى سبيل المثال، فإنه وحتى قبل عضوية الدول الستة الجديدة، لم يكن للدول الخمس السابقة بالضرورة، منهج موحد. فالصين والهند لديهما نزاعات إقليمية. وتتنافس الصين وروسيا في آسيا الوسطى. بالإضافة إلى أن هناك اختلافات في الرأي بين هذه الدول من حيث الانحياز أو عدم الانحياز لأميركا. والآن سيغير الأعضاء الجدد الذين تمت إضافتهم أيضًا مستقبل الـ”بريكس” وفقًا للجبهات المحتملة. على سبيل المثال، فإن تعزيز هيمنة الصين في مجموعة “بريكس” غير مرغوب فيه بالنسبة لبعض الأعضاء مثل الهند والبرازيل. وبالتالي فإن كيفية التوازن بين الأعضاء، سيحدد مستقبله.
لكن في المقلب الآخر نرى أن هناك دول سعت إلى الانضمام لهذه المجموعة، حتى أن الفاتيكان تقدم بطلب عضوية بصفة مراقب، فما الذي دعا هذه الدول إلى اتخاذ هكذا خطوة؟
يقول المراقبون إن هناك أسباباً عديدة تجعل الدول تسعى إلى الانضمام لمنظمات دولية، منها الحصول على امتيازات التوسع والتأثير، ومنها الحصول على أسواق جديدة من أجل التواجد فيها والاستفادة منها. أما بخصوص “بريكس”، خصوصاً بالنسبة للدول التي تُعتبر في الفلك الأميركي، فإنها وجدت أن جزءاً من مصالحها لم يعد يتحقق بالشكل الذي تريده من خلال المنظمات التي تهيمن عليها الولايات المتحدة والدول الغربية، وخاصة بعد وباء كورونا والحرب في أوكرانيا، حيث واجهت معظم الدول الأوروبية، وإلى حد ما الولايات المتحدة، مشاكل اقتصادية مختلفة في ما يتعلق بالتضخم وأسعار الطاقة. بينما كانت الصين أكثر نجاحاً في التغلب على الوباء، وظلت محصنة إلى حد كبير من عواقب الحرب في أوكرانيا. ولذلك توصّل قسم من الحلفاء الغربيين إلى ضرورة اتباع نهج متوازن إيجابي تجاه الصين وروسيا من جهة، وأميركا من جهة أخرى، واستغلال الفرص الأخرى الموجودة في فضاء العلاقات الدولية. وهو ما يفسر موقف بعض الدول، مثل الهند والسعودية، من الحرب الأوكرانية.
إلى ذلك يشير الباحثون في العلاقات الدولية إلى أن مستقبل “بريكس” مرتبط إلى حد بعيد بنتائج الحرب الأوكرانية من جهة، وبالعلاقات الصينية الأميركية من جهة أخرى. على سبيل المثال، إذا تعرضت روسيا لهزيمة ثقيلة في حرب أوكرانيا، فمن المحتمل أن تصبح العلاقة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والهند من جهة، مع الولايات المتحدة أقوى.
ولذلك فإن مصير الحرب في أوكرانيا هو أحد المتغيرات التي ستكون مؤثرة في العلاقة بين أعضاء “بريكس” والصين أو أميركا.
بالإضافة إلى ذلك، إذا تمكنت الولايات المتحدة من النجاح في احتواء الصين، على سبيل المثال في مجال التكنولوجيا، وإذا تمكنت من تقليص سوق الصين في أوروبا، فهذا متغير آخر سيكون فعالاً في الطريقة التي يواجه بها أعضاء “بريكس” هاتين القوتين.
وفي المقابل، إذا هدأت المنافسة بين الصين وأميركا، فسوف تحقق مجموعة “بريكس” النجاح وستكون في مأمن من عواقب هذا الصراع. في هذه الحالة، يمكن للأعضاء أن يتعاونوا بشكل مناسب مع بعضهم البعض، لأنهم لا يتطلعون إلى تشكيل قطب جديد ضد الغرب. حيث أن “بريكس” ليست ضد القوى الغربية، لكنها يمكن أن تكون مختلفة عنها، بحسب الباحثين.
أخيراً يمكن القول إن هذه المجموعة وتوسعها تأتي في سياق النظام العالمي الجديد الذي سيأتي على أنقاض النظام الحالي، ودراسة شكل العلاقات والتحالفات التي تتشكل في الوقت الراهن سيعطي صورة عما سيكون عليه مستقبل العالم.