الموفد الفرنسي سيبدأ من حيث انتهت جلسة 14 حزيران

/ نقولا ناصيف /

اول ما ينتظره الداخل اللبناني من زيارة الموفد الفرنسي الخاص علامات حسية عن نتائج القمة الفرنسية – السعودية اخيراً. ثانيه ترقب خطوات جديدة مستعجلة. ثالثه مقاربة الفرنسيين حصيلة الجلسة الاخيرة لانتخاب الرئيس بأن وضعت للاستحقاق مساراً مختلفاً، اكثر استعصاء على الحل.

البعض القليل مما يفترض ان يقوله الموفد الفرنسي الخاص جان ايف لودريان في بيروت غداً صار معلوماً او شبه معلوم لدى المسؤولين:

1 – اصغاؤه الى الافرقاء اللبنانيين اكثر منه ادلاءه بما بات معروفاً في الموقف الفرنسي من انتخاب الرئيس، وهو استعجال اجرائه. الموقف نفسه سمعه اخيراً وزير الخارجية عبدالله بو حبيب في السعودية من نظيرته الفرنسية كاترين كولونا على هامش الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”.

2 – ليست المهمة الجديدة للودريان سوى ترجمة مراجعة أجرتها الرئاسة الفرنسية لموقفها من الاستحقاق الرئاسي، وأوجبت تعديلات على اسلوب العمل، من بينها إحداث مرجعية جديدة في التعامل مع المعضلة اللبنانية. لم تنشأ المراجعة تلك الا بعد تراكم الاخطاء منذ ما بعد الاجتماع الخماسي في باريس في 6 شباط الفائت، على اثره راحت تتسرب معلومات عن مسار جديد للديبلوماسية الفرنسية من خلال تواصلها مع حزب الله أفضى الى اقتراح ثنائية سليمان فرنجية – نواف سلام. مذذاك عُدّ الفرنسيون خرجوا عما رسمه الاجتماع الخماسي، وهو قصر مطالبته على مواصفات الرئيس دونما الخوض في الاسماء. كان قد وصل الى باريس ايضاً استياء فاتيكاني من الطريقة التي يدير بها الفرنسيون انتخابات الرئاسة اللبنانية على طريقة “البسيكلات” السائرة بدولابين. في ما مضى كان الفرنسيون ابلغوا الكرسي الرسولي انهم لن يتبنوا مرشحاً دون سواه قبل ان يُخلّوا بذاك التعهد.

3 – من غير المستبعد ان تكون الفكرة الجديدة، وربما الوحيدة، يدلي بها لودريان هي حضه الافرقاء على الجلوس الى طاولة حوار وطني في ضوء ما خلصت اليه جلسة 14 حزيران، بأن افضت الى مشكلة تجاوزت الخلاف على انتخاب الرئيس الى اصل النظام اللبناني وتعذّر استمراره بعدما اضحى معطلاً. في ظل التوازن الداخلي المكرَّس الاسبوع الفائت، من المحال لأي من الفريقين فرض مرشحه على الآخر او جرّه الى الهزيمة وكسر شوكته. جدوى الحوار المحتمل – سوى الذي طرحه الرئيس نبيه برّي ورفضه خصومه – انه يستمد فاعليته من زخم خارجي برعاية فرنسية او غطاء دول الخماسي توصلاً الى تسوية ترضي الكتل بلا خذلان وبلا خاسرين، وتقدم للبلاد رئيساً للجمهورية يُتفاهم عليه. لا يملك الزائر الفرنسي سوى ان يسأل القيادات التي سيلتقيها في اليومين المقبلين، في ضوء ما انتهت اليه الجلسة الاخيرة لانتخاب الرئيس كيف يسعهم الخروج من المأزق؟.

سلفاً حددت جلسة 14 حزيران – في الاسبوع التالي لتعيين لودريان موفداً خاصاً في 7 حزيران – السقوف المحلية لكليْ فريقيْ المرشحيْن سليمان فرنجية وجهاد ازعور. كل جلسة تالية ستكون على صورتها ونتائجها بفروق هزيلة تعلو او تهبط دونما تمكن اي منهما من كسر نمطية الخواء هذا. لم تخرج عن سياق الجلسات الاحدى عشرة السابقة كي تؤكد ان الوقت لا يزال مبكراً لانتخاب الرئيس، الا ان جلسة 14 حزيران حملت اكثر من سبب تجعل الافرقاء اللبنانيين المعنيين يتأنّون في قراءة نتائجها، ويعثرون يوماً بعد آخر على عناصر جديدة تركت اثرها في حصيلة الاصوات المدلاة لكل من فرنجيه وأزعور:

– المعلومات التي كُشف عنها لاحقاً عما رافق الساعات السابقة لانعقاد الجلسة. الثانية ما بعد منتصف ليل الثلاثاء الاربعاء، استقر آخر بوانتاج محتمل الى توقع حصول فرنجية على 47 صوتاً وأزعور على 63 صوتاً. كلا الفريقين ناما ليلتذاك على هذا الحساب. ما كان معلوماً ان الثنائي الشيعي أدار خطة تقضي بالحؤول دون بلوغ أزعور 60 صوتاً كما بالحؤول دون تدني اصوات فرنجيه الى أقل من 50 صوتاً. في الغداة، بعيد فرز النتائج على 51 صوتاً لفرنجية و59 صوتاً لازعور، عُزي فارق الاصوات الاربعة التي رفعت رقم فرنجية وخفضت رقم ازعور، الى كتلة صلبة مشهود لها انضباطها وانصياعها – طبعاً ليست التيار الوطني الحر – بأن “طُلب” الى اربعة من نوابها التصويت لفرنجيه فيما هي في فريق المقلب المناوئ.

لم يتوهّم احد في جلسة 14 حزيران ان مفاجأة يمكن ان تحدث تفضي الى انتخاب الرئيس خلافاً للتوقعات، لذا سَهُل الخروج على الانضباط ما دامت التسوية لم تنضج بعد، والجلسة تلك ليست الا احد تكتيكات الاشتباك السياسي.

– مقدار ما كان المتوخى من جلسة الاربعاء إسقاط استمرار ترشيح فرنجية، لم يُرد قائدو الحملة المعلنون الايحاء تحت اي عنوان ان الرئيس المرتجى هو أزعور. ذلك ما فسّر مسارعة افرقاء المعارضة بانتهاء التصويت الى القول انهم انتصروا على خصميْ المنازلة فرنجية وحزب الله، وهي الوظيفة الفعلية للذهاب الى الجلسة. فسّر ايضاً ان ما قيل قبل ايام على الجلسة ان ازعور سيحوز 65 صوتاً، وهي الغالبية المرجحة للفوز الدستوري في الدورة الثانية اذا انعقدت وللفوز السياسي في الدورة الاولى اذا اكتفي بها، سرعان ما راح الرقم ينحسر تدريجاً حتى اليوم السابق الى ان استقر على 63 صوتاً مؤكداً. فاذا جلسة 14 حزيران تنقصه الى 59 صوتاً. طنّة الرقم 60 تختلف عن طنّة الرقم 50 او الرقم 59. اكثر اهمية واكثر دلالة كونها تدفع المرشح الذي يحوزها الى حافة الفوز عندما يحين أوان انتخاب الرئيس.

الاهم في ما كان يُخشى حصوله يومذاك ايضاً، ان الفوز المعنوي للمعارضة بأفرقائها جميعاً، بنيل مرشحها ما يزيد على 60 صوتاً، سيحيله لاعباً غير مستغنى عنه في الملعب ويصعب التخلص منه. سيمسي عندئذ امراً واقعاً لمَن لم يُرده الا – في مغزى التقاطع – لالغاء ترشيح فرنجية ودفع الثنائي الشيعي الى التفاوض مع خصومه على مرشح ثالث.

– قوتان مؤثرتان في فريق المعارضة امتنعتا عن القول انهما انتصرتا في جلسة 14 حزيران: وليد جنبلاط الذي عاود المناداة بالتسوية، وجبران باسيل داعياً الى الحوار انطلاقاً من المأزق الاخير. كلاهما، خلافاً لشركائهما في فريق الائتلاف ضد سليمان فرنجية، لا يريدان المواجهة مع حزب الله الا ان ازعاجه لا يضيرهما. ينظران الى ازعور على نحو متناقض متنافر: ان يكون لدى جنبلاط مرشح تسوية لا اكثر ولا اقل، وان لا يكون حتماً لباسيل الرئيس المقبل المعوَّل عليه بل طريق مرور ليس الا. المفارقة انهما محسوبان في فريق المعارضة كحزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب والنواب المستقلين والتغييريين من دون ان يكونا كذلك، فيما الواقع انهما، جنبلاط وباسيل، في السلطة ووزراءهما في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. هي احدى التصوّرات اللبنانية المستعصية الفهم والمنطق.