رياض سلامة.
تصوير عباس سلمان

أسرار 30 سنة في “شيفرة سلامة”.. و”صكوك الحماية”!  

| خاص “الجريدة” |

لم يسبق أن تعرّض شخص مسؤول في لبنان، لحملة شتائم بمستوى ما تعرّض له حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة.

الرجل الذي كانت تنهال عليه الأوسمة والدروع وشهادات التقدير من كل حدب وصوب، في لبنان وفي مختلف الدول العربية والأوروبية، واجتهدت وسائل الإعلام في اجتراح عبارات المديح، حتى تحوّل إلى “أيقونة”، صار اليوم المطلوب رقم واحد في لبنان… وأوروبا!

تعامل رياض سلامة مع الحملات عليه ببرودة ظاهرة غريبة “Face Off”، ولم يبدِ أي رد فعل أو تعبير أو انفعال.

على مدى أربع سنوات، صار الرجل “منبوذاً” من غالبية اللبنانيين، ومتهماً من قسم من السياسيين، وملاحقاً من “بعض القضاء”.

كان الرجل “حاكماً” خارج “جمهورية” مصرف لبنان التي تمدّدت في كل اتجاه، ووصلت إلى باحة قصر بعبدا الذي كان ينتظر مجيئه على فرس أبيض، على إيقاع أغنية الموسيقار الراحل ملحم بركات “من فرح الناس عرفنا إنك جايي”!

كل هذه الأحلام، لم تتبخّر فقط، وإنما انقلبت كوابيس تقضّ مضاجع الاقتصاد اللبناني الذي كان ينام على حرير صنعه رياض سلامة، وكان يظنّ أنه سيملأ الطريق بين الحمرا وبعبدا.

أربع سنوات عجاف من عمر رياض سلامة. انهار المجد الذي ظنّ أنه يبنيه “ليرة فوق ليرة”، وتبخّرت قيمة الليرات!

وعلى مدى ثلاثين سنة، غطّى رياض سلامة كل الطبقة السياسية، التي عَبَرت أو استقرّت، وظنّ أنها كافأته بإبقائه حاكماً لـ”عصب البلد”، في حين أنها حافظت عليه لتحفظ نفسها وتواصل “استثمارها” تحت رعايته.

أما اليوم، فيبدو أن مظلّة الطبقة السياسية صارت ضعيفة، وتركت رياض سلامة يواجه الأعاصير التي تهبّ عليه، وإن تدخّلت بين الحين والآخر لإبقائه واقفاً على قدميه، ليس خوفاً عليه، وإنما لحماية نفسها من “مخزون” يحتفظ به في مكان ما، ولا يعرف أحد مكانه أو “تعويذته”.

بعد 30 سنة، غادر رياض سلامة “جمهوريته”.

هو اليوم يفكّر كثيراً، ويتحدّث قليلاً بكلمات مختصرة، كثير منها مرمّز. لا يبدو عليه الإرباك، ولا التردّد. يتصرّف الرجل بشيء من الثقة، ويوحي بالصلابة، وكأنه يملك من كلمات السرّ والمفاتيح ما يكفي للإيحاء بأنه يتحصّن في “قصر مرصود”!

غادر مكتبه الوثير والطاولة المليئة بالأوراق والمستندات، بـ”الزفّة”. هو اليوم يجلس على كنبة في منزله، ولو مؤقتاً، يأخذ نفساً من سيجاره.. ويبتسم بقلق!

لا شيء يوحي بأن هذا الرجل هو نفسه الذي يَضُجّ البلد بإسمه، وكان يُضِجّ البلد ببيان منه!

ليس ثمة ما يشي أن هناك ما يشغل باله، لكنه يعلم في قرارة نفسه أن هناك من يبحث عن خيط يلفّه حول عنقه.

تصدم ثقة رياض سلامة بنفسه، وببراءته، على الرغم من كل ما يحصل قضائياً وشعبياً، ومن كل ما يُنشر عن اتهامات بحقه وتحقيقات معه ومع المقربين منه.

ماذا سيفعل رياض سلامة بعد انتهاء ولايته؟ هل أصبح من دون حماية ومظلّة؟

يمتلك الرجل مخزوناً هائلاً من الأسرار التي راكمها على مدى 30 سنة، حتى صارت “صكوك حماية” له من أن يتحوّل إلى “كبش محرقة”. يستطيع الرجل، متى يشاء، أن يرمي ورقة واحدة من تلك الصكوك، حتى يحرّك العواصف السياسية في وجه من يريد من “حلفائه” السابقين.

يصح القول إن الحاكم السابق “ينام” على مخزون هائل من الوثائق التي قد تتحوّل إلى “سلامة ليكس” عندما يشعر بأي خطر.

لكن يبدو أن سلامة حصل على ضمانات كافية تجعله يخفي تلك الوثائق، ورقياً وعلى USB بشيفرة سرية، في أماكن ولدى أشخاص يثق بهم، ولن تخرج ورقة منها إلا استناداً إلى تعليماته.. أو “وصيته”! وهو تحدّث أكثر من مرّة مؤخراً بكلمات وعبارات تتضمن رسائل يفهمها من تعنيه، فالرجل امتهن السرية والتشفير…

يعرف رياض سلامة أن لديه قوة “سلاح فتّاك” في وثائق خطيرة يمكن تسميتها “شيفرة سلامة”، والتي أمّنت له الخروج الآمن من مصرف لبنان، وربما من البلد، وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا…