بالتفاصيل… هذا ما يجري على الحدود مع سوريا

/ عماد مرمل /

مع تدفّق سيل إضافي من النازحين السوريين الى لبنان لاعتبارات اقتصادية، تفاقم الخطر الوجودي الذي بات يهدد البلد جرّاء أزمة النزوح المتمادية والممتدة منذ عام 2011، بينما تجد الاجهزة نفسها في مواجهة واقع صعب على الحدود في انتظار قرار سياسي يستعيد المبادرة ويؤسس لمعالجة حقيقية.

كان الرئيس نجيب ميقاتي واضحاً في التحذير خلال جلسة مجلس الوزراء من ان النزوح غير المبرر يهدد استقلاليتنا الكيانية ويفرض خللا حادا يضرب تركيبة الواقع اللبناني.

ولكن المفارقة انّ مستوى التصدي الرسمي لهذا التحدي لا يرقى حتى الآن الى حجم التهديد المعترف به رسميا، بينما تستوجب المعالجة او ربما المواجهة، تحركا سياسيا على أعلى المستويات بالدرجة الأولى.

بناء عليه، فإنّ رمي كل العبء الثقيل على الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية فقط هو اختزال للحل والأزمة، لا يحقق الغرض المفترض، بل يكتفي بمعالجة بعض العوارض من دون مقاربة جوهر المشكلة. وبالتالي، فإن الاستمرار في الاعتماد على القوى العسكرية والأمنية حصرا، انما يعني انها ستظل «تلهث» خلف النازحين المتسللين عبر المعابر غير الشرعية بأعداد كبيرة، او أولئك المخالفين الموجودين في الداخل، وهذه عملية كر وفر مُنهكة وتتطلب أعلى جهوزية لوجستية، في حين ان الاجهزة على اختلافها باتت تحسب حساباً حتى للمحروقات التي تستخدمها في مهماتها الميدانية.

وهناك من يعتبر انّ حتى ايفاد بعض الوزراء المعنيين بالملف الى دمشق لم يعد كافيا، وان المطلوب ان يمتلك ميقاتي شجاعة زيارتها شخصيا للقاء المسؤولين السوريين على أرفع المستويات والبحث معهم في الآليات الممكنة والفعّالة لوقف تدفق النازحين من جهة ولاعادة أولئك المتواجدين في لبنان من جهة أخرى ضمن قواعد ما يعرف بالعودة الآمنة.

ويلفت أصحاب هذا الرأي الى انه ما دام ميقاتي نفسه يعتبر ان النزوح السوري بات يشكل تهديدا للكيان وتركيبته، فإنّ مقتضيات المصلحة العليا والامن القومي باتت تستحق منه زيارة سوريا، حتى لو انطوَت على نوع من المجازفة السياسية، ربطا بموقف الغرب وخصوصا الولايات المتحدة التي تتشدد في تطبيق قانون قيصر وترفض اي انفتاح على دمشق.

وما لم تتطور المعالجة في الاتجاه السياسي الاوسع، سيبقى ملف النازحين عَصياً على الضبط وستظل الحدود الشمالية الشرقية التي يبلغ طولها نحو 357 كلم قابلة للخرق مهما فعل الجيش.

وتوضح مصادر امنية ان أربعة أفواج من الجيش تنتشر على طول الحدود الشمالية الشرقية وهي تحاول بكل طاقتها منع تسلل النازحين عبر الفجوات الجغرافية الكثيرة، من خلال تسيير الدوريات وإقامة الحواجز ونصب الكمائن وتفعيل المراقبة.

ولكن المصادر تلفت الى عدم جواز تحميل المؤسسة العسكرية وباقي الاجهزة ما يفوق طاقتها وقدرتها، لانه من الصعب جدا بالعديد الحالي ضبط كل الممرات الحدودية المتشعبة وسط التعقيدات الجغرافية على الأرض، فيما هناك حاجة الى نحو 40 الف عسكري للامساك بالحدود، لا يتوافر منهم حالياً سوى 8 آلاف تقريباً.

وتلفت المصادر من باب شرح طبيعة الأرض الى انه لا يمكن على سبيل المثال إقفال مجرى نهر او تأمين التغطية الكاملة لسهول واسعة جدا واراض متداخلة مع سوريا، والمفارقة انه عندما يلجأ الجيش احيانا الى رفع سواتر ترابية لاقفال بعض المنافذ بغية توزيع عناصره على اماكن أخرى بحاجة اليهم اكثر، كان يُفاجأ لاحقاً بأن جرافات تزيل تلك السواتر.

والى جانب العوامل الطبيعية غير المساعِدة، توجد على ضفتي الحدود شبكات منظمة تسهّل تهريب النازحين ونقلهم، وحين ينجح الجيش في توقيف عدد من هؤلاء ويعيدهم الى بلادهم، يبادر المهربون مجدداً الى تلقفهم وإرجاعهم نحو لبنان، انما بنصف السعر هذه المرة، كنوع من التحفيز والتعويض!

والأسوأ من ذلك أن جانباً من القضاء يلجأ الى الإفراج عن بعض المهربين الذين يوقفهم الجيش، وذلك بعد وقت قصير من إلقاء القبض عليهم.

أمام هذه الوقائع، صار محسوما انه يجب اتخاذ قرار سياسي كبير بمواجهة تداعيات ملف النازحين، على كل الصعد، وإلا فإن الآتي أعظم.