“التوافق”.. حتى لا يشكّل 14 حزيران منعطفاً نحو 14 شباط!

/ جورج علم /

إختار رئيس مجلس النواب نبيه برّي تاريخ 14 حزيران موعداً لإنتخاب رئيس للجمهوريّة.
تاريخ الـ14، مثير، مقلق، صاحب خيال واسع مصبوغ بالأحمر القاني. يذكّر بـ14 شباط، ومسار الإغتيالات، والجنازات…
للرئيس حساباته، وللآخرين أيضاً. بعضهم يعتبر أن 14 حزيران، موعد جردة الحساب مع قوى 14 آذار.
إنه زمن التحدّي، والتصدّي.
والتحدّي، هو عنوان المرحلة. سليمان فرنجيّة مرشّح تحدّي. ميشال معوّض كذلك. جهاد أزعور أيضاً وأيضاً. بلغ التحدّي مدخل مجلس النواب، فهل يدخل القاعة، ويتعمّق الشرخ داخل محراب الديمقراطيّة، وبين نواب الأمة؟
شرخ طائفي، فئوي بين أكثريتين، حول مشروعين: “الدويلة” أو الدولة؟ “الممانعة” أو “الشراكة”؟ الشرق أو الغرب؟ إيران أو أميركا؟
إيران وأميركا جلستا وجها لوجه حول طاولة واحدة، إلى جانب الحكومة اللبنانيّة والعدو الإسرائيلي. وقّع آموس هوكشتاين، والدولة اللبنانية، إتفاق ترسيم الحدود البحريّة، وتحوّل إلى وثيقة رسميّة بعهدة الأمم المتحدة.
إنه ناخب أساسي، يستند اليه “الثنائي” في تعاطيه الدولي، والإقليمي لتسويق مرشحه، إنطلاقاً من إعتبارات:
أولها، أن “حزب الله” كان شريكاً في الترسيم، في حين أن المعارضة لم تكن كذلك. لم تكن ممثّلة بالحكومة، كونها معارضة. لم يكن الأميركي وكيلها المعتمد. مصلحته أولاً، ثم مصلحة “إسرائيل”، فوق أيّ إعتبار آخر. لم تكن السعوديّة رافعة لها، لأن المملكة لم تكن شريكة مشاركة في إتفاق الترسيم. إن ما أعطي لـ”الثنائي” لم يعط لسائر المكونات الأخرى.
ثانياً، إن الولايات المتحدة وإيران تلتقيان عند المفاصل الصعبة، رغم الخطاب العدائي المتبادل. وما كان “حزب الله” يوافق على إتفاق الإطار الذي رسمه الأميركي آموس هوكشتاين، بالتنسيق والتعاون مع “إسرائيل”، لو لم تكن هناك موافقة إيرانيّة حاسمة.
ثالثاً، وفقاً لصحيفة “فايننشال تايمز”، فإن المبعوث الأميركي بشأن إيران روبرت مالي على تواصل مستمر مع المندوب الإيراني لدى الأمم المتحدة سعيد إيرواني. وإن البحث يدور حول الإفراج عن المحتجزين لدى طهران، واحتمال العودة إلى مفاوضات فيينا في تموز المقبل.
رابعاً، أفادت وكالة “إسنا” الإيرانيّة، أنه سيتم الإفراج عن 24 مليار دولار من الأرصدة المجمّدة في العراق، وكوريا الجنوبيّة، وذلك في أعقاب الزيارة التي قام بها السلطان العماني إلى إيران، وزيارة مستشار الرئيس الأميركي إلى سلطنة عمان.
خامساً، إن استئناف العلاقات الدبلوماسيّة ما بين طهران والرياض، وانفتاح الرياض على دمشق، وعودة دمشق إلى حضن الجامعة العربيّة، كلها عوامل تساعد الثنائي على تصعيد خطاب المواجهة حول الإستحقاق الرئاسي، منطلقاً من قناعة مفادها أن التقاطع بين أحزاب المعارضة ما كان ليحصل حول إختيار جهاد أزعور، دون غيره من سائر المرشحين المعتدلين، لو لم تكن هناك إيحاءات خارجيّة. يعتقد جازماً أن هناك جهات نافذة شجّعت الأحزاب والتيارات المتباعدة على تسمية أزعور. ولكن هل هي مصرّة على السير به حتى النهاية، وهل تملك القدرة؟
ليس محسوماً بعد ما إذا كان الإستحقاق الرئاسي جزءاً من “صفقة” أميركيّة ـ إيرانيّة قيد الإعداد، بينها الإفراج عن المحتجزين، مقابل الإفراج عن أموال إيرانيّة مجمّدة في الخارج، والعودة قريباً إلى مفاوضات فيينا حول النووي.
وليس محسوماً بعد موقف الولايات المتحدة من الإستحقاق، وهل تريد رئيساً يولد من رحم إتفاق الإطار، ويمضي بالترسيم نحو التطبيع، أم تريده من رحم صندوق النقد؟
إن الأوراق الضاغطة، والمؤثرة على مسار الإستحقاق، لم تنكشف بعد. واحدة منها عودة البطريرك من الفاتيكان وفرنسا بأجواء الحوار، والإنفتاح على الثنائي الشيعي، وسائر المكونات، للوصول إلى توافق، حول الرئيس.
واحدة منها قطر صاحبة الدور، والحضور. كانت حاضرة في إتفاق الترسيم، كما الفرنسي، مع تمايز. الفرنسي يغازل إيران، و”حزب الله”، حرصاً منه على مصالحه، ومصالح “توتال” في الناقورة. كانت باريس ـ وربما لا تزال ـ متمسكة بالخيار الرئاسي الذي يرضي الحزب، فيما الدوحة، الحريصة على مصالحها أيضاً، لها خيار مختلف، تطرح التوافق، وتطرح إسماً جديراً به. وهذا ما عكسته حركة الوفود القطريّة التي زارت بيروت مؤخراً.
ويمكن للدور القطري أن ينتج مساراً توافقيّاً، ربما قبل 14 الجاري، وحتماً بعده. إنه دور منسّق مع الولايات المتحدة، ومع إيران، وفرنسا، والسعوديّة، وبعض عواصم دول القرار، وله قائمة من الأهداف، أولها ألاّ يكون 14 حزيران منطلقاً للعودة إلى زمن 14 شباط 2005، بطبعة جديدة منقّحة. وثانياً ألاّ يحمل 14 حزيران عبوة تحدّي ناسفة، على غرار عبوة 14 شباط، تفجّر المؤسسة الديمقراطيّة الأم، وتحدث شرخاً عميقاً بين نواب الأمة. وثالثاً ألاّ تكون هناك جلسة إنتخاب إلاّ تحت سقف التوافق.
إن المسافة الفاصلة عن موعد 14 حزيران، هي المتبقيّة لكشف كل الأوراق المستترة، خارجيّاً وداخليّاً. أوراق التصعيد، وأوراق التضميد. لبنان غير متروك. كل الخارج هنا. شياطينه في كل الأمكنة، وتتحرّك في كلّ إتجاه. رائحة النفط والغاز تزكم أنوف الجميع. وما بين التوافق، والتحدّي، تجري حسابات كبرى يفرضها تنافس المصالح.
حتى الآن، لا جلسة انتخاب إلاّ بالتوافق، لكن ملائكته لن تهبط إلاّ بمظلّة المفاجأة. المفاجأة سيدة المكان والزمان في لبنان. لكن من تمكّن من رسم حدود التفاهم في مياه الناقورة، قادر على رسم حدود التفاهم حول أي رئيس، لأي لبنان، وما تبقى في الداخل مجرّد حجار دمى تحرّكها أنامل خارجيّة. وكل الرجاء ألاّ يعيد 14 حزيران عقارب الساعة الى 14 شباط!